تاريخ وحضارة

جزيرة النباتات في أسوان.. تاريخ من الجمال والعراقة

رضوى عبدالرحيم

تعد جزيرة النباتات، إحدى أقدم الحدائق بالعالم، وأهم المزارات السياحية في مدينة أسوان، وتقع على جزيرة بأكملها، تحتوى على العديد من الأشجار والنباتات النادرة، وق شهدت جزيرة النباتات زيارة العديد من الشخصيات التاريخية البارزة لعل أهمهم، نهرو رئيس وزراء الهند وجوزيف تيتو رئيس يوغسلافيا، بالإضافة إلى الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا العظمى

كان يستوطنها النوبيون وقد سموها حديقة النطرون، ثم استخدمها الإنجليز لاحقا في أواخر القرن التاسع عشر كقاعدة عسكرية وسموها جزيرة السرادا ، لكن الملك فؤاد الأول قام مرة أخرى بتغيير إسمها لتصبح جزيرة الملك، إلى أن قامت الثورة المصرية في يوليو 1952 ليأمر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتسميتها أخيرا بـ جزيرة النباتات

ورغم مرور قرابة 121 عاما على إنشائها، تظل حديقة النباتات بأسوان واحدة من الحدائق التراثية التى مازالت تحتفظ برونقها وشهرتها، ومنذ أن اتخذها اللورد كتشنر المعتمد البريطانى مقراً لقيادته، وهى تتمتع بسمعة عالمية، زارها الزعماء عبد الناصر وتيتو ونهرو والملكة إليزابيث وغيرهم، و مازالت مقصداً لكل زوار جنوب مصر سواء من العلماء والباحثين و الطلبة أو حتى السياحة الداخلية.

وبرغم أن محافظة أسوان والحكومة لا تبخل بالإنفاق على هذه الحديقة العالمية التى تحولت إلى متحف أخضر فى قلب النيل، إلا أن هناك تساؤلات حول عملية النظافة خاصة بعد إلغاء عقد شركة الخدمات، وكذلك حول موعد الانتهاء من استكمال معمل زراعة الأنسجة..

نشأة الحديقة

تقع الحديقة على جزيرة مستقلة وسط نيل أسوان وتكونت من ترسيب الطمى على الصخور الموجودة أصلاً فى مجرى النيل، وكانت قبل وقت سابق ملكاً لبعض أهالى النوبة وكانوا يطلقون عليها باللغة النوبية القديمة «جت جارتي» وتعنى جزيرة النطرون، كانوا يزرعونها بالنباتات والأعلاف الخضراء، وكانت معدات الرى آنذاك عبارة عن ساقيتين إحداهما فى الناحية الشرقية للجزيرة والأخرى فى الناحية الغربية.

فى عام 1898 اتخذها المعتمد البريطانى اللورد كتشنر معسكراً ومقراً لقيادته أثناء فتح السودان فسميت وقتها بجزيرة «السردار»، ثم تغير اسمها فى عهد الملك فؤاد الأول عام 1928 للمرة الثالثة إلى «جزيرة الملك»، وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سميت باسم «جزيرة النباتات»، وتتبع الآن مركز بحوث البساتين ومعهد بحوث البساتين بوزارة الزراعة، والتى اتخذت من الجزيرة والحديقة مركزاً لزراعة النباتات والأشجار الاستوائية وتحت الاستوائية حيث تمثل بيئة جيدة لها، وتعد الحديقة من أهم المتاحف النباتية الطبيعية التى تضم العديد من أشجار النباتات الاستوائية سواء كانت فاكهة أو خشبية، وجميعها تكونت من 3 مصادر رئيسية أولها النباتات الموجودة أصلاً على ظهر الجزيرة مثل الجميز والدوم والسنط ونخيل البلح وثانيها النباتات التى جلبت من حدائق نباتية أخرى مثل الأورمان والزهرية وحديقة الحيوان والثالثة النباتات التى جلبت من الخارج عن طريق بعثات وزارة الزراعة، وتعد هذه الحديقة مؤسسة علمية نباتية لما تضمه من مجموعة متعددة ومتنوعة من النباتات الاستوائية وشبه الاستوائية، وواحدة من أندر الحدائق النباتية فى مصر، كما أن تاريخها المتميز وطابعها الجمالى الخاص لكونها من أكبر وأجمل جزر نهر النيل جعلها من المزارات السياحية لمدينة أسوان.

 

موقع رائع

 

تتخذ الجزيرة  شكلًا بيضاويًا مستطيلًا تبلغ مساحتها حوالى 17 فدانا بطول 650 مترا وأقصى عرض لها حوالى 115مترا، مقسمة الى 27 حوضا رئيسيا بواسطة 4 ممرات طولية و9 ممرات عرضية، وجميعها مرصوفة ببلاط من الجرانيت الأحمر، وتقع الحديقة بجوار جزيرة «إليفنتين» (المعروفة بجزيرة أسوان) والمقام عليها متحف الآثار، كذلك بالغرب منها الضفة الغربية للنيل وهى منطقة جبلية بها مقابر الملوك والنبلاء الفراعنة وبها مقبرة أغاخان، وللجزيرة 3 مراس نيلية للسفن والمراكب السياحية موجودة بالجهة الشرقية منها، مضيفاً أن الحديقة بها العديد من الأنواع النباتية التى لا مثيل لها فى حدائق أخرى فى مصر، وتعد أحد المعالم السياحية بسبب موقعها المتميز الفريد التى تجذب إليها الزائرين، مؤكداً أن «النباتات» تعد حديقة بحثية، حيث تضم مبنى مكونا من طابقين السفلى يحتوى على المعشبة وتضم العينات النباتية المعشبية المرجعية الجافة وبنك بذور به أكثر من 300 نوع بذور ثمار جافة لنباتات الحديقة محفوظة للدراسات التصنيفية ومتحفا نباتيا تعرض به العينات المعشبية مع عرض للثمار والبذور لكثير من أنواع النباتات الموجودة بالحديقة مدعماً بالمعلومات الخاصة بكل نوع، ونموذج مجسم للجزيرة ومكتبة ومشتل وصوب زراعية لإكثار النباتات، وجار إنشاء معمل زراعة أنسجة وصلت بالفعل بعض أنسجته.

 

ثروة نباتية

نباتات نادرة

وعن أهم نباتات الحديقة، وبناء على آخر إحصائية تمت فى يوليو 2019 فالحديقة تحتوى على نحو 720 نوعا نباتيا معمرا تنتمى إلى أكثر من 111 عائلة نباتية، وتضم العديد من الأنواع النادرة غير الموجودة بأى حديقة أخرى فى مصر، والمجموعات النباتية الموجودة يمكن تقسيمها تبعا لأهميتها الاقتصادية ونواحى استخداماتها الى عدة مجموعات منها الأشجار الخشبية التى تنتج أخشابا جيدة تستخدم للأغراض المختلفة مثل الأبنوس والماهوجنى والكايا والتـك والبلوط والسندروس والكافور، ومجموعة أشجار الفاكهة الاستوائية غير التقليدية، مضيفاً أنها تضم كافيتريا مجهزة لاستقبال الزوار ومقاعد ومظلات خشبية.

 

معشبة ومتحف نباتي

 

وكغيرها من الحدائق النباتية عانت أشجارها ومحتوياتها العديد من المخاطر عبر تاريخها بل اختفاء بعضها، الأمر الذى تطلب جهوداً لاستعادتها بعد مجهودات صعبة خاصة بطرق الزراعة العادية التقليدية للبذور باستخدام «التعقيل» الذى حقق نجاحاً فى أسوان بالتضافر مع العلم الحديث الذى جسده صوت مصرى وطنى أصيل ومن أبناء الجنوب وتحديداً من مدينة قوص جاء منها شاب بعد التخرج ليعيش فى أسوان كواحد من خبراء جزيرة النباتات ليحدث عبر 25 عاماً طفرةً هائلة فيها وينجح فى استعادة تلك الأنواع المفقودة، مستثمراً أبحاثه العلمية الذى حصل فيه على الماجستير والدكتوراه فى تخصص تصنيف النبات.

روعة الجزيرة

ويقول صاحب هذا الإنجاز الدكتور حفيظ روفائيل: فى البداية أنشأنا معشبة حديقة الجزيرة عام 1995 لتكون بمنزلة البنك الذى نسجل ونوثق به نماذج من العينات النباتية، وقمنا بتجفيفها وحفظها وفقاً لنظم التقسيم العلمية، وتقدم بطريقة ميسرة فحص أنواع النباتات المختلفة، حيث إن وصف النبات مهما بلغ من الدقة لن يعطى صورة مطابقة له، وفى تلك المعشبة سجل متكامل عن حياة النبات المسجل بها، وتعد المعشبة متحفاً علمياً وبنك معلومات لجميع نباتات الحديقة، كما تعد مرجعاً أساسياً للدارسين والباحثين، ويعتمد على تلك المعشبة كإحدى الوسائل الأساسية للمحافظة على الأنواع الموجودة بحديقة الجزيرة وبيئتها، كما أنها تشرح كل ما يتعلق بالأهمية الحيوية والطبية والاقتصادية لها، وعليها نعول كثيراً فى الكشف المبكر عن أى أنواع مهددة بالتدهور والانقراض فنسارع بمعالجة الأمر، فمن خلالها نجمع كل النباتات الموجودة بالحديقة، النادر والموجود بكثرة، وهو ما ساعدنا كثيراً فى ذلك، كما أنشأنا عام 2005 المتحف النباتى الذى يضم عرضا للعينات المعشبية، وعرضا للثمار والبذور لنحو 100 نوع من الأنواع الموجودة بالحديقة، وكل عينة مدعمة بالمعلومات الوافية والدقيقة الخاصة بكل نوع على حدة مثل الاسم العلمى والاسم الدارج والاسم العربى والفصيلة وجامع العينة وتاريخ جمعها وتعريفها ثم بعض المعلومات العامة للنبات وأهم ما يميزه من الناحية الاقتصادية أو الطبية حتى لو كان نبات زينة.

 

إكثار النباتات النادرة

 

وعن كيفية إكثار الأنواع النباتية النادرة يقول الدكتور روفائيل: إن استعادة أى نوع من الأنواع التى فقدناها كان يحتاج لجهد وفكر ووقت لأن تلك الأنواع نادرة جداً ومهمة للغاية، لأنها تعد من أهم المكونات الأساسية لهذه الحديقة النباتية المهمة، وعملية الإكثار ونجاحها يدخل تلك الأنواع فى دائرة الأمان، كما يفتح آفاقاً جديدة مستقبلاً لأى أنواع أخرى تهددها نفس أخطار الانقراض والاندثار، وهذا ما حرصنا عليه فى حديقتنا التى نجحنا فى إكثار 23 نوعاً من الأنواع النباتية والمهمة داخل الحديقة منها نبات الناتو ونخيل الزيت وقرش الملك إنديكوس والعرجون ونخيل الميديميا ونخيل ليفيستونا وغيرها، وهذه النباتات والأشجار منها نباتات مصرية الأصل ولكن الغالبية من النباتات والأشجار غير مصرية تم جلبها على مدى الفترات السابقة من خارج مصر.

جزيرة النباتات

فوائد طبية

 

وعن رؤيته لأهمية أشجار ونباتات أسوان يقول أحد أبنائها جابر أبو السعود: كل ما تراه من نباتات وأعشاب وأشجار على أرض أسوان كله طيب وله فوائده، والكثير منها ينمو طبيعياً دون تدخل من البشر لذا فهو بعيد عن أى تلوث، ولكن وللأسف هناك أجيال كثيرة من أجدادنا رحلوا وهاجروا وفى جعبتهم الكثير من تلك المعارف دون أن يتم توثيقها أو تسجيلها، كما أن هجرة الكثير من الشباب منذ عدة عقود بحثاً عن المستقبل فى مجالات عديدة فى بلدان أخرى جعلهم يبتعدون عن الاهتمام بهذا التراث الطبى الرائع.

 

أما الشيخ على حسان ـ صاحب الـ 88 عاماً من أبناء النوبة القديمة ـ فيقول : لم نكن نسمع فى طفولتنا أو حتى من أمهاتنا وآبائنا أو نقلاً عن أجدادنا عن الأطباء، بل عايشنا ذلك فى العقود الأخيرة، ومازالت الكثير من العائلات النوبية حتى الآن تعتمد على الطب القديم الذى توارثناه، فالكثير من أعشابنا الطبيعية التى كانت تجود بها أراضينا فى النوبة وأسوان هى المصدر الأول للكثير من الأدوية والعقاقير الطبية الحديثة، وما نراه أو نسمع عنه اليوم مثلاً من حالات بكاء متكرر للأطفال يصيب أمهات هذه الأيام والأسرة كلها بالهلع والإسراع للأطباء والمستشفيات وروشتة العلاج الطويلة والمصاريف الباهظة من كشف للطبيب وأدوية الصيدلية كان التشخيص ذاتياً من قلب البيت، فالأم تعى جيداً إن كان هناك مغص فلديها الشمار (الشمر) أو الينسون أو أوراق الجوافة بعد تنظيفها وتجفيفها وغيرها، وإن كان الطفل مصابا بالكحة أو السعال وإن كان ذلك نادر ما يحدث لأنها تعرف جيداً طرق الاحتياطات اللازمة لتجنب ذلك بتدفئته، فتقوم بدهان صدره بزيت الزيتون مع تدفئة الصدر، وأيضا هناك أدوية للكُلى، وللسكر ولضغط الدم «منقوع الدوم»، وكذلك القولون والمعدة والجهاز التنفسى وحصر البول، كما اجتهد أجدادنا فى المعارف التقليدية لجميع الأمراض فكانوا يستخدمون تلك الأعشاب منفردة أو مخلوطة بنسب دقيقة ومجربة، بل كانوا يصنعون أدوية ومراهم ودهانات من زيوت البذور وخلاصة وعصير الثمار والأوراق وجذور النباتات والأشجار.

 

الوعى البيئى

 

فيما يقول جمال جابر محمد ـ مدير عام سابق بالمعاش ـ إن جزيرة النباتات وبجانبها حديقة فريال تمثلان بالنسبة لنا ولكل الزائرين لأسوان حالة عشق خاصة، فهى على قمة أى برنامج سياحى سواء من السياحة الداخلية وحتى الدارسين والباحثين، وما من زائر يأتى لأسوان خاصة فى الموسم السياحى الشتوى إلا كانت الجزيرة مقصداً له، وللحق نشاهد مجهودات رائعة من إدارتها والقائمين عليها والمتعاونين معهم، ونتمنى من بعض الزائرين التمتع بسلوك حضارى خاصة من ناحية نظافتها، وعدم انتزاع أجزاء منها أو تكسير فروعها وزهورها، لذا يجب الالتزام بجميع التعليمات وأن يكونوا على القدر نفسه من المسئولية، ولابد أن تكون هناك حملات توعية داخل الحديقة من إدارتها أو تجنيد مجموعات من عشاق الطبيعة والجمعيات الأهلية المهتمة بالبيئة والتنمية وتنظم حملات توعية داخلها، كما أتمنى من إدارة الحديقة أن تقوم بعقد ندوات داخلها بين الحين والآخر لزائريها خاصة من الوفود المجمعة للجامعات والمدارس لتعريفهم بتاريخ الحديقة والأشجار التى بداخلها وأهميتها وأصولها إن كانت محلية أو تم جلبها وأقلمتها على أجوائنا.

 

إلغاء عقد النظافة

 

وبعد مغادرتنا مدينة أسوان تلقينا مفاجأة بعد أن أبلغنا بعض الشباب البيئيين المهتمين بجزيرة النباتات بقيام المحافظة بإلغاء العقد المبرم مع إحدى شركات الخدمات التى تتولى النظافة ورفع القمامة وكل أعمال الخدمات بالحديقة بما فيها دورات المياه، ولا أحد يدرى لماذا حدث ذلك، هل توفيراً للنفقات؟ أم أن لديها خطة لتوفيق الأوضاع؟ أم أنها ستعتمد على العمالة الفنية لتلعب نفس الأدوار؟ ونحن فى انتظار الإجابة!

 

 

جنينة العشاق

جنينة العشاق

وفي ختام جولتنا بحديقة النباتات كان لابد لنا من المرور علي «حديقة فريال» أو كما يطلق عليها الأهالي «جنينة فريال» أو «جنينة العشاق» التي شهدت علي مر تاريخها أجمل قصص الحب، والتي تم إنشاؤها في أربعينيات القرن الماضي برعاية الأميرة «فريال» نجلة الملك فاروق وسميت باسمها، وتطل علي النيل من أعلي ربوة عالية عند الطرف الغربي لمدينة أسوان، وتتميز بأنها ذات تصميم فريد ورائع يحتضن مجموعة من الهضاب الصغيرة والأودية والممرات والمدرجات الموجودة فوق صخور جرانيتية، والمكان الذي يقصده السائحون وهواة رصد وتصوير لحظة غروب الشمس بأشعتها الذهبية فوق سماء أسوان، وحديقة فريال تحتضن العديد من نباتات الزينة التي تم جلبها عند إنشائها من دول العالم المختلفة مثل الكاسيا ندوزا وخيار شمبر واستروكوليا بودرة العفريت وأشجار الكرايزوفيللم المستديمة الخضرة ذات الأوراق النحاسية اللون من أسفل، وتزخر جنينة فريال بأشجار الباوباب أو التبلدي الضخمة القطر ذات الجذع المفرغ من الداخل والذي يستخدم في تخزين الماء في فترات الجفاف، كما أنها تنتج ثمارا كبيرة بداخلها بذور محاطة بمادة جيرية ذات قيمة طبية، لأنها غنية بفيتاميني «C و B» وتستخدم كمشروب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى