تاريخيا..لماذا أثار «موال عبده الحامولي» سخرية اللورد كرومر؟
ما من دولة في العالم مزجت حضارتها بالجوانب الأخلاقية مثل مصر عبر تاريخها الممتد على مر السنين، هذه الجوانب الأخلاقية رصدها الدكتور محمد فتحي عبد العال في كتابه الجديد «صفحات من التاريخ الأخلاقي بمصر» الذي صدر عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع.
تناول الكتاب موضوعات متنوعة تحاول ربط الظواهر المجتمعية الحالية بالتاريخ، وكما يقول الكاتب في مقدمته:”إن التاريخ حمال أوجه، الكل يرويه بعلم وبدون، والكل يحن إلى الماضي السابق عليه، وإن لم يعايشه، ويحمله ما لا يحتمل من المثالية المفرطة والأخلاق العالية”.
وأضاف فتحي أن الصور عن الزمن الماضي دائما براقة وجميلة؛ لأنها التقطت في أعلى درجات الاستعداد والجاهزية الابتسامة فيها قد تكون من القلب، وقد تكون مصطنعة ويرقد خلفها خفايا وأسرار تتكشف حينما نعود للتاريخ كما هو نتنفسه كما تنفسه صناعه ومعاصروه وقتها سنعرف الحقيقة أو الصورة الأقرب للحقيقة بعيدا عن المثالية، فالمثالية غاية لا تُدرك، وأن ترى الماضي على حقيقته كفيلا بأن تصحح أخطائه المتراكمة أمد الدهر والتي ظنناها وليدة اللحظة الراهنة.
يقول الكاتب فى مبحث “بين الشرق والغرب” من كتابه “في كتاب (الشرق والغرب) للأستاذ أحمد أمين الصادر عام 1955م يوضح لنا وعن معايشة للفكر الاستعماري الإنجليزي في مصر أن الفكر الصناعي السائد في أوروبا أعلى من قيمة النظام والمنفعة، بينما المجتمع الزراعي في الشرق أعلى من قيمة الارتباط الأسري لذا فمن غير المستغرب رفض الأسر المصرية للزواج المختلط”.
تحدث الكتاب أيضا عن أمر اعتبره كان موفقًا جدًا في طرحه، وهو أحد أمراضنا حتى الآن ألا، وهو أن الشعور بالحقوق أعلى وأكثر من الشعور بالواجبات، وهو أمر طبيعي؛ ذلك أن الحقوق مطالب والواجبات تكاليف، لكنه ليس طبيعي لدى الشعب المصري الذي دائما ما يطالب بحقوقه من الدولة، لكن أبدا لا ينظر بعين الاعتبار لواجباته المنوط به القيام بها، فتجد الموظف يطالب بزيادة الراتب، فيما يأتي متأخرا كل صباح ويعطل مصالح الناس بكل أريحية وفخر !! .
إن دأب الشرقيين على المطالبة بحقوقهم وقد تكون عادلة في بعض الأحيان دون القيام بواجباتهم في المقابل أولد لديهم رغبة مستمرة في التواكل ولعل في قصة كرومر الطريفة حول حضوره أحد الأفراح وسماعه لعبده الحامولي وهو يغني “حبيبي راح هاتوه لي يا ناس” فاستفسر من مضيفه عن معنى الكلمات فلما عقلها أبدى اندهاشه من هذا التواكل الشرق قائلا : “حتى في العشق لا يكلف المحب عندكم خاطره بفعل مباشر.. لا يريد العاشق أن يسعى لحبيبه بنفسه وإنما يطلب من الناس أن يجيئوا له به” .
نعود لموضوعنا مرة أخرى، لقد دفع أتون الحرب العالمية الأولى العالم الصناعي المتقدم لكساد كبير ودمار وخراب وفقر سيطر على حال الشعوب الأوروبية، فيما حافظت الدول العربية ومن ضمنها مصر على نفس الحجم من ثراء أغنيائها الذين ازدادوا غنى بينما ازداد الفقراء فقرا؛ لذا لا عجب أن نجد بعد هذه الحرب حالات المصاهرة بين الشرق والغرب تتزايد والطريف أن دعوات الزواج المختلط حملتها أقلام بعض الشعراء والكتاب في ذلك الزمان لكسر جمود التفكير الشرقي والزواج من أجنبيات للحاق بركب الحضارة، ومن هؤلاء الشيخ محمد يونس القاضي ؟! ، صاحب نشيد “بلادي بلادي” النشيد الوطني لمصر وصاحب أيضا “إرخي الستارة اللي في ريحنا”، وأغنية هابطة لأم كلثوم مطلعها “الخلاعة والدلاعة مذهبي” !!.
كتب القاضي قصيدة نشرتها “اللطائف المصورة” في 2 ابريل عام 1917م تحت عنوان “زواج الأقباط” يقول فيها : “يكفى واحدة أجنبية عاقلة في استطاعتها تهذيب عائلة مش بدال ما تكون في أمه جاهلة يوصفونا أمة راقية عاملة”.
ويقول أيضا:” فيها إيه لو مصري مسلم عنده غيه في تقدم موطنه.. وكان م الرعية وتزوج مسلمه تكون ألمانية أو فرنساوية أو غادة روسية وخصوصا بعد ما ييجي السلام والحروب تتفض من كل الدول“.
ومؤلف الكتاب، هو الدكتور محمد فتحي عبد العال، وهو صيدلي وحاصل على ماجستير في الكيمياء الحيوية، ودبلوم المعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة.