ميادة سيف تكتب: وعد بيلفورد والقمه العربيه الطارئه 2025 (1)

يُعد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من أطول الصراعات في التاريخ الحديث، حيث يمتد لأكثر من سبعة عقود منذ نشوء دولة إسرائيل في عام 1948 وقد عاصر هذا الصراع مراحل متعددة من الحروب المباشرة والنزاعات غير المباشرة، التي أثرت بشكلٍ كبير على استقرار منطقة الشرق الأوسط. ارتبط هذا الصراع بطموحات إقليمية وتدخلات دولية متزايدة، وأثر بشكل مباشر وغير مباشر على الدول المجاورة، بما في ذلك مصر التي تُعد من الدول الأكثر تضرراً من تأثيراته الإقليمية إذ أن مصر، بحكم موقعها الجغرافي ودورها السياسي كدولة محورية في المنطقة، قد تأثرت أبعاد أمنها القومي جراء هذا الصراع، بدءًا من التحديات الأمنية المرتبطة بالحدود مع قطاع غزة وصولاً إلى التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن موجات النزوح والتدفق غير المنتظم للسكان عبر حدودها.
تاريخ وجذور القضية
المطلب الأول / ما قبل عام 1947 يمكن القول بأن المزاعم الدينية والسياسية قد مهدت الطريق أمام المشروع الصهيوني لاستيطان واحتلال أرض فلسطين.. فعلى الصعيد الديني، ظهرت حركة “الإصلاح الديني البروتوستانتي” في القرن ال16، والتي نظرت لليهود على أنهم أهل فلسطين المشردون في الأرض – وذلك وفق الرؤية التواراتية – وإيمان الكثير من البروتستانت بنبوءة “العهد الألفي السعيد”، والتي ترى أن اليهود سيجتمعون مرة أخرى على أـرض فلسطين؛ تمهيدًا لعودة المسيح المنتظر. بمعنى أدق ظهرت الصهيونية غير اليهودية وسط البروتستانت والذين يشكلون غالبية سكان بريطانيا وأمريكا وهولندا ونصف سكان ألمانيا، وبالتالي كانوا أكبر داعم لتأسيس المشروع الصهيوني المستند على أساس وزعم ديني.
وعلى الصعيد السياسي. شهدت أوروبا تحولات وتغيرات سياسية كبيرة خاصة مع فصل الدين عن الدولة وتهميش دور الكنيسة، حيث تم تحرير اليهود ومنحهم كافة حقوق المواطنة – خاصة في دول أوروبا الغربية – وبالتالي نجحوا في اختراق المجتمعات والأنظمة الأوروبية.. كذلك انتشار الفكرة القومية والمشاعر الوطنية، وذلك بتأسيس الدول القومية الحديثة، وهو ما ساهم بدوره في زيادة تحرر اليهود في دول غرب أوروبا واندماجهم في مجتمعاتهم.. لكن تلك المشاعر الوطنية والقومية كان لها تأثير آخر على اليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، حيث التواجد الأكبر لهم، والذين قاوموا عمليات الدمج وكثفوا من المشاركة في الحركات الثورية المعادية للحكومة القيصرية الروسية؛ لهذا تولدت مشاعر العداء تجاههم خاصة بعد اغتيال “ألكسندر الثاني”، قيصر روسيا، عام 1881م، واتهام اليهود باغتياله، وبدء سلسلة من الخطوات للحد من خطورتهم، وهو ما أدى بدوره لبدء الهجرات اليهودية لأوروبا الغربية والأمريكتين. لتأتي بعدها الفرصة الذهبية للحركة الصهيونية للمطالبة بإنشاء وطن أم ليهود العالم في فلسطين خاصة مع مزاعهم الدينية المروجوة لكونها وطنهم الأم.
ومع التعاطف الذي كسبه هؤلاء اليهود من إيمان غالبية البروتستانت بتلك الأحقية، وضجر أوروبا والغرب من تدفق اليهود الكبير على أرضهم المطلب الثاني:موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين ويمكن إجمال الهجرات اليهودية للأراضي الفلسطينية في خمس مراحل أساسية، وذلك حسب ما ورد على موقع الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية إلى خمس هجرات، هي
◦ الأولى: (1882- 1903م): في الفترة بين سنة 1882 وسنة 1903، هاجر إلى فلسطين ما يقارب 25,000 نسمة. يستقر جزء منهم في المناطق الريفية حيث ينشئون مشاريع زراعية بفضل المساهمات الماليّة الضخمة لليهود الأوروبيّين الأثرياء، وأبرزهم البارون إدموند دي روتشيلد ، والبارون موريس دي هيرش.
الثانية: (1904- 1914م): شهدت قدوم حوالي 40,000 مهاجر، يتميز العديد منهم بالتزام أيديولوجيّ قوي بـ الصهيونية وبرفع شعار “احتلال الأرض”.
الثالثة: (1919- 1923م): يصل ما يربو عن 35,000 من المهاجرين الصهاينة، وذلك في أعقاب رحيل نحو ثلث السكان اليهود إلى خارج فلسطين بين العامين 1914 و1918.
الرابعة: (1924- 1928): “يصل فلسطين ضمن هذه الموجة أكثر من 67,000 مهاجر صهيوني.
الخامسة: (1928- 1939م): “يصل فلسطين ضمن هذه الموجة أكثر من 250 ألف مهاجر يهودي، وهو ما يعني ازدياد عدد السكان اليهود في فلسطين بنسبة 30%”.
مؤتمر كامبل بنرمان :
دعا حزب المحافظين البريطاني لعقد مؤتمر سري بلندن عام 1905-1907 ضم دول استعمارية (بريطانيا – فرنسا – هولندا – بلجيكا – إسبانيا – إيطاليا)، لتشكيل وحدة سياسية بالمنطقة من المحيط للخليج، وخرج بوثيقة “كامبل” مفادها: أن البحر المتوسط شريان حيوي للاستعمار، لأنه جسر يصل الشرق بالغرب، وممر طبيعي للقارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، ومهد الأديان والحضارات، والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية شعب تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة.
وكان أبرز ما جاء في توصيات هذا المؤتمر الآتي:
أ- إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وقاموا بتقسيم دول العالم لثلاث فئات كالتالي:
1. الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (أوروبا وأمريكا الشمالية وإستراليا) يجب دعمها مادياً وتقنياً لتصل لمستوى متقدم.
2. الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ولا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديداً (أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا) يجب احتواؤها ودعمها بما لا يشكل تهديداً.
3. الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديداً، وهي الدول العربية خاصة والإسلامية عامة) ويجب حرمانها من الدعم واكتساب العلوم والمعارف والتقنيات.
ب- محاربة أي توجه وحدوي فيها، ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر لإقامة دولة إسرائيل بفلسطين، لتكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الإفريقي عن الآسيوي ويحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب، وهذا الفصل بين آسيا وإفريقيا يبقي العرب في حالة ضعف.
وعد بلفور أو إعلان بلفور عام 1917:
وهو بيان أصدرته الحكومة البريطانية لإعلان دعم تأسيس وطن لليهود في فلسطين، وضمن هذا الوعد في رسالة بتاريخ 1917/11/2 موجهة من وزير خارجية بريطانيا (آرثر بلفور) إلى اللورد (ليونيل دي روتشيلد) أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا، ونشر نص الوعد (أو الإعلان) في الصحافة بتاريخ 1917/11/9، والتي أعقبها إعلان قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1947.