ميادة سيف تكتب: لماذا تخشى أمريكا من صعود الصين؟

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، ظهر نظام عالمي جديد قائم على الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة الرأسمالية والاتحاد السوفيتي الاشتراكي ، لكن سرعان ما تحول إلى صراع على النفوذ، خاصة حول تقسيم أوروبا والتعويضات وتشكيل الأنظمة السياسية كما شهدت الفتره من 1945 إلى 1968، سعي الولايات المتحدة لاحتواء المد الشيوعي عبر مشروع مارشال لدعم أوروبا الغربية، وإنشاء حلف الناتو، بينما عزز السوفيت نفوذهم في أوروبا الشرقية عبر حلف وارسو ، كما شهدت هذه الفترة سباقًا للتسلح النووي والتكنولوجي و بحلول السبعينيات، تحولت الخريطة الجيوسياسية بظهور الصين كقوة شيوعية منافسة، وبروز دور الأمم المتحدة كساحة للصراع عبر استخدام حق الفيتو ، رغم الهدوء النسبي في الثمانينيات، ظل العالم على حافة المواجهة حتى انهيار الاتحاد السوفيتي لاحقًا، منهيًا حقبة الحرب الباردة و من هنا نفهم سبب الارتباط الوثيق بين روسيا و الصين لانهم متفقين في نفس طريقه الاداره لبلادهم و هي الاشتراكية و الفكر الشيوعي لذلك هما قوه متحده بعيدا عن الفكرالامريكي الراسمالي .
ومع الصراعات اليومية التي تتابدلها امريكا مع الصين منذ تولي دونالد ترامب الرئاسه بسبب انخفاض حجم الصادرات الأمريكية إلى الصين لتمثل 143.5 مليار دولار أمريكي في عام 2024، بانخفاض قدره 3% عن عام 2023. في الوقت نفسه، ارتفعت الواردات من الصين لتصل الي 438.9 مليار دولار أمريكي وقد أدى ذلك إلى اتساع العجز التجاري بين واشنطن وبكين، الذي تجاوز 295.4 مليار دولار أمريكي العام الماضي.
حيث تنظر الصين إلى صعودها الاقتصادي كحق طبيعي لدولة نامية تسعى إلى تحقيق التنمية والرخاء لشعبها ، وترى أن محاولات الولايات المتحدة للحد من هذا الصعود هي بمثابة عرقلة غير مبررة لطموحاتها المشروعة كما تشير بكين إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي، الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، يعكس مصالح القوى الغربية بشكل كبير>
وتسعى إلى لعب دور أكثر تأثيرًا في تشكيله و من جانب اخر، ترى الولايات المتحدة أن صعود الصين الاقتصادي، الذي تحقق جزئيًا عبر ممارسات تجارية ، تعتبرها غير عادلة كسرقة الملكية الفكرية، ونقل التكنولوجيا القسري، والدعم الحكومي الضخم للصناعات المحلية و قد أخل بميزان المنافسة وأضر بمصالحها الاقتصادية كما أن العجز التجاري الأمريكي المزمن مع الصين يمثل نقطة خلاف مستمرة و من هنا تبنى الرئيس ترامب سياسة “أمريكا أولاً” التي تركز على حماية الصناعات الأمريكية وتقليل العجز التجاري الكبير مع الصين فكان ينظر إلى هذا العجز على أنه دليل على استفادة الصين غير العادلة من الولايات المتحده فلجأ ترامب بشكل مكثف إلى استخدام الرسوم الجمركية كأداة للضغط على الصين لتغيير ممارساتها التجارية وتقليل العجز التجاري و تم فرض رسوم على مجموعة واسعة من السلع الصينية المستوردة فكان الهدف من هذه الرسوم هو جعل المنتجات الصينية أكثر تكلفة بالنسبة للمستهلكين والشركات الأمريكية، وبالتالي تشجيعهم على شراء المنتجات الأمريكية كما كان يهدف إلى إجبار الشركات الصينية على التفاوض على شروط تجارية جديدة.
فإن المخاطر المترتبة على هذا الصراع الاقتصادي المتصاعد تتجاوز حدود البلدين المتنازعين وتمتد لتشمل النظام الاقتصادي الدولي و من اهمها
1. تفكك سلاسل الإمداد العالمية: لقد أدى التكامل الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين إلى بناء سلاسل إمداد عالمية معقدة وفعالة ، إلا أن التوترات الحالية تدفع الشركات إلى إعادة تقييم هذه السلاسل وتنويع مصادرها، أو حتى نقل الإنتاج إلى دول أخرى و هذه العملية، التي يطلق عليها أحيانًا “فك الارتباط” أو “تقليل المخاطر”، قد تؤدي إلى زيادة التكاليف وتقليل الكفاءة، مما يضغط على النمو الاقتصادي العالمي ويزيد من احتمالية حدوث اضطرابات في الإمدادات
ينتج عنه تباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي فالشركات تحجم عن القيام باستثمارات طويلة الأجل في ظل بيئة اقتصادية غير مستقرة ومليئة بالمخاطر ،هذا بدوره يؤدي إلى تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي ويقلل من فرص خلق الوظائف وتحسين مستويات المعيشة.
2. زيادة التضخم: إن فرض الرسوم الجمركية وتفكك سلاسل الإمداد يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الأسعار على المستهلكين في مختلف أنحاء العالم في ظل الضغوط التضخمية الحالية التي يعاني منها الاقتصاد العالمي، فإن أي تصعيد إضافي في التوترات التجارية قد يزيد من حدة هذه المشكلة ويجعل مهمة البنوك المركزية في السيطرة على التضخم أكثر صعوبة.
3. تراجع النظام التجاري متعدد الأطراف: لقد لعبت منظمة التجارة العالمية (WTO) دورًا حيويًا في تنظيم التجارة الدولية وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي إلا أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى لجوء الدول إلى الإجراءات الحمائية الأحادية، يضعف من دور المنظمة و مبادئ النظام التجاري متعدد الأطراف القائم على القواعد و هذا قد يؤدي إلى فوضى تجارية وزيادة النزاعات بين الدول.
4. مخاطر التجزئة التكنولوجية: يتصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين في المجال التكنولوجي، خاصة في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي و هذا التنافس قد يؤدي إلى ما يسمى بـ “التجزئة التكنولوجية”، حيث ينقسم العالم إلى معسكرين تكنولوجيين منفصلين بمعايير وقواعد مختلفة و هذه التجزئة ستعيق الابتكار والتعاون العلمي وستزيد من التكاليف على الشركات التي تعمل على مستوى عالمي.
5. تداعيات جيوسياسية أوسع: إن الصراع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين ليس مجرد نزاع تجاري، بل يحمل في طياته تداعيات جيوسياسية أوسع فهو يؤثر على التحالفات الدولية والعلاقات الثنائية ويخلق حالة من عدم الاستقرار في النظام الدولي وقد يدفع هذا التنافس الدول الأخرى إلى الانحياز لأحد الطرفين، مما يزيد من حدة الاستقطاب العالمي كما اشارنا في بدايه المقال عن الترابط الواضح بين الفكر الشيوعي لكل من الصين و روسيا و التحالف بينهم و ايضا التجالف الواضح بين امريكا و دول اوروبا الغربيه و ظهور خريطه سياسيه اقتصاديه عالميه جديده .
و حفظ الله مصر شعبا و ارضا.