[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

ردًا على الأمين السابق: فرعون مصرى وليس هكسوسى وغير معروف أثريًا حتى الآن

د. عبد الرحيم ريحان

فى محاضرة للأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار بنقابة المهندسين أمس 20 إبريل الجارى ذكر ما يلى
فرعون هكسوسى وواحد يهودى اسمه يوسيفوس ضحك علينا وقالنا إننا بنستحى النساء ونقتل الأطفال.

وأنه لجبروت هذا الحاكم المدعو “فرعون” تحول اسمه إلى لقب لكل الملوك المصريين، ونجح اليهود فى جعله لقبًا لملوكنا بهدف الإساءة بأننا نستحى النساء ونذبح الأطفال، وهى صفة لم تكن أبدًا للمصريين ولكنها للشعوب الهمجية التى لم يكن لها صلة بالشعوب ذات الحضارة والتاريخ العظيم وأمّا اسم فرعون فهو اسم علم لرجل من الرعاة الأعراب الهكسوس تجمعوا فى مكان بمحافظة الشرقية المسمى حاليًا قنطير الختاعنة وجعلوها مقرًا لحكمهم تسمى أفاريس أو أواريس وتعنى باللغة العربية المدينة وأن هذا الرجل فرعون لا يمت بصلة لأسماء ولا لألقاب ملوك مصر من المصريين.

ونوضح أن هذا يخالف نص القرآن الكريم فى الآية 51 من سورة الزخرف “وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ” وكلمة مصر هنا واضحة تؤكد أن فرعون كان أحد ملوك مصر القديمة ولم يكن هكسوسى وهذا الملك كان يستحى النساء ويقتل الأطفال بنص القرآن فى الآية 4 من سورة القصص “إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى ٱلْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَآءَهُمْ وَيَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ” وهذا الملك هو الذى طغى وكان مصيره الغرق وآمن فى آخر لحظة قبل موته فأنجاه المولى عز وجل ببدنه ليكون آية للناس “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً” القصص 4

 

ذكر الشيخ الشعراوى رحمة الله عليه فى تفسيره أن الحق تبارك وتعالى تحدّث عن حكام مصر أيام موسى باسم آل فرعون، ولكن الزمن الذي كان بين عهدي يوسف وموسى لم يسم ملك مصر فرعون، إنما سماه العزيز الذي هو رئيس الوزراء ورئيسه الملك “وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ” يوسف 50
إذن فالحاكم أيام يوسف الصديق كان يسمى ملكًا ولم يسم فرعون. بينما حكام مصر قبل يوسف وبعده كانوا يلقبون بفرعون ذلك لأنه قبل عهد يوسف عليه السلام حكم مصر الهكسوس أهل بني إسرائيل.

والغريب أن هذه القصة لم تعرف إلا بعد اكتشاف حجر رشيد وفك رموز اللغة المصرية القديمة وكان ملوك الهكسوس من الرعاة الذين استعمروا مصر فترة، وفى فترة نبى الله موسى كان قد تم دحر الهكسوس وعاد حكام مصر القديمة إلى حكم مصر فأصبح لقب الحاكم أو مركز الحكم فرعون مما ينفى تمامًا أن فرعون اسم لشخص.

أمّا بخصوص ما ذكره الأمين العام السابق أن فرعون اسم شخص ففى البداية هذه ليست نظريته وقد نسبها لنفسه حين كان مديرًا عام لآثار الأقصر قبل توليه أمانة المجلس ونشرها فى اليوم السابع بتاريخ 10 إبريل 2016.

وصاحب النظرية الحقيقية هو المهندس عاطف عزت نشرها فى كتاب بعنوان ” فرعون موسى من قوم موسى” الذى صدر عام 2010 ونقل عنه الباحثين لذلك لزم علينا أن نناقش الباحث الأصلى فى أدلته على نفى الجنسية المصرية عن فرعون موسى وليس من نقل عنه أو نسبها لنفسه
وقد اعتمد المهندس عاطف عزت على عدة أدلة تم تفنيدها كلها.

الدليل الأول هو عدم ذكر القرآن الكريم فرعون معرّفًا ب (ال) مما يدل على أنه اسمًا لشخص وليس لقب، ويدللوا على ذلك بأن المقابر الملكية ومنها 63 مقبرة بوادى الملوك بها خراطيش ملكية ليس عليها لقب فرعون وكان بالأحرى أن يقول فرعون عمل كذا.

الدليل الثانى أن اسم فرعون جاء ملازمًا لشخصين من الأعلام مرة قبلهما ومرة بينهما “ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ” سورة غافر آيات 23 – 24، كما جاء مصحوبًا بياء النداء “وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين” سورة الأعراف آية 104، وهى تأتى مع أسماء الأعلام.

ونوضح أن كلمة فرعون ليست اسمًا أو لقبًا وإنما مشتقة من (بر- عا) ومعناها البيت الكبير أو القصر ويشار به إلى الديوان الملكى كما جاء فى كتابات علماء الآثار جيمس هنرى برستيد وآرثر إيفانز وآلان شورتر وآلان جاردنر مما يفنّد رأى المهندس عاطف عزت.

كما استند المهندس عاطف عزت على التوراة فى تأكيد أن الرجل الذى قتله موسى من العبرانيين ” ثم خرج موسى فى اليوم التالى وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان” سفر الخروج 2 /13 رغم وضوح النص القرآنى “وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ” سورة القصص آية 15، وهذه الآية تؤكد أن المقتول من قوم غير قومه فقد ذكر القرآن أحدهما من شيعته وطبيعى الآخر من غير ذلك.

ومن أدلة المهندس عاطف عزت على الآية الكريمة “فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَى” سورة القصص آية 38 على أن بنى إسرائيل والعبرانيين هم من تفوقوا فى البناء بالطوب اللبن أمّا قدماء المصريين فقد بنوا بالحجارة أهرامهم ومعابدهم،

لذلك فإن فرعون من بنى إسرائيل ويقصد الشعب الأقرب إلى بنى إسرائيل وهم الهكسوس الذى دخل فى فترة حكمهم لمصر يوسف الصديق وأهله إلى مصر.
ونرد على ذلك بأن قدماء المصريين برعوا فى البناء بالطوب اللبن بل وسخّروا بنى إسرائيل فى عمله لذلك كان طلب فرعون البناء بالطوب اللبن إذلالًا لهم فيما يسخّرون فى عمله.

كما يستند المهندس عاطف عزت على أدلة واهية على أن فرعون هو اسم شخص وأغربها أن الاستعباد لبنى إسرائيل بدأ من عهد يوسف الصديق نفسه استنادًا على نص التوراة فى سفر التكوين 13/47 كالآتى (لم يكن خبزًا فى الأرض لأن المجاعة اشتدت فى أرض مصر وأرض كنعان فجمع يوسف كل الفضة التى مع الأهالى وبادلها بالقمح والشعير وبناءً عليه اشترى يوسف الصديق جميع أراضى مصر لفرعون، أمّا الشعب فاستعبدوه من أقصى حدود مصر إلى أقصاها) وأخيرًا قال الشعب ليوسف (قد أحييتنا فلنلقى حظوة فى عينى سيدنا ونكون عبيدًا لفرعون).

ونرد على ذلك بأن ما ذكره المهندس عاطف عزت مستندًا إلى نص التوراة أو مفسّرًا لها وفق رؤيته بأنه تم استثناء قبيلة بنى إسرائيل من وسط القبائل من هذا الاستعباد، لكن هذا الاستثناء لم يدم طويلًا كما يعتقد إذ جاء بعد ثلاثة أجيال ملك إعرابى جديد اسمه فرعون لم يكن يعرف يوسف على حد تعبير التوارة، وأخذ يضطهد بنى إسرائيل على أساس نبؤة عن مقتله على يد واحد منهم ففرض عليهم هم العبودية وساوى بين جميع القبائل المتحالفة، فوقعوا فى نفس الحفرة التى حفروها لغيرهم، وزاد فرعون اضطهاده لبنى إسرائيل، مما أحدث انشقاقًا كاملًا بين تحالف القبائل المختلفة المكونة للهكسوس، مما دعى بنى إسرائيل لطلب الخروج من هذا الحلف بل والخروج من مقاطعة مصر المحتلة كلها والعودة إلى حيث أتوا، ورفض فرعون طلب بنى إسرائيل خصوصًا وأن زعيمهم الآن (يقصد نبى الله موسى) لم يعد يطالب الآن بخروجهم فقط بل بزعامة دينية فقد أصبح موسى رسولًا إلى فرعون وقومه مرسلًا لهم بلسانهم.

 

ونفنّد رأى المهندس عاطف عزت بأن فرعون موسى إسم شخص لعدم منطقية الأدلة التى اعتمد عليها التى تؤكد عدم قراءته لتاريخ مصر بدقة للتأكد من براعة قدماء المصريين فى البناء بالطوب اللبن وتفسير التوراة وفق رؤيته كما تحمل فى طياتها إنكارًا للمعجزات الإلهية التى جاءت فى القرآن الكريم فلم يطلب نبى الله موسى أبدًا زعامة دينية بل جاء برسالة إلهية ودعوة إلى الهداية وطلب خروج بنى إسرائيل كما أن نبى الله موسى وشعبه لم يبقوا فى سيناء بإرادتهم على حد زعمه ولكن قدّر الله عليهم ذلك نتيجة رفضهم دخول الأرض المقدسة ولم يحدث أن قدماء المصريين قضوا على بنى إسرائيل وهم فى سيناء بل خرجوا من مصر سالمين وغرق ملك مصر الذى كان فى أثرهم وكل هذا مثبت بنصوص القرآن الكريم.

كما صوّر المهندس عاطف عزت قصة أحد ملوك مصر مع بنى إسرائيل بأنها مجرد مشاكل قبائل لم يرضوا عنها فأرادوا العودة إلى حيث أتوا أجدادهم من فلسطين، وبهذا نغلق كل شئ يخص خروج نبى الله موسى الأول حين قتل أحد المصريين لتقدير إلهى حتى يتعرف على الطريق الذى سيسلكه بعد ذلك مع بنى إسرائيل، والأمر الإلهى لهم بالخروج وتحديد الجهة المقصودة وهى الأرض المقدسة، وإذا كانت رغبتهم من البداية العودة للأرض المقدسة فلماذا رفضوا الدخول إليها وهم على أبوابها؟

وبعد تفنيد أدلة المهندس عاطف عزت نؤكد أن فرعون موسى ملكًا من ملوك مصر القديمة وليس إسمًا لشخص ولكن لا يوجد دليل أثرى واحد يحدد شخصية هذا الملك وقد انتقدت كل الآراء التى زعمت بأن فرعون موسى هو أحمس أو حتشبسوت أو حور محب أو سيتى الثانى أو رمسيس الثانى أو مرنبتاح فى كتابى ” التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى” إصدار دار أوراق للنشر والتوزيع والذى يتناول قصة بنى إسرائيل منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر حتى ولادة نبى الله موسى وتربيته فى بلاط أحد ملوك مصر وخروجه الأول وحيدًا إلى مدين وعودته وخروجه الثانى مع بنى إسرائيل إلى سيناء ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى