الأوقاف: فهم صحيح الدين والعمل به صمام أمان للأمم والشعوب

قال وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، إن الدين فطرة ربانية، وفهم صحيح الدين والعمل به صمام أمان للأمم والشعوب، مؤكدا أن التطرف يسارا كالتطرف يمينا والانحلال القيمي والأخلاقي مدمر للأوطان كالتطرف والتشدد سواء بسواء، فمنهجنا وسط وشريعتنا وسط وحياتنا وسط وواجبنا هو التمسك بهذه الوسطية في سائر جوانب حياتنا.
وأوضح وزير الأوقاف – في تصريحات، اليوم الخميس، أن التطرف تطرف على أي حال، حادًا كان أو مضادًا، غلوًا كان أو تفريطًا، فهو الذهاب إلى الطرف بعيدًا عن الوسط، وقد قال الإمام الأوزاعي (رحمه الله): ما أمر الله (عز وجل) في الإسلام بأمر إلا حاول الشيطان أن يأتيك من إحدى جهتين لا يبال أيهما أصاب الإفراط أو التفريط، الغلو أو التقصير، مشددا على أن ديننا السمح الحنيف قائم على الوسطية والاعتدال في أسمى معانيهما، في كل شيء حتى مجال العبادات، فلما رأى نبينا (صلى الله عليه وسلم) حبلًا مشدودًا في المسجد بين ساريتين أي عمودين من أعمدة المسجد سأل (صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) : (ما هذا ؟) قالوا: حبل لزينبَ تُصلِّي فإذا كسِلَتْ أو فتَرَتْ أمسكت به قال : (حُلُّوه) ثمَّ قال: “لِيُصَلِّ أحدُكم نشاطَه فإذا كسِل أو فتَرَ فليقعُدْ”، ولما رأى (صلى الله عليه وسلم) سيدنا سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) يتوضأ فيسرف في استخدام الماء فقال: “مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ ” قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : “نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ” .
وأضاف وزير الأوقاف قائلا: حتى الإنفاق سواء أكان إنفاقًا على النفس أم على الغير تحت أي مسمى فالوسطية مطلب راسخ، حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا”، ويقول سبحانه : “وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”، وقد أكد القرآن الكريم على الوسطية في كل أبعادها، حيث يقول الحق سبحانه : “وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا “، ويقول سبحانه : “قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ”، ويقول الحكماء : لا تكن رطبًا فتعسر ولا يابسًا فتكسر. فالأديان السماوية جميعها أنزلت رحمة للناس، حيث يقول الحق سبحانه : “طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى”، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : (تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما : كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ). الأديان يسر، وسماحة، وتراحم، وتعاون، وتكافل، فحيث تكون مصالح البلاد والعباد فتلك مقاصد الأديان العامة .
وتابع وزير الأوقاف: غير أن البشرية بصفة عامة قد ابتليت بتطرفين متناقضين في حدية بالغة، الأول يقتل ويخرب ويدمر ويسفك الدماء باسم الأديان وتحت رايتها، محرفًا النصوص ومُخْرِجًا لها عن سياقها، والأديان براء من كل ذلك، والآخر يذهب إلى أقصى الطرف الآخر تفريطًا أو انحلالاً. منوها بأن التطرف منبوذ ومرفوض على كل حال، سواء أكان غلوًا وإفراطًا وتشددًا على نحو ما شهدنا ونشهد من إجرام الجماعات المتطرفة المتاجرة بالدين، أم كان تفريطًا وانحلالا وخروجًا على جادة القيم والأخلاق أو هدمًا للثوابت.
وأكد وزير الأوقاف أن خطر التفريط كخطر الإفراط، حيث يقول الحق سبحانه : “وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى”، وليس المقصود بالضنك هنا الفقر، إنما حياة الكدر التي لا هناء فيها، ولطالما حدثنا القرآن الكريم عن الأمم والقرى التي كفرت بأنعم الله (عز وجل)، وكذبت رسله، وسلكت طريق الانحراف والشذوذ كفعل قرى قوم لوط فلما أسرفت في شذوذها كانت العاقبة : “فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ”.