رغم قفزة التدفقات.. أزمة الطاقة تلتهم تحسن إيرادات مصر الدولارية

في تقرير حديث أصدره البنك المركزي المصري حول ميزان المدفوعات للنصف الأول من العام المالي الحالي، برزت مفارقة لافتة؛ إذ رغم حدوث تحسن ملحوظ في الإيرادات الدولارية لمصر، تسببت أزمة الطاقة في امتصاص معظم هذا التحسن، مما ألقى بظلاله على المؤشرات الإيجابية التي حملها التقرير.
كشف التقرير عن ارتفاع كبير في مصادر النقد الأجنبي، أبرزها تحويلات المصريين في الخارج التي قفزت بنسبة 81% لتصل إلى 17 مليار دولار، إضافة إلى نمو إيرادات السياحة بنسبة 12% إلى نحو 9 مليارات دولار، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 9% إلى 6 مليارات دولار.
كما سجلت الصادرات غير النفطية نموًا سنويًا بنسبة 19% لتصل إلى 16 مليار دولار، مدفوعة بقطاعات مثل الأسلاك والكابلات، والملابس، والألومنيوم، والفواكه.
وبالرغم من هذا التحسن في الصادرات إلا أنه قابله ارتفاع في الواردات غير النفطية بنسبة 27% إلى 37 مليار دولار، مدفوعة باستيراد السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح.
الطاقة تفرض كلفتها
اللافت في التقرير كان ما أنفقته مصر على استيراد الغاز الطبيعي والنفط، حيث بلغت قيمة الفاتورة نحو 10 مليارات دولار في ستة أشهر فقط، بنمو قياسي اقترب من 53%، وهو ما ساهم في الإبقاء على عجز ميزان المدفوعات رغم التحسن في الإيرادات.
ويعود سبب الأزمة جزئيًا إلى تراكم مستحقات الشركاء الأجانب في قطاع الطاقة، والتي بلغت نحو 6 مليارات دولار، وهو ما دفع هؤلاء الشركاء إلى التباطؤ في ضخ استثمارات جديدة، وأدى إلى تراجع إنتاج مصر من الغاز والنفط، واضطرارها إلى العودة للاستيراد بكثافة.
كما أشار التقرير إلى تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 62% إلى 1.8 مليار دولار، متأثرة بالأحداث الجيوسياسية التي غيرت مسارات التجارة الدولية وقلصت مرور السفن.
تحركات حكومية
ويبدو أن هذه المعطيات دفعت الحكومة المصرية إلى التحرك لسداد مستحقات شركات الطاقة الأجنبية، سعيًا لإعادتها إلى ضخ استثمارات جديدة واستعادة الإنتاج المحلي، في خطوة قد تكون مفتاحًا لتحسن أوسع في الميزان الخارجي خلال الفترة المقبلة.
ورغم المؤشرات الإيجابية من تحويلات العاملين بالخارج والسياحة والصادرات، تبقى أزمة الطاقة وتكاليفها المرتفعة العقبة الأكبر أمام تحسن ميزان المدفوعات المصري.
ومع تحركات حكومية جديدة لمعالجة الأزمة، يبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح مصر قريبًا في تحويل هذا التحسن النسبي إلى تعافٍ مستدام في إيراداتها الدولارية؟.