[ الصفحة الأولى ]ثقافة وفنون

بلادى بلادى وبلح زغلول، جولة بين روائع فنان الشعب سيد درويش

يرتحل بنا الرحّالة الكبير المهندس فاروق شرف استشارى وخبير الترميم والمنشآت التاريخية بين جنبات منزل سيد درويش فنان الشعب من خلال دعوته من محمد حسن سيد درويش حفيد فنان الشعب سيد درويش ليحل ضيفًا فى منزله بروض الفرج شارع جزيرة بدران حارة جامع خورشيد، وشاهد مقتنياته الفنية التى تحتوى على العود العتيق والغرامافون وبعض النوت الموسيقية النادرة وأيضا صوره المتنوعة

أمسك الكاتب محمد يونس القاضى عام 1923م أوراقه الذهبية وقلمه الماسى ليكتب الكلمات الخالدة الذى نتغنى بها صباحًا ومساءً “بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى” والذى اشتقه من كلمات ألقاها الزعيم الوطنى مصطفى كامل فى إحدى أشهر خطبه عام 1907م وقام بتلحينها الفنان خالد الذكر المسيقار سيد درويش إحتفالًا بعودة الزعيم سعد باشا زغلول من المنفى.


تربية فنان الشعب

ويروى لنا المهندس فاروق شرف سيرة فنان الشعب سيد درويش بحى كوم الدكة بالأسكندرية فى 17 مارس عام 1892م فى عهد الخديو عباس حلمى الثانى وذلك بعد مرور 10 سنوات على الإحتلال البريطاني للأراضي المصرية وقد كانت مصر يومئذ تابعة للخلافة العثمانية، ألحقه والده بكتّاب ( سيدى أحمد الخياش ) الذى مكنه فى خلال سنتين من حفظ كتاب الله ثم انتقل إلى مدرسة ( حسن حلاوة ) تلك المدرسة التى كان بها مدرس مغرم بالغناء الأمر الذى جعل سيد درويش أكثر إقبالاً على حفظ وإستيعاب تلك الأنغام والتى كشفت عن موهبته.

أحاطه مدرسه بالرعاية وحسن التدريب إلى أن أصبح رئيسًا لفرقته .. وبعدها انتقل سيد درويش إلى مدرسة ( ىشمس المدارس ) بحى رأس التين .. وكانت المصادفة أن أحد مدرسيها كان يعمل ليلًا بفرقة الشيخ سلامة حجازى فكان الإكتشاف لهذا الفنان الموهبة.


في عام 1905م التحق سيد درويش بالمعهد الديني بمسجد إبي العباس بالإسكندرية، ثم انتقل إلى مسجد ( الشوربجي ) ليستكمل دراسته بالسنة الثانية حيث استكمل حفظ القرآن الكريم وجوّده، وتفوق علي أقرانه بأسلوبه المتميز في تلاوة القرآن الكريم، وظل سيد درويش يؤذن للصلاة في هذا المسجد طيلة ذلك العام الدراسي، و ذاعت شهرته بين مشايخ المعهد وطلبته واكتسب ودهم وصداقتهم.

شهرته كمقرىء

ويتابع المهندس فاروق شرف، في عام 1907 مات أبوه الحاج درويش البحر تاركًا الأسرة بدون موارد مالية فقام الإبن الوحيد سيد درويش بتحمل مسئولية أمه وشقيقاته البنات، ففتح حانوتًا للعطارة كان مكسبه قليلًا، وفى أحد أيام الجمع أغلق حانوته وذهب ليؤدي صلاة الجمعة في جامع إبي العباس، فطلب منه شيخ المسجد أن يقرأ سورة الكهف لتغيب المقرىء فأحسن سيد درويش وأجاد التلاوة، ومنذ ذلك الوقت بدأت الخطوات الأولي لشهرته كمقرىء.

ملاحظ عمال

يشير المهندس فاروق شرف إلى أن سيد درويش أراد تحسين وضعه المالى فعمل كمغني يؤدي ألحان الشيخ سلامة حجازي في فرقة “جورج دخول” وكانت تسمي بفرقة “كامل الأصلي” ولم يستمر عمله طويلًا لأن الظروف قضت بحل الفرقة، وكان التحاقه بهذه الفرقة سببًا أساسيًا في فصله من المعهد الديني، واضطرته ظروف الحياة الملحة أن يعمل مناولًا لعمال البناء، كان يحاول في عمله ان يعبر عن آلامه وأحزانه بغناء بعض الألحان الفولكلورية التي كانت شائعة بين الأوساط الشعبية في ذلك الحين، ولاحظ المقاول زيادة الإنتاج ورغبة صادقة من عمال البناء في اقبالهم علي العمل كلما انطلق صوت سيد درويش بالغناء، مما دفع المقاول إلي اختيار سيد درويش ملاحظًا للعمال علي ان يكتفي منه بالغناء لهم اثناء العمل.


سيد درويش بالشام

منذ تلك اللحظة صار سيد درويش مطربًا لأول فرقة عمالية من زملائه عمال البناء وأثناء اندماج سيد درويش في غنائه للعمال، تشاء الأقدار أن يستمع اليه الاخوان ( سليم وأمين عطا الله ) وهما جالسان علي مقهي مجاورة فأعجب بأدائه الغنائي وصوته وعرضا عليه اتفاقًا ليعمل معهما مغنيًا في فرقتهما الجوالة التي كانت تستعد للسفر إلي الشام فلم يتردد سيد درويش في قبول العرض .. سافر مع الفرقة مرتين عامي (1909 و 1912 ) وفي الرحلة الأولي لم ينجح سيد درويش بسبب سبق وجود الشيخ سلامة حجازي في الشام قبل رحلته، مما اضطره لمزاولة فن التمثيل في هذه الرحلة، فاكتسب خبرة في الأداء المسرحي كممثل وهذه التجربة والممارسة العلمية لفن التمثيل أفادته كثيرًا عندما بدأ نشاطه في التلحين للفرق المسرحية.

بداية الشهرة

وينوه المهندس فاروق شرف إلى المرحلة الثانية فى حياة فنان الشعب وكانت بدايتها عام 1912 حين التقى ببعض كبار الموسيقيين أمثال الشيخ صالح الجذبة والشيخ علي الدرويش والأستاذ الكبير عثمان الموصلي وغيرهم ، فأخذ ضروبات وموازين موسيقية كثيرة وموشحات عربية قديمة، كما تشبّع بالكثير من أغانيهم فحفظها واتقنها واستفاد منها، ثم عاد إلى مصر بعد أن زار كل أنحاء الشام والعراق والأناضول وتركيا، وعاد مقتنيًا زخيرة من الكتب الفنية والأدبية .

فنان الشعب بالقاهرة

في عام 1914 مارس سيد درويش الغناء في المقاهي بالإسكندرية بعد أن تخير لنفسه مجموعة من العازفين، ومن هذه المقاهي ( شيبان – سلامون – الإسماعيلية – السلام )، وفي عام 1917 انتقل سيد درويش للقاهرة وبدأ يشق طريقه الفني بصعوبة، وما كاد الشيخ سلامة حجازي يعرف بعض متاعب سيد درويش في الحياة حتي بادر إلي إقامة حفل عرض فيه رواية ( غانية الأندلس ) خصص ايراده له، إلا أن سيد درويش كان عزيز النفس – اشترط ألّا يأخذ شيئًا إلا إذا قام بعمل يستحق عليه المكافأة، فسمح له الشيخ سلامة بالإنشاد والغناء بين فصول الرواية ولكنه قوبل من الجمهور بفتور شديد .
في عام 1917 بدأ سيد درويش نشاطه في المسرح الغنائي بالتعاون مع فرقة جورج أبيض، فلحن له روايتي ( الهواري ) و( فيروز شاه )، ثم تعاقد مع فرقة نجيب الريحاني ولحن لها أجمل الأغاني ذات الطابع الشعبي والتي كتب أزجالها بديع خيري وغناها نجيب الريحاني بشخصيته المرحة ( كشكش بيه )

ناشطًا موسيقيًا

ويشير المهندس فاروق شرف إلى تفتّح عين سيد درويش على الإحتلال البريطاني الذى كان سببًا فى معاناة الشعب، فأدرك مدى تأثير ألحانه على الأسماع، فقرر أن يصبح ناشطًا سياسيًا موسيقيًا، ترصد كلمات أصدقائه ما يحدث في الشارع المصري، فيحولها إلى منشورات مُلحنة تتناقلها الشفاه.
ولا شك في أن أغنية “بلح زغلول” أكبر دليل على ذلك، حين تحايل على القرارات السياسية للاحتلال الإنجليزي بمنع تداول اسم الزعيم الوطني سعد زغلول في الهتافات بعد نفيه فقال:
يا بلح زغلول – يا حليوة يا بلح
يا بلح زغلول – يا زرع بلدي
عليك يا وعدي – يا بخت سعدي – زغلول يا بلح

صوت ثورة 1919

كان سيد درويش صوت ثورة 1919 الذي أشعل حماس الجماهير في مصر فهو لم يكن ملحن و مجدد بل تحول إلى مؤرخ ، خط بالموسيقى أحداث التاريخ، بل ووثق بعض المهن والألفاظ التي لم تعد موجودة في يومنا هذا .. ولقد تجول درويش بعوده في شوارع مصر ليغني عن الوطن والكادحين، والفلاحات وبنات “البندر” أو المدن والأجنبيات، وغنى كذلك على لسان الصعايدة والسودانيين، والأروام بل والأعجام.

وفاة صوت الكادحين

توفى سيد درويش صوت الكادحين فى 15 سبتمبر 1923م وفنه محفور فى ذاكرة الأمة فهو من رصد قضايا كل فئات الشعب، كالجرسونات والشيالين والصنايعية والموظفين والسقايين”. وترك إرثًا موسيقيًا أكثر من رائع تتغنى به الشعوب .
ونتمنى أن تظهر أعماله التى لم تذع من قبل فقد حالت وفاته دون ظهورها للآن بالرغم من مرور 101 عام على وفاته حيث يؤكد حفيده عاشق الموسيقى المصرية والعربية الأستاذ محمد حسن سيد درويش البحر وجود أعمال لفنان الشعب تحتاج إلى الظهور للأجيال الحالية

ترميم منزل سيد درويش

أعلن المهندس فاروق شرف بأن شركة أرابيسك للعقارات ورئيس مجلس إدارتها العاشق للتراث و لهذ الفن الأصيل بالقيام الآن بترميم منزل إمام الملحنين سيد درويش لإحياء هذا التراث الفنى النادر المرتبط بذاكرتنا الوطنية والقومية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى