خبراء الترميم يكشفون تأثير الحفلات الصاخبة على الأهرام
د. عبد الرحيم ريحان

طرحت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان سؤالًا هل الحفلات الصاخبة وتأثير الضوضاء والأضواء على الأهرامات وكركبة تركيب مسرح وفكّه صديقًا للبيئة؟ وهل وجود بيارات صرف صحى للحمامات بجوار الهرم صديقة للبيئة؟.
تأثير الحفلات الصاخبة على الأثار
وأشار خبير الترميم حمدى يوسف مستشار حملة الدفاع عن الحضارة للترميم والصيانة إلى أن هذه النوعية من الاحتفالات تضر بالأثر لوجود ضوضاء وأضواء تؤثر على الآثار، علاوة على أن هذه الاحتفالات وما يحدث بها تمثل انتهاكًا لقدسية الآثار المصرية الذى يتعامل معها الأجانب وكأنهم في حرم مقدس.
وأوضح أن تأثيرات الضوضاء والأضواء على الآثار سواءً آثار حجرية أو عضوية موضحًا أن وحدة قياس قوة الموجات الصوتية تسمي هيرتز، والأذن البشرية تستقبل الموجات الصوتية في المنطقة الواقعة بين 20 هيرتز 20و كيلو هيرتز، ولكن ما يهمنا الآن هو تأثير تلك الترددات الصوتية علي مختلف قوتها فيما بين المجالين السابقين علي الآثار سواءً الطبقات اللونية للأسطح الأثرية أو المسطحات الحجرية بما تحوية من قشور حجرية مخلخلة أو معرضة ويوضح استشارى الترميم حمدى يوسف التأثيرات المباشرة للترددات الصوتية المختلفة علي تلك الآثار في عدة نقاط:
أولًا: التأثير الميكانيكي للموجات الصوتية علي الآثار الحجرية، فمن المعروف لدينا أن الموجات الصوتية تنتقل بسرعة كبيرة في الفراغ الكوني كما ينتقل الصوت بسرعة أكبر خلال السوائل والأجسام الصلبة وتزداد سرعة الصوت مع معدل ارتفاع درجات الحرارة، و تقدّر سرعة الصوت في وسط هوائي عادي جاف في درجة حرارة 20 /°C 68 °F بسرعة 343 متر في الثانية، أو 1,125 قدم/ثانية ، أو ما يساوي 1235 كيلومتر في الساعة 768 ميل/الساعة، أو ميل واحد في كل خمس ثوان.
وهذا يعني أن تعرض اي جسم صلب لموجات صوتية تصل إلي 1200كيلومتر /ساعة فإنه يتأثر بشكل مباشر بهذا الاصطدام الكبير، ولذلك اذا وصلت سرعة الصوت الي هذا الحد في مكان مغلق فإنه يؤدي إلي حدوث انفجار ضخم لهذا الحيز المحيط لتلك الموجات، ومن هنا يجب أن ننتبه الي تأثير تلك الموجات علي الآثار بشكل عام، وخصوصًا تلك الآثار الحجرية الحاملة النقوش والزخارف اللونية ، مع الأخذ في الاعتبار الحالة الضعيفة والهشة لتلك الأسطح الحجرية التي تعاني من ارتفاع نسبة الرطوبة الناتجة عن ارتفاع المياه تحت سطحية والتي أدت إلي تكون طبقات ملحية وانهيار بنية الحجر الشبكية، وبالتالي عند اصطدام تلك الموجات بسطح الحجر فإنها تقضي علي الطبقة السطحية تماما و يزداد التأثير داخل الحجر طبقًا لزيادة سرعة الصوت داخل الوسط الصلب والسائل، ولهذا يجب أن نضع في الحسبان قوة الترددات الصوتية في الأماكن الأثرية والتي يجب ان تخضع للدراسة بواسطة مهندس صوت يحدد قوة الترددات اللازمة لكل فعالية احتفالية تقام في مكان أثري
المؤثرات الضوئية.
وينوه استشارى الترميم حمدى يوسف إلى المؤثرات الضوئية، وهناك مصدرين رئيسيين للضوء، المصدر الطبيعي من الشمس والمصادر الصناعية من المصابيح المختلفة سواء هالوجين أو تنجستين أو غيرها من أنواع المصابيح المختلفة، ومن المعروف أن مجال الرؤية للعين يقع بين مجالي الأشعة تحت الحمراء IR والأشعة فوق البنفسجية، وبالتالي يجب أن نعلم أن الأطياف الواقعة بين المجالين هي المسؤولة عن الرؤية بأطوالها الموجية المختلفة، وتبدأ الأطوال الموجية من الأشعة تحت الحمراء من الطول الموجي 700 نانوميتر وتنتهي عند الأشعة فوق البنفسجية التي يبلغ طولها الموجي 300 نانوميتر
وبالتالي فإن انخفاض الطول الموجي فيما أقل من 300 نانوميتر والخاص بالأشعة فوق البنفسجية لا يمكننا الرؤية
علاقة الطول الموجي بالتلف الفوتوكيميائي.
الاطوال الموجية المنخفضة 300 / 400 نانوميتر تنتج طاقة عالية، والأطوال الموجية الطويلة من 600 / 700 نانوميتر تنتج طاقة منخفضة، أي أن هناك تناسب عكسي بين الطاقة الناتجة من الضوء وطوله الموجي وهذه الطاقة هي المسؤولة بشكل مباشر عن التأثيرات المختلفة التي تترك بصماتها علي الآثار:
ومن هنا نؤكد أن جميع الآثار تتأثر بشكل مباشر من الضوء سواءً كانت آثار عضوية أو اثار حجرية ومعدنية حاملة للنقوش والزخارف الملونة ، وفي أحيان أخري تتأثر الآثار الحجرية بكمية الحرارة المنبعثة من المصادر المستخدمة في الإنارة، وخصوصًا تلك التي تستخدم في التصوير السينمائي وتنتج طاقة حرارية عالية.
هذه الطاقة الحرارية تؤثر علي تمدد وانكماش الأسطح الحجرية خصوصًا عندما يتم التناوب بين تشغيلها وايقافها بشكل سريع، حيث ينتقل سطح الحجر من الحرارة الي التبريد المفاجئ ، وهذا التأثير المتردد لدرجات الحرارة ارتفاعًا وانخفاضًا يؤثر بشكل مباشر علي الأسطح الحجرية الضعيفة أو حتي القوية والحاملة الألوان ويؤدي إلي خلخلة الطبقة السطحية ويقلل من قوة الترابط بين جزيئاتها، كما يجب ألا نغفل أن مدة التعريض للأطوال الموجية الطويلة والتي تنخفض تأثيراتها علي الآثار تتساوي مع التلف الناتج عن الأطوال الموجية القصيرة، شريطة أن تكون مدة التعريض الاطوال الموجية الطويلة بين 600 / 700نانوميتر طويلة، بمعني التلف الناتج عن مدة التعريض للأطوال الموجية بمعدل 300 ناموميتر يقدار ب100 لوكس ( وحدة قياس الضوء ) لمدة 1 ساعة يعادل التلف الناتج لتعريض الأثر لطول موجي 700 نانوميتر بقوة 10,000لوكس مدة 100 ساعة ..
وبالتالي يجب الحذر في الحد من تأثيرات الأطوال الموجية المختلفة سواءً علي الأمد الزمني البعيد والقصير للحفاظ علي الأثر ضد التلف الفوتوكيميائي.
كيفية التحكم في تأثيرات الأشعة المختلفة
ولفت استشارى الترميم بالحملة حمدى يوسف إلى إمكانية التحكم في تأثير الاطوال الموجية علي الآثار باكثر من طريقة أو أسلوب، مثلًا، يمكن استخدام أسلوب الإضاءة الطبيعية بشكل غير مباشر وهذا يراعى أثناء التصميم المعماري للمتاحف والمخازن المتحفية، وبالتالي فلا بد أن يضع المصمم المعماري تصميم بناء قاعات العرض المتحفي بصورة يراعي فيها توفير أكبر قدر ممكن من الإضاءة الطبيعية بشكل غير مباشر ، واذا وجدنا أنه بالفعل نفذ تصميمة بهذا الشكل ولكن بقيت الإضاءة غير كافية يمكن استكمال الكمية الباقية عن طريق الإضاءة الصناعية والتي لا يجب أن تزيد عن من 70 /150لوكس للآثار العضوية ومن 300 / 400 لوكس للآثار الأخري.
كذلك منع التصوير باستخدام فلاش الكاميرا لأنه علي الرغم من أن زمن التعريض فلاش الكاميرا يبلغ 1 /100 جزء من الثانية إلا أنه يصدر طاقة عالية جدا تبلغ 70,000لوكس ، وهذا رقم خطير جدًا اذا ما وضعنا في الحسبان أن بعض قاعات العرض يبلغ عدد زائريها بالملايين، ولذا نتخيل كم الطاقة المنبعثة من كل هذه الفلاشات ..هذا سوف ينهي علي الأثر تمامًا في فترة زمنية قصيرة وتتحول جميع الأسطح الملونة الي الوهن الضوئي ( ما نطلق عليه بهتان اللون ) او التحلل اللوني للألوان التي تم مزجها للحصول علي لون ثالث، وبالتالي إما أن نمنع التصوير تمامًا أو نستخدم فلاتر داخل قاعات العرض ويكون زجاج الفاترينات قائمًا بمقام مرشحات الضوء
استخدام الفلاتر في تنقية الضوء من الأطوال عالية الطاقة
ويتابع خبير الترميم حمدى يوسف بأن هناك فلاتر تستخدم للأطوال الموجية المنخفضة عالية الطاقة خاصة بالأشعة فوق البنفسجية وهناك فلاتر للأطوال الموجية منخفضة الطاقة الأشعة تحت الحمراء، بالنسبة لفلاتر الأشعة فوق البنفسجية تمتص الأشعة بحيث لاتتعدي 70 ميكرو وات / ليومن، وهي إما تتواجد في صورة ورنيش أو ألواح اكريليك توضع علي مصادر الضوء، تعتبر المرشحات المستخدمة من الاكريليك هي الأفضل ويميل لونها إلي الاصفرار ، كما يمكن استخدام أنواع معينة من لمبات ذات طاقة أقل وكمية اضاءة عالية.
وبالنسبة للأشعة تحت الحمراء يمكن استبعاد هذه الأشعة تماما حتي لو كانت تنتج طاقة أقل لأنها أيضا علي المدي البعيد سوف تؤدي إلي نفس تأثير الاطوال الموجية القصيرة ذات الطاقة العالية وذلك من خلال استخدام وسائل الإنارة الباردة مثل النيون والليد حديثا، وبالتالي يتوجب علينا دائما مراعاة قوة الإضاءة والعمل دائما علي استخدام الانارة الطبيعية غير مباشرة وقياس كميات الضوء من وقت إلي آخر بجهاز قياس كمية الضوء Light meter الضوء العادي ، وجهاز Ultra Violt monitoring لقياس الأشعة فوق البنفسجية علي اعتبار أنها اقوي طاقة من الأشعة تحت الحمراء .
بيارات الصرف الصحى
وبخصوص بيارات الصرف الصحى أوضح خبير الترميم فاروق شرف خبرة لأكثر من 30 عام فى ترميم الآثار المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار مستشار الحملة للترميم والصيانة، بأن هضبة الأهرام أحد أبرز التكوينات الجيولوجية في مصر حيث تعود نشأتها إلى أكثر من 30 مليون سنة خلال العصر الإيوسيني وهو أحد عصور حقب الحياة الحديثة.
تتكوّن الهضبة من صخور جيرية رسوبية تابعة لتكوين المقطم وتتميّز بتباين طبقاتها من حيث الصلابة والخواص الفيزيائية إذ تضم طبقات صلبة متماسكة استخدمها المصري القديم في بناء الأهرامات، ولا سيما الهرم الأكبر إلى جانب طبقات أخرى أقل تماسكًا وهشة نتيجة احتوائها على مكونات طينية ورملية خاصة في الأطراف والمناطق الجانبية للهضبة.
فإن وجود بيارات الصرف الصحي بالقرب من الهضبة أو في نطاقها المباشر يُعدّ تهديدًا جسيمًا للسلامة الجيولوجية والإنشائية لهذه المنطقة الأثرية الفريدة ويُصنّف من بين أخطر مظاهر التدهور البشري المؤثر على الموقع.
وأوضح فاروق شرف أن هضبة الأهرامات عانت خلال العقود الماضية من تسربات مياه الصرف الصحي، لاسيما من المناطق السكنية المحيطة مثل نزلة السمان حيث تسللت المياه إلى الطبقات الجوفية محدثة سلسلة من الأضرار من أبرزها إرتفاع منسوب المياه تحت سطحية، وذوبان الأملاح داخل البنية الجيرية للصخور مما أدى إلى فقدان تماسكها.
وبالتالي حدوث شروخ وانهيارات جزئية في المناطق السفلى من الهضبة وخصوصًا بالقرب من الحواف أو الطبقات الضعيفة.
ورغم خطورة هذا التهديد فقد تم تنفيذ عدد من المشروعات الهندسية والمعالجات البيئية للحد من تفاقم المشكلة تضمنت أنظمة لضخ المياه تحت سطحية وإنشاء شبكات صرف جديدة بجهود مشتركة بين الجهات المحلية والدولية منها منظمة اليونسكو.
ولفت إلى أن المُشكّلة فى هضبة الأهرام أنها صخور جيرية رسوبية عالية المسامية تتأثر بشكل خطير بتسرب مياه الصرف الصحي من المناطق المجاورة و تحتوي هذه المياه على أملاح ومواد عضوية وأحماض تذيب الكالسيت (المكون الرئيسى للحجر الرسوبي) مما يؤدي إلى تآكل الصخور وفقدان تماسكها وارتفاع منسوب المياه تحت سطحية، وهذا التغلغل يسبب شروخًا وانهيارات جزئية ويهدد استقرار الهضبة والمعالم الأثرية فوقها.
ولذا وجب المراقبة المستمرة واتخاذ إجراءات وقائية صارمة لحماية الهضبة وضمان استدامتها للأجيال القادمة.