[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

زاهي حواس يزور العباسية بالأردن برفقة وزيرة السياحة والآثار الأردنية

د. عبد الرحيم ريحان

جاءنا من الرحالة والموثق والمهتم بالحضارة والتاريخ بالأردن الأستاذ عبد الرحيم العرجان أن عالم المصريات الشهير الدكتور زاهي حواس قام بزيارة بلدة العباسية بالأردن برفقة معالي وزيرة السياحة والآثار لينا عنّاب وعطوفة الأمين العام الدكتور فادي بلعاوي ومدير عام دائرة الآثار العامة بالوكالة اكثم العبادي، وكان في استقبالهم الشيخ نصار المناجعة وعدد من أعضاء جمعية وادي القطر السياحية التعاونية العاملين بالسياحة هناك.

تقع بلدة العباسية إلى الشمال من موقع الحميمة التاريخي، وتضم العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى الفترات النبطية حين أسّس الحاكم العربي النبطي حارثة الثالث مدينة الحميمة لتكون مركزًا للتجارة الدولية ونقطة التقاء للقوافل المتجهة نحو سيناء وشمال أفريقيا والمملكة المصرية وإلى البتراء شمالًا والجزيرة العربية جنوبًا.

وتزخر العباسية بالعديد من الشواهد النبطية حيث تمر القناة الناقلة للمياه من رأس النقب إلى الحميمة ونظام حصاد مائي دقيق مكوّن من خزانات وبرك وآبار إذ كانت تجارة الماء والكلأ للقوافل من أبرز مهام الأنباط.
كما يمرّ عبرها الطريق الروماني المؤدي إلى “أيلة” (العقبة حاليًا)، بالإضافة إلى العديد من الكنائس والمنشآت البيزنطية.
أما في العصر الإسلامي فقد كانت العباسية مركزًا لانطلاق الدولة العباسية الأولى وفيها وُلد أحد أعظم رجالها أبو جعفر المنصور وأخوه السفاح.

ولعشائر العباسية من العرب الأقحاح دور كبير في الثورة العربية الكبرى وما زال البناء التاريخي لأول مدرسة في جنوب المملكة في العصر الحديث قائمًا بجوار مركز الزوار.

وتحظى الحميمة بمكانة خاصة في قلب الرحالة عبد الرحيم العرجان حيث اتخذها شعارًا لرحلته الأخيرة إلى سيناء، فحمل اسمها مطبوعًا على ملابسه تحت مسمى: “من الحميمة إلى سيناء”، في مسيرٍ بلغ ٢٠٠ كيلومتر سيرًا على الأقدام، على الدرب النبطي القديم الذي يربط بين الموقعين والمتقاطع مع درب محمّل الحَجّ المصري البري وتجسيد للعلاقات الأخوية الاردنية المصرية بمبادرة ذاتية.

من الجدير بالذكر أن معالم حضارة الأنباط ماثلة فى سيناء بمعالمها المعمارية والنقوش الصخرية بمنطقتى وادى فيران ومدينة دهب تحكى أسرار حضارة الأنباط فى قديم الزمان وحتى الآن تجذب نقوش ونواميس مملكة الأنباط الموجودة فى وادى المكتب وسرابيط الخادم وأسلا ونويبع ودهب السياح من مختلف الجنسيات والتى تعبر عن مملكة عظيمة استمرت ٢٤٠٠ سنة، كما تركت بصماتها بمدينة دهب بجنوب سيناء وقصرويت بشمال سيناء ومئات النقوش الصخرية بأودية سيناء والذى مروا بها فى تجارتهم بين الشرق والغرب.

وأن سبب تسميتهم أنباط يرجع لاستنباطهم ما فى باطن الأرض وقد ظهر الأنباط لأول مرة فى القرن السادس قبل الميلاد كقبائل بدوية فى الصحراء الواقعة شرق الأردن ثم استمروا كذلك حتى القرن الرابع قبل الميلاد رحلًا يعيشون فى خيام ويتكلمون العربية ويكرهون الخمر ولا يهتمون كثيرًا بالزراعة وعاشوا فى شمال الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام واتخذوا البتراء بالأردن الآن عاصمة لهم فى القرن الرابع قبل الميلاد، وفى القرن الثالث قبل الميلاد تركوا حياة الرعى واتبعوا حياة الاستقرار وعملوا فى الزراعة والتجارة، وتحول الأنباط من حياة البداوة إلى الحياة الزراعية نتيجة علاقاتهم التجارية التى استلزمت استقرار وعمل مخازن وعمل سفن وبذلك تحولت مجموعة من القبائل إلى مملكة متقدمة فى الزراعة والتجارة والفنون فى الشرق الأدنى.

وعلى صخور سيناء مئات النقوش الصخرية للأنباط ومناظر للحيوانات التى دجّنوها أو التى كانوا يصطادونها وصور لجمال وفرسان ومناظر صيد وطيور مختلفة ومن هذه الأودية وادى طويبة الذى يبعد 5 كيلو متر من جزيرة فرعون والذى استخدمه الأنباط كمخازن للبضائع ووادى هوارة ووادى أم سدرة وهى التى تقع على الطريق المار من البتراء إلى غزة أو العريش مخترقًا صحراء النقب ووادى عرادة.

ولم تختف حضارة الأنباط من مصر ولا من أى مكان آخر بالأردن وفلسطين بانتهاء مملكتهم على يد الإمبراطور الرومانى تراجان عام 106ميلاديًا وظلوا فى أماكنهم السابقة مندمجين فى ثقافة وديانة البيئة المحيطة بهم واشترك الأنباط فى جيوش الرومان ووصل عددهم إلى 5 آلاف جندى، وفى القرن الرابع الميلادى اندمج الأنباط مع القبائل العربية الأخرى التى هاجرت إلى بلاد الشام وكانت تسمى هذه القبائل المسيحيين العرب تمييزًا لهم عن قبائل الحجاز لأنهم تحولوا إلى المسيحية، ومنها قبيلة جدام وبهرة، واندمجوا كذلك فى قبائل جهينة والمزينة، وكان للأنباط سوق بيثرب (المدينة المنورة حاليًا) تاجر فيه هاشم بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ودخل الأنباط فى الإسلام واستمرت تجارتهم فى المدينة المنورة وكانوا حلفاء للمسلمين، لأنه رسخ فى أذهانهم أن الرومان والبيزنطيين دمروا مملكتهم، وشكّل الأنباط نسبة مئوية كبيرة من سكان فلسطين وجنوب بلاد الشام، ومارسوا الزراعة والتجارة واشتركوا فى الجيوش الإسلامية أيام الخليفة يزيد بن عبد الملك وقاتلوا فى جيوش المسلمين الفاتحة وأمدوهم بالمعلومات وما يزال أحفادهم حتى الآن بسيناء من قبيلة الحويطات والمزينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى