كتّاب وآراء

يوميات أستاذة في أرياف تونس    

الوجه الآخر لمهنة التدريس.. يكمن قصاص الغربة لتحقيق الذات والعمل في الثمن المدفوع الذي لا يراه الآخرون ، من صحّة وراحة و وحدة تقتلك على نار هادئة وغربة روحية  طويلة جدا ، وليالي و سنوات من البكاء الشديد وحدك دون حضن أو كتف يهون عليك ذلك ، ليالي باردة وأيام متشابهة لقهوة لا طعم لها تشربها على عجل وتسعى لتأدية الواجب .

واجب التدريس أقسى مهنة على أصحابها تورثنا وجع القلب والروح تأخذ من أعمارنا وأرواحنا من لحظات لا تتكرر مع الأهل وأحباب، ابتعدنا عنهم حتى أنك صباح عيد تستيقظ وحيدا تتفحص هاتفك وتعلم انك لم تتلق تهنئة بمناسبته …من سيتذكرك وأنت في المنفى مبعدة من سيراك هناك من سيشعر  بك تتفقد مفكرتك وتجد أرقام أطباء وعملة نجار حداد أسماء لمساعدات لبيتنا … إلخ ورقم أمك وتتصل والغصة في حلقك لا تستطيع الكلمات الصعود وتبق معلقا تسمع صوت أمك يقول” الو فاتن شبيك ؟”.

وتكرر ذلك حتى تغلق المكالمة ، عن فرحة منقوصة و غائبة عن عمري يمرّ، و يجري بسرعة البرق منذ تلقيك تلك البرقية التي قلبت حياتي ..لم أكن أعلم أنني بتوقيعي على تلك الورقة وقعت على موتي ببطئ شديد  وسرقة كل أحلامي.

كان العقد مغرياً ربما لم أقرأ بين سطوره جيدا لم أر تلك الأفاعي تتخلل كل كلمة كٌتبت وأنه بتوقيعي فإنني أسلم الحبل لخانقي ، أتذكر يوم وقعت وسعادتي وبكائي فرحا وقتها  عن طفل في العائلة تركته رضيعا كبُر  ولم تشعر به ،عن أب لم تشبع منه كبُر هو أيضا وونهن و غادرك  جسدا لا روحا.

عن أحلامك المؤجلة عن رغبتك في سماع كلمات ربما غيرت مجرى حياتك، عن تخيلك لوقع كلمة ” أحبك”.. ترى كيف يتسارع النبض لحظتها ؟ عن حضن مفاجئ  بلا توقيت عن أشياء أخرى…  لا أدري” عن وقع كلمة أمي” ترى بماذا تشعر الأم عند سماعها كلمة أمي أول مرة ، عن أعياد قضيناها لوحدنا ،عن أيام في رمضان جلسنا فيها لطاولة بما لذ وطاب ولكن لأنفسنا …

نؤدي الواجب والرسالة وكل الكلمات المنمقة الفضفاضة التي ما عدت أشعر بها عن أي عمل ؟وأي واجب وأي حياة .؟..عن أيام خفت الموت لوحدي ..عن ليالي إسنتندت فيها للحائط  والكرسي حتى أتمكن من الوصول  لكأس الماء أشربه  على  عجلة  مع  حبّة  الدواء وأعود لسريري   باكية بحرقة تخلع غلاف قلبي وصدري عن عمري الذي أفنيته ونسيت أني إمرأة …

عن ماذا ….ترى هل أستطيع العودة للوراء … كيف سأكمل المشوار ، و ماذا تخبئ لنا الأيام ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى