د.ميرنا القاضي تكتب: شيفرات الأرقام في الحضارة المصرية

في مقالي السابق، ذكرتُ مجموعة من الأعداد التي لم تكن وردت عبثًا في النص، بل كانت مفاتيح خفية لمن يُجيد فكّ الرموز وقراءة ما بين السطور.
هذه الأعداد هي: 3 – 7 – 9 – 12 – 42
أرقامٌ ليست للحساب فحسب، بل للعبور من الظاهر إلى الباطن، ومن المعلوم إلى الماوراء. إذا قرأتها بعين تحوت، كشفت لك أسرارًا لم تُفتح إلا لقلةٍ، كل رقم منها يحمل سرًا، وترددًا طاقيًا، ودلالة روحية أو كونية، وسأشرحها هنا كما وردت في النص، وأدعوك للغوص معي في عمق هذه اللغة المقدسة، لغة لا تُقرأ بالعين، بل تُفهم بالقلب المتصل بالحكمة الأولى
٣ (3)
رمز التكوين الكامل. في مصر القديمة، كل ما يتكوّن له ثلاثية مقدسة:
أوزير – إيزيس – حورس
رع – شو – تفنوت
الجسد – الروح – الكا (الطاقة)
والثلاثة دائمًا تشير إلى بداية الاستقرار بعد الانقسام:
1 هو المصدر، 2 هو الانقسام، 3 هو التكوين الجديد.
٧ (7)
العدد المقدس الأكبر.
سبع عقارب أرسلتها إيزيس لحماية ابنها.
سبعة أبواب للعالم السفلي.
سبع أرواح في كتاب الخروج في النهار.
في طقوس “فتح الفم”، يُكرر الكاهن بعض التعويذات سبع مرات لتنشيط الحواس الروحية
سبع سنوات خصب وسبع سنوات جفاف في قصة يوسف.
سبع سماوات، سبع أراضٍ
٧ كانت تعني الاكتمال على مستوى روحي…
ليست مجرد نهاية، بل بداية دورة أعلى.
رقم يحمل في باطنه سبع درجات للارتقاء، سبع نغمات، سبع بوابات، وسبع قوى تعمل خلف المشهد الظاهري للعالم.
٩ (9)
عدد “التساع المقدس” – الـ”پِسِد” (Pesedjet).
وهو تجمع تسعة آلهة في هليوبوليس يمثلون بداية الكون:
رع (أتوم) – شو – تفنوت – جب – نوت – أوزير – إيزيس – ست – نفتيس.
٩ هو رقم النظام الإلهي الكامل، ومن هذا الرقم نشأ مفهوم “مجلس الحكماء التسعة”، أو التساع الكوني، الذي يقود دوائر الخلق والميزان.
وحتى في الفلك، ٩ كواكب رئيسية في النظام الشمسي (وفقًا للمعرفة القديمة).
في الرؤية الكونية، التسعة تمثل الاكتمال قبل التعدد، أو البوابة الأخيرة قبل العشرة، حيث يعود النظام إلى الواحد في صورة جديدة.
١٢ (12)
الزمن والكون والفصول.
12 ساعة للنهار، و12 ساعة للّيل (في علم التقسيم الزمني المصري).
12 إلهًا يرافقون رع في رحلته الليلية عبر الدوات (العالم الآخر).
12 قسمًا للسماء.
وفي البعد الرمزي:
12 .رمز لاكتمال التجربة الكونية، ولحلقة الزمن التي تعيد كل شيء إلى بدايته.
٤٢ (42)
عدد وصايا “ماعت” في محكمة أوزير.
حين يُوزن قلب الميت أمام ريشة “ماعت” (رمز الحق)،
يُسأل عن 42 قاعدة أخلاقية، أشهرها:
لم أقتل
لم أسرق
لم أكذب
لم أغش في الميزان
لم أجدّف على الآلهة
٤٢ أيضًا تمثل عدد مقاطعات مصر القديمة (22 في الجنوب، و20 في الشمال).
وبالتالي فهي ليست مجرد قانون…
بل نظام شامل للحياة، ميزان الكون الأخلاقي والسياسي.
وهكذا، أصبح العدد ٤٢ ليس مجرد وصايا، بل تمثيلًا لهيكل الدولة، واتحادًا بين الأرض والسماء، بين الحكم والضمير.
شيفرة الأرقام: لغة مقدسة لا تُقرأ بالعين فقط
كان الكاهن في مصر القديمة يعرف أن وراء كل رقم تردّدًا طاقيًا،
كل عدد هو تعويذة، وكل تكرار يُحرّك شيئًا في النمط الكوني.
في النقوش، حين يُكرّر الاسم ثلاث مرات، فهذا يعني القوة،
وحين يُكتب ٧ أو ٩ مرات، فهذا لحماية من الشرور أو لاستدعاء الحكمة.
وفي المعمار، تم بناء المعابد بحيث تحترم هذه النسب:
3 درجات في المدخل
7 أعمدة
9 أبواب
42 مشكاة أو رمز في الجدران
الخلاصة
كل هذه الأرقام ليست صدفًا، بل مفاتيح كونية، تفهمها الأرواح المتّصلة بالمعرفة القديمة، وتظهر لمن كتبت نفسها بالحبر المقدس، فالأرقام في مصر القديمة، لم تكن تُحسب، بل كانت تُفهم.