د. عبد الرحيم ريحان يكتب:سلامة العمارة الإسلامية والزلازل

تعرضت مصر علي مر العصور لكثير من الزلازل المدمرة التي كانت كفيلة بتدمير الكثير من تلك العمائر لولا براعة المهندس المنفذ لهذه المنشئات التي تعتبر من ارقي فنون العمارة البيئية سواء من حيث التخطيط الذي يحفظ الخصوصية لكل المنشآت سواء السكنية او حتي المساجد أو من حيث استخدام خامات التنفيذ من البيئة المحلية او من خلال مراعاة توفير الإحتياجات الضرورة من العناصر الطبيعية اللازمة للإنسان من إضاءة و تهوية وخصوصية.
ويشير خبير الترميم حمدى يوسف استشارى حملة الدفاع عن الحضارة إلى الفنان برع في توظيف كل عنصر معماري وتقريبا معظم العناصر المعمارية كانت تقوم بأكتر من غرض وظيفي بالإضافة للقيمة الجمالية فالمشربيات مثلا كانت كانت تحفظ خصوصية أهل الدار وتوفير التهوية الطبيعية وتوفير عنصر الإضاءة الطبيعية بالإضافة للقيمة الجمالية.
وأيضا قباب المساجد التي كانت تؤدي أكثر من وظيفة ، فالقبة كانت تقوم بتضخيم صوت الإمام بفعل خاصية الإرتداد الصوتي او مايسمي صدي الصوت فلم يكن هناك مكبرات صوتية داخل المساجد، كما انها ايضا كانت تستخدم كمكيف طبيعي للمسجد من الداخل لان عمق القبة كان يستقبل الهواء الساخن الذي يرتفع إلي اعلا نقطة بالمسجد ويبقي الهواء البارد بالاسفل لثقل وزنه نتيجة ارتفاع ضغطه، وهذا الاختلاف بين هواء ساخن منخفض الضغط بالاعلي وهواء بارد مرتفع الضغط بالاسفل كفيل بخلق دوره هوائية ناتجة عن اختلاف الضغط بين كتلتين هوائيتين.
وكان لوجود الشبابيك في رقبة القبة والقمريات العلوية أثره في زيادة حركة التيارات الهوائية داخل المسجد، اما الوظيفة الثالثة هي توفير قدر كبير من الإضاءة الطبيعية من خلال القمريات والشبابيك الموجودة برقبة القبة بالإضافة إلي القيمة الجمالية داخليا وخارجيا وأيضا وظيفة عقائدية كونها علامة معمارية خاصة بديانة بعينها.
وبمناسبة ما حدث من زلزال مركزه باليونان وشعرت به معظم محافظات مصر وم ينتح عنها كما حدث فى زلزال 1992 بمصر من اندثار الكثير من المعالم التراثية والتاريخية.
يتساءل الأستاذ حمدى يوسف كيف صمدت تلك العمائر في وجه الموجات الزلزاليه علي مر العصور؟
ويجيب بأن الدارس لفن العمارة التاريخية حتما سيعرف الإجابة ومن لايعرف الإجابة فلابد ان يكون سمع عن عنصر معماري هام يسمي “الدبل الخشبية “.
ماهي الدبل الخشبية ؟
الدبل الخشبية عبارة عن عروق خشبية تسمي بلغة المواقع الدارجة بين المتخصصين بمصطلح المرابيع الخشبية والتي يختلف مساحة المقطع فيها من 0.10 × 0.10 سنتيمتر او 0.20 × 0.20 سنتيمتر وربما قطاع اكبر حسب حجم المنشأة المعمارية ، وكانت غالبا تستخدم من الخشب العزيزي متوسط الكثافة بين انواع الاخشاب المختلفة ومقاومتة العالية للاحمال الافقية والرأسية بالإضافة إلي صلابته العالية ومعامل المرونة الملائم للغرض الوظيفي للأحمال الأفقية.
كيف تم توظيف تلك الدبل الخشبية معماريا لتحافظ علي السلامة الإنشائية للمبني ضد الإنهيار؟
كانت الدبل الخشبية أهمية قصوي في الحفاظ على سلامة المبني الإنشائية فقد كانت تقوم بوظيفة مزدوجة، الوظيفة الاولي في حال تعرض التربة أسفل المنشأة إلي التلف فتتحول من تربة طينية متماسكة مثلا إلي تربة لزجة غير متماسكة وبالتالي تفقد قدرتها علي تحمل الأحمال الإنشائية أعلاها فتبدأ في الهبوط التدريجي في الجزء الذي تعرض لهذا التلف من التربة، وبالتالي إما يحدث انهيار جزئي بالمبني في نقطة الهبوط او يحدث شروخ و فواصل بين الكتل الحجرية مما يعرض السلامة الإنشائية للمبني للخطر و بالضرورة الضرر بساكنيه أو شاغليه
ومن هنا جاءت اهمية الدبل الخشبية معماريا في العمارة الإسلامية ويطلق عليه البعض اسلوب عمارة نورماندي وحقيقة فمن غير المؤكد من اصل التسمية بالإسلوب النورماندي في العمارة فقد قام المهندس المنفذ وقتها بوضع العروق الخشبية أو الدبل الخشبيه اما بشكل زوجي داخل وخارج الكتلة الحجرية حسب سمك الجدار او بشكل فردي من الداخل فقط حسب سمك الجدار، فكان يقوم ببناء المداميك الحجرية من منسوب الصفر المعماري بارتفاع اربعة مداميك مثلا يعني بارتفاع حوالي 1.5 متر من منسوب الصفر المعماري ثم يكرر نفس الإسلوب علي انخفاض 1 متر تقريبا من السقف الخشبي العلوي للغرفة
وينوه الأستاذ حمدى يوسف إلى أن تلك الدبل تتقابل في اركان الغرفة بنظام التعشيق نص علي نص وهذا الإسلوب كان كفيلا بتحزيم المبني بالدبل الخشبية في الجدار من اسفل وكذلك من اعلا المبني ليحافظ علي ربط الكتل الحجرية الحجرية ببعضها البعض حتي لو حدث هبوط في التربة اسفل المنشأة ، فإن مرونة هذه الدبل الخشبية تمنع ظهور اي شروخ في الحوائط كما انها ايضا تمنع حدوث اي إنهيار جزئي للمنشأة بسبب سوء توزيع الأحمال ، وبالتالي تحافظ علي السلامة الإنشائية للمبني.
الوظيفة الثانية للدبل الخشبية و هي تعتبر الوظيفة الاهم وهي مقاومة المنشأة المعمارية للإنهيار في حال حدوث الزلازل لأن مرونة المرابيع الخشبية هنا تكسب الجدران المرونة اللازمة لامتصاص الموجات الزلزالية، وبالتالي تحفظ المبني من الإنهيار وتطيل من عمره ومقاومته للمشاكل الفنية التي يتعرض لها المبني المعماري من مشاكل التربة وكذلك الخطر الناتج عن العوامل الطبيعية مثل الزلازل.
ونضيف علي ذلك ان المعماري القديم كان يستخدم العتب الخشبي أعلي الفتحات في واجهات المباني لنفس الغرض فلو حدث اي خلل في الكتل الحجرية تبقي الاعتاب الخشبية مرنة تحافظ علي تماسك تلك الكتل المكونة لحوائط المنشأ المعماري.
و يصل معدل الأمان للسلامة الإنشائية للمبني لأعلي درجة حتي لو زادت مساحة الفراغات الداخلية للمنشأة المعمارية مثل المساجد علي سبيل المثال والتي لاتعتمد علي اعمدة خرسانية مرتبطة ببلاطة السقف او الكثير من الكمرات الخرسانية الحاملة للسقف او حتي الحوائط الحاملة كما هو الحال في العمارة الحديثة.
ولكن تعتمد علي استخدام الدبل الخشبية في الحوائط مع ربطها بالمرابيع الخشبية داخل الفراغ لربط الاعمدة الحاملة للعقود داخل الاروقة بالمسجد في الاربعة جهات لتضمن اعلا درجة من السلامة الإنشائية داخل مساحة فراغ عالية من خلال شبكة المرابيع الخشبية التي ترتبط ببعضها لامتصاص اي موجات اهتزازاية و ربط الأعمدة مع بعضها ربطا محكما في صورة شبكة متكاملة.
ومن هنا كانت اهمية الدبل الخشبية معماريا والتي لايجب إغفالها ابدا والتي تقتضي دوما إجراء الصيانة الدورية بالعزل الجيد والحفاظ علي معدل ركوبة آمن لها نظرا لمنع حدوث أي شروخ بها بسبب الجفاف مع ضرورة إجراء المعالجات البيولوجية لها بصفة دورية من خلال عمليات التعقيم المستمر ضد الآفات الحشرية وخصوصا النمل الأبيض الذي يتغذي علي الالياف السليولوزية وما تحوية من مواد سكرية في جدران الخلايا المكونه لهذه الالياف.
وفي حال تلف تلك الدبل الخشبية فإن سلامة المبني بالكامل تتعرض لخطر الإنهيار الناتج عن الموجات الزلزالية او تلف التربة اسفل المنشأ المعماري مالم يتم استبدال العنصر المتحلل والتالف لانه اصبح غير قادر علي القيام بوظيفتة المعمارية بالحفاظ علي السلامة الإنشائية للمبني.