سائقو السيارات في الجزائر يتجهون لاستعمال الغاز وقودا هربا من أسعار البنزين
يُسارع سائقو السيّارات في الجزائر إلى استعمال الغاز المسال وقودا مع ارتفاع سعر البنزين في السنوات الأخيرة، حيث تجاوز عدد السيارات التي تستخدم الغاز عتبة المليون سيارة وفقا لتقرير صدر عن محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية.
أوضح التقرير أنّه خلال الأشهر الستّة الأولى من عام 2023 وصل عدد السيّارات التي تعمل بالغاز المسال في الجزائر إلى 850 ألف سيارة، ليتجاوز العدد عتبة المليون بنهاية العام.
وأشار إلى ارتفاع الطلب على الغاز كوقود بداية من عام 2015 إثر ارتفاع سعر البنزين والمازوت، الذي قابله تشجيع السلطات الجزائريّة على التزوّد بالغاز ودعمه وتوفير التجهيزات اللازمة لذلك.
وبحسب التقرير، الذي أعدّه فريق عمل من ممثّلين لعدد من الوزارات، فإنّ سعر الغاز في الجزائر يعدّ الأرخص في العالم، حيث يقلّ 5 أمثال عن البنزين و 3 عن المازوت.
ويبلغ سعر البنزين من دون رصاص 45.97 دينار جزائري (حوالي 0.34 دولار أميركيّ) للتر الواحد، والديزل 23.04 دينار، في حين يبلغ سعر اللتر الواحد من الغاز المسال 9 دنانير فقط.
موفّر لكنه غير متوفّر دائما
الأربعيني توفيق، الذي يعمل في إحدى المؤسسات الحكوميّة، قال في حوار لوكالة أنباء العالم العربي إنه تحوّل إلى استعمال الغاز منذ عام 2019، بعد أن كان يفضّل في السابق السيارات ذات محركات الديزل بسبب قوتها ورخص سعر ذلك الوقود مقارنة مع البنزين.
وأوضح توفيق أنه قبل تزويد سيارته الجديدة بتجهيزات الغاز، كانت تعبئة خزان تلك السيارة التي تعمل في الأصل بالبنزين بالكامل 2700 دينار، وذلك الكم من الوقود كان يكفيه لقطع مسافة تتراوح بين 600 و700 كيلومتر؛ أما الغاز، فيكلّفه اليوم 450 دينارا لملء الخزان الذي يقطع به مسافة تصل إلى 1000 كيلومتر.
الستينيّ عبد القادر كهل، الذي تحوّل إلى العمل على سيارة أجرة (تاكسي) بعد تقاعده من العمل في إحدى الشركات الحكوميّة، أصبح هو الآخر يفضّل استخدام الغاز وقودا منذ عشر سنوات.
ويرى كهل أنّ الغاز يتميّز بكونه صديقا للبيئة واقتصاديا، حيث إن جرّة الغاز التي وضعها في الصندوق الخلفي للسيارة تُنسيه أمر الدخول إلى محطات الخدمة للتزود بالوقود على الرغم من أنه سائق أجرة.
وبينما اعتبر أن عدم توفّر موزّعات الغاز المسال في جميع محطّات الوقود يمثّل مشكلة، فقد قال إن هذا الأمر لا يرقى إلى مستوى الهاجس المزعج نظرا لأنه يعبئ خزان الغاز مرة واحدة كل 10 أيام ويقصد محطة واحدة منذ أن زوّد سيارته بتجهيزات العمل بالغاز.
وأوصى التقرير بتسريع وتيرة تحويل السيارات إلى العمل بالغاز المسال وتزويد جميع مراكز التعبئة بوسائل توزيعه، فضلا عن مضاعفة عدد هذه المراكز في أنحاء البلاد وتعزيز أسطول صهاريج نقل الغاز المسال من أجل ضمان الإمداد المستمر لمحطات الخدمة.
مزايا أخرى لاستخدام الغاز
ويرى عبد الهادي، وهو موظّف في قطاع المحروقات، أن هناك ميزة إضافية لتحويل السيارات إلى العمل بالغاز، وهي أنّ هذا يوفّر للسائق خيارين للتزوّد بالوقود والتنقّل بسيّارته.
وقال “وقود الغاز خيارٌ ونظام حياة، خاصة أنّه يتيح ازدواجيّة الوقود؛ فحين يريد السائق أن يسير بالبنزين يمكنه السير به، وحين يريد أن يسير بالغاز ما عليه إلا أن يضغط على زرّ تشغيل الغاز”.
وكان توجّه عبد الهادي إلى الغاز اختياريا قبل الزيادات المتتالية في أسعار البنزين؛ فقد زوّد أوّل سيارة اقتناها عام 2000 بتجهيزات الغاز مباشرة ثم توالت السيارات التي اشتراها، وكان في كلّ مرة يحرص على أن تكون سياراته قابلة لاستخدام الغاز وقودا.
أيضا، يكون أصحاب السيارات التي تعمل بالغاز غير ملزمين بدفع ضريبة قسيمة السيارات المفروضة على ملاّك السيارات منذ سنّ قانون الموازنة لسنة 1998.
وقال عبد الهادي إن الدولة تشجع السائقين وأصحاب السيارات على التوجه لهذا الوقود، “فلما لا يستفيد السائق، خاصة أنه لا يلوث البيئة والجزائر تصنعه محليّا، بعكس باقي الوقود الذي تُرسله خاما إلى معامل التكرير في أوروبا ثم تستورده وقودا”.
وساهم الطلب على الغاز المُسال في انخفاض استهلاك البنزين إلى 3.3 مليون طن عام 2022 من 4.4 مليون طن في عام 2015. وأبرز تقرير فريق العمل أنّ الجزائر تملك قدرات كبيرة في مجال إنتاج الغاز المسال والغاز الطبيعي المضغوط، داعيا إلى تطوير هذين المنتجين.
وفي ما يتعلق بالغاز الطبيعي المضغوط، فإن هذا الوقود لم يتجاوز المرحلة التجريبية، على الرّغم من إنجاز عدد كبير من الأعمال لصالح تطوير استخدامه وقودا للسيارات، وفق لما رصده التقرير.
موثوقية كبيرة
وقال عميد كلية التكنولوجيا بالأغواط ورئيس مجلسها العلمي علي شقنان ، أن الجزائر تمتلك خبرة واسعة في صناعات الغاز، خاصة الغاز المميّع.
وقال شقنان، وهو أيضا خبير في مجال الطاقة المتجددة، إنّ صادرات الجزائر من الغاز المُسال تُشير إلى أنّها سجّلت أداء متميزا في الآونة الأخيرة، إذ بلغت نحو 13 مليون طن خلال العام الماضي، وهو أعلى مستوى لهذا النوع من الصادرات منذ عام 2010، بنسبة نموّ بلغت حوالي 26.1% مقارنة مع 10.2 مليون طن في العام السابق.
وأعتبر شقنان أن الجزائر خطت خطوات كبيرة في مجال الغاز المسال بفضل علاقاتها مع شركائها، خاصة من دول الاتحاد الأوروبي، وأنها أصبحت تتمتع بموثوقيّة عالية في عقود الغاز الطبيعي والغاز المسال.
وقال إن ما مكّن الجزائر من أن تتبوأ هذه المكانة هو امتلاكها بنى تحتية للتصدير، سواء محطات إسالة في مدينتى سكيكدة وأرزيو بوهران المطلتين على البحر المتوسط، أو أنابيب الغاز الطبيعي نحو إيطاليا وإسبانيا.
مميّزات استعمال الغاز
وأوضح شقنان أن الغاز المسال كان لفترة طويلة مخصصا للتطبيقات الصناعية، وسيطر تدريجيّا على عالم النقل، وهو مكمّل للغاز الطبيعي المضغوط ويتمتع بميزة استقلاليّة أكبر بسبب كثافته العالية للطاقة.
وقال “في مجال النقل، يُستعمل الغاز الطبيعي المسال اليوم في نوعين رئيسين من التطبيقات؛ في النقل البري، يُستعمل في الشاحنات باستقلالية مشابهة لنظيراتها من الشاحنات التي تعمل بالديزل، أي أكثر من 1000 كيلومتر بخزان ممتلئ”.
وأشار إلى أن من شأن استخدام الغاز الطبيعي المسال أن يقلّل من انبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 26%، مقارنة بالانبعاث من محركات الديزل.
أضاف “في النقل البحري، يفي الغاز المسال بالمعايير البيئيّة الدوليّة الجديدة، حيث يتم تجهيز السفن والبواخر بمحركات الغاز المسال من أجل تلبية المعايير البيئية المتعلّقة بانبعاث الغازات الدفيئة ولتخفيض التلوث الضوضائي الذي يؤثر بشكل كبير في الحيوانات البحريّة”.
واعتبر أنّ هناك ثلاثة أنماط لعبت دورا في تشجيع السلطات الجزائرية استخدام هذا الوقود وحثّ المواطنين على التحول إليها، أولاها بيئية”.
وقال “عند احتراق الغاز المسال، فإنه لا ينتج عنه أيّ غازات تؤثر سلبا في البيئة، بل ينتج عنه كميات صغيرة من بخار الماء وثاني أكسيد الكربون، وبهذا يضمن انخفاضا كبيرا في انبعاث ثاني أكسيد الكربون مقارنة بالمصادر الأخرى كزيت الوقود”.
وتابع “النمط الثاني اقتصادي، على اعتبار أنّ الغاز المسال أرخص ثمنا مقارنة بأنواع الوقود الأخرى، بتكلفة ثابتة نسبيا، والصيانة أقلّ كُلفة من المصادر الأخرى. أمّا النمط الثالث هو الفعالية؛ فالغاز المسال هو طاقة فعّالة، ومتوسّط القيمة الحرارية للغاز الطبيعي المسال هو 11.75 كيلوواط ساعي في المتر المكعب”.