حكايات النائحة (٤)

<< بدء التعب يتملكني، وأنا أسلك الدرب الجبلي المتجة جنوباً، دروب الجبل التي طالما كانت تحمل الأساطير لنا، ونحن صغار، الجميع تخلص من خيالاته، الإ أنا، الجميع أستيقن أن الأمر لم يكن الإ حكايات الأعمام لتردعنا عن السير في دروب دراع أبو النجا ثم العساسيف الإ أنا، لم يتغير داخلي شئ، أيقن تماماً أنهم حولنا، أدرك تماماً أنهم ينظرون إلينا.
<< حذرني والدي من هذا رحمه الله، ماتت أمي، و دفعت ثمن أنها أسترقت السمع إلي سيدة المقبرة، كل هذا يعصف بداخلي تماماً، وأنا أسير في، طريقي الذي اخترته، وعن سر طالما حرمني من النوم، بدأت مشارف اطلال الكهنة تلوح، و دير المحارب، وما يلفه حكايات يظهر، وتوقفت تحت الأطلال ، هواء ساخن بدء يضرب وجهي بقوة، غطيت وجهي بشال أبيض كنت قد وضعته خوفاً من أن يراني أحد، نزلت من خلال بيوت الكهنة الي نجع لولح.
<< ما هذا الأسم الغريب، و لماذا سمى لولح، اجلت كل هذا الجبل و تقدمت الي بيت ام دسوقي، درب يبلغ عشرة أمتار ، ترابي ناعم يجعل لبيتها مدخل خاص تخيل لي ان بقايا ترس الساقية كحارس يحرس المكان، ثلاث خبطات علي الباب، و لا مجيب أنتظرت قليلاً وعاودت الكرة محال أن أعود أدرك تماماً أنها تراني أشعر أن عيونها تلتهم ما بقي مني من روح.
<<حركة الباب العتيق ايقظتني من خيالاتي، و ببط شديد مر علي كأنه أيام فتح الباب، تسمرت في مكاني، لم تسألني حتي عن سبب زيارتي، تراها تعرفني، هل أخبرها الحارس بزيارتي، أنا لم اخبره أصلاً أني سافعل ذلك، برودة البيت الطيني الفسيح أبتلعتني تماماً، سارت امامي دونما كلمة ، مدت يدها باشارة أن أجلس ، جلست علي دكة عتيقة، وعليها شال من صوف الماعز، تمنيت أن تتكلم، أحضرت لي كوز ماء من جرة في الركن، بادرتني بكلمات ارعبتني.
> رحمة الله علي أمك يا ولدي، كانت حبيبة، لم أجب، قالت، وقد وضعت يديها حول وسطها، ماذا جاء بك، بعد أن تأكدت من وجهها أنها هي، نعم أنها هي، نفس نظرتها القاسية، نفس قسوة الكلمات، وهي تخرج منها، قالت لي فوق يا ولدي، كفاية اللي حصل للحبيبة، قلت لها رحمها الله.
>> أمسكت يدي، و زاد رعبي ضغطت علي يدي، وقالت لا تذهب اليها يا ولدي، دعك مما في عقلك من جنون لا تذهب اليها، قلت من تقصدين يا خالة، ضحكت، و ظهرت أسنانها الصفراء، و هي تقول جدتي، قلت لها أنا لا أعرف جدتي، قالت لا تعرفها، و ذهبت لزيارتها، يا ولدي ، أتركنا، وحالنا، نحن سلسال ليس له نهاية، يا ولدي لا توجع قلب أمك عليك .
>> من يسترق السمع سيدفع الثمن، قلت لها يا خالة أريحي قلبي ، قالت راحت قلبك أنك تعرف أن لك حدود، يا ولدي ، كل حزينة تبكي بكاءها، يا ولدي لم يتوقف النواح، و لن يتوقف، أنت أخترت أن تعيش في جبل الأموات، أنت أخترت ان تعيش جبل القرنة، و عليك أن تتعلم منهم الصمت.
>> يا تري هل أم دسوقي هي سيدة المقبرة أم هي حفيدتها، وكيف و رثت عنها ملامحها بالكامل، نظرت إلي، بنظرة فهمت منها أنها تريد أن تنهي زيارتي، تحركت ببطء أريد ان أسألها عما بقي في صدري، حركت يدها وكأنها تقول أخرج، أغلقت الباب، وسمعتها تتمتم، وكأنها تحدث أحداً معها، مجنون، واد مجنون مش عارف أننا سلسال ، سلسال.
>> أستسلمت للطريق وأنا أردد ما كنت اسمعه من أمي بعد وفاة أبي، طالعه، و أنا ورائه أقول، قال عاودي فض النفع، والقول طلعت الجبل علي ذمة ألقاه، لقيت الحصي، و الرمل سواه، ورددت في نفسي إنه سلسال سلسال.