كتّاب وآراء

الست منيرة وأمير الشعراء والملك توت

بعد أكتشاف مقبرة توت عنخ آمون فى 4 من نوفمبر 1922 فى وادي الملوك فى الأقصر وكانت أول مقبرة لم تمسسها يد بشر منذ 3000 عام . حيث كانت كل المقابر- قبل كشف كارتر- نهبا للصوص من الأجانب الذين يبحثون عن الذهب والزئبق الأحمر أو المصريين الذين وجدوا أن ذهب أولئك “المساخيط”، وهو الاسم الذي أطلقوه على المومياوات ،هو ملك خالص لهم بوصفه إرثهم الشرعي من جدود الجدود وكانت المومياوات بعد أن ينتزعون منها الذهب تباع في الأسواق بغرض استخدامها في التدفئة .

جاء اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي في ظرف زمني مشتعل، فأصداء هتافات المصريين في ثورة 1919 مازالت هنا وهناك ، تطل برأسها بين زفرات إحباط بعدما عاد زعماء الحركة الوطنية من فرساي خاليي الوفاض وقد أيقنوا أن ما قيل عن إقرار حق الشعوب في تقرير مصيرها مجرد شعارات جوفاء.

وها هو مليكهم الفرعوني يرد لهم الاعتبار ، ويصير محور تنافس بين أهم مطربيتن في ذلك العصر .
المطربة الأولى وهى الأكثر شهرة ، الست منيرة المهدية (1885- 1965) سلطانة الطرب ، التي كان المقهى الخاص بها في الأزبكية ” نزهة النفوس” ملتقى رجال الفكر والسياسة ، المطربة التي أطربت كمال أتاتورك ووقفت كأول امرأة مصرية على خشبة المسرح مع فرقة عزيز عيد . وبلغ من شهرتها أن وضعت إحدى شركات السجائر في سوريا صورتها على منتجها من الدخان. صاحبة طقطوقة ” أسمر ملك روحي” و” حرج علي بابا ” و “بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة” و” على دول يا ما على دول” .
خبر اكتشاف المقبرة وحديث الناس عنها ، شغل الست منيرة فاتخذت القرار وارتدت الزي الفرعوني وأنشدت في نوفمبر 1922 من كلمات يونس القاضي وألحان القصبجي:
ما يجيش زيي إن لف الكون
واحنا أبونا توت عنخ آمون
اسأل من التاريخ ينبيك
عن مجدنا وبعدين أماشيك

وتقول مخاطبة الإنجليز:
وليه تزيد أنت عليا
وبلادى مهد الحرية
ومصر أم المدنية
واحنا أبونا توت عنخ آمون
المطربة الثانية : نعيمة المصرية (1894-1976) التي كانت زعيمة الأغنية الوطنية في عصرها بامتياز بعد أن وجد سيد درويش في صوتها ضالته المنشودة .وكانت الست نعيمة “ملكة الأسطوانات” عند حسن ظنه ، فتحدت معه الإنجليز حين غنت الأغنية الشهيرة “يا بلح زغلول” حين كان النطق باسم سعد باشا جريمة يعاقب عليها الاحتلال .

لم يكن هذا جديدا على الثنائي نعيمة ودرويش، فقد أعلنا رفضهما من قبل لممارسات الاحتلال البغيضة في أخذ المصريين قصرا إلى غمار الحرب العالمية الأولى .فشدت نعيمة من ألحان درويش ” يا عزيز عيني ..السلطة خدت ولدي” .

الطريف أن هذه المطربة الوطنية هى نفسها صاحبة الطقاطيق التي وصفت بالإسفاف من عينة ” يا أبو الشريط الأحمر” و”تعالى يا شاطر”. ومنها الطقاطيق التي كانت من ألحان درويش وأشهرها “هات الإزازة واقعد لاعبني” التي ألفها الشيخ يونس القاضي، “خذ البزة واسكت ” من تأليف بديع خيري ،والطريف أن الأغنية الأخيرة اختتمت بهتاف للوطن:

نينتك مصر يا ابني ،اصحى عنها تنام، الليلة افديها بمالك،ماتسوقش عليها دلالك ،صونها حتصون أحوالك ،خليك عاقل يا عنيا ،انت تحن عليا،انت تحب الحرية والاستقلال، وبمجرد أن غنت الست منيرة المهدية أغنيتها عن الملك توت ، كان على نعيمة المصرية أن تدخل حلبة المنافسة . وكما تبارت الغريمتان في حب سعد .حين غنت نعيمة ” يا بلح زغلول “، وردت الست منيرة بأغنية “شال الحمام حط الحمام ، من مصر السعيدة لما السودان ، زغلول وقلبي مال إليه، اندهله لما أحتاج إليه”.

لم تفوت نعيمة المصرية الفرصة ، وردت على منافستها الست منيرة بطقطوقة مثيلة عن توت عنخ آمون لكنها لم تكن لا وطنية ولا يحزنون ، يقول مطلعها :
قوم هات لي بدلة تكون
للونها بديع توت عنخ آمون
الله عليها مالهاش مثيل
قوم اشتريها واعمل جميل
اضحك واهزر وأبدى الدلال
والبس واخطر زى الغزال.
ولم يقف الأمر بين أروقة الفن والغناء فحسب، بل بات الاكتشاف ملهمًا للعديد من مفكري وفناني مصر الحديثة، وأصبح الملك توت موضوعًا شائعًا للمسرحيات والروايات المصرية، فنجد أمير الشعراء أحمد بك شوقي ينظم قصيدة يحتفي بها باكتشاف المقبرة منها:
وقبرًا كاد من حُسنٍ وطِيبٍ يُضيءُ حجارةً ويضوعُ طينا
يُخالُ لروعةِ التاريخِ قُدَّت جنادلُه العُلا من طورِ سينا
وكان نزيلُه بالمَلْكِ يُدعَى فصار يُلقَّبُ الكنزَ الثمينا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى