[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

ريحان: طالبت بتدريس الآثار والحضارة بجلسة الهوية الوطنية

نجوى سليم

أشاد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار بمناقشات جلسة الهوية الوطنية بالمحور المجتمعي بالحوار الوطني برئاسة الدكتور أحمد زايد مقرر محور لجنة الثقافة والهوية الوطنية وقد طرحت بها أحد أفكاره التى نادى بها منذ عامين وهى مطالبته بتدريس مادة «آثار وحضارة» فى مراحل التعليم ما قبل الجامعى يدرس فيها التلميذ الآثار والحضارة المصرية في عصورها المختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث والآثار الخاصة بكل عصر وكذلك يدرس اللغات المصرية القديمة واللغة القبطية وريثة اللغة المصرية القديمة فهى ليست لغة دينية فقط بل هي لغة حضارة وأدب وتمثل جزءًا من الهوية المصرية

وأوضح الدكتور ريحان ضرورة ارتباط هذه المادة بزيارات ميدانية يكتب من خلالها التلميذ المادة بنفسه ولا يكون لها كتاب مقرر بل دراسة ميدانية تعتمد على طبيعة الآثار في نطاق كل مديرية تعليمية ويكون المشرفون على تدريس المادة مفتشو الآثار بوزارة السياحة والآثار، وتدرس اللغة المصرية القديمة بواسطة أساتذة اللغة بالجامعات المصرية بمستويات لكل مرحلة.

وأكد الدكتور ريحان أن الهوية الوطنية يجب أن تنطلق من التزام الدولة بالحفاظ علي الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة طبقًا للمادة 50 من الدستور المصرى ونصها “تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي منه والمعنوي بجميع تنوعاته ومراحله الكبري، المصرية القديمة والقبطية والاسلامية ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذلك الرصيد الثقافي المعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء علي أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون وتولي الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ علي مكونات التعددية الثقافية في مصر
ولتحقيق هذا المبدأ يتطلب عدة أمور تبدأ بوضع صيغة محددة لمفهوم الهوية المصرية ومقوماتها فى ضوء الدستور وكتابات جمال حمدان والمستجدات فى شتى المجالات مع مراعاة شخصية مصر الوسطية في الدستور، الذي وضع أسسها المفكر جمال حمدان باعتبار مصر هي قلب العالم العربي وواسطة العالم الإسلامي وحجر الزاوية في العالم الأفريقي، فهى أمة وسطًا بكل معنى الكلمة في الموقع والدور الحضاري والتاريخي والسياسة والحرب والنظرة والتفكير وسطًا بين خطوط الطول والعرض بين المناطق الطبيعية وأقاليم الإنتاج بين القارات والمحيطات حتى بين الأجناس والسلالات والحضارات.

ونوه الدكتور ريحان إلى البعد الأفريقى لمصر كما جسّده جمال حمدان فهى مصدر المياه والحياة في رحلات قدماء المصريين إلى بلاد بونت كما وجدت أدلة على المؤثرات الحضارية المادية والثقافية بين بعض قبائل نيجيريا وغرب أفريقيا وبين القبائل النيلوتية في أعالي النيل وفي محور شمال أفريقيا، ويجسّد البعد الآسيوي مصدر الدين والحضارة والثقافة، وكل هذه الأبعاد تتداخل مع الإطار العربي الكبير، وهو ليس مجرد بعد توجيهي أو إشعاعي ولكنه خامة الجسم.

كما كانت مصر بوابة التعريب بالنسبة للمغرب العربي، وتجسّد البعد الخاص بالبحر المتوسط لمصر في علاقات مصر القديمة الحضارية والتجارية بكريت المينوية ثم باليونان وروما، وفي العصر الإسلامي أصبح للبحر المتوسط دور حيوي في كيان النشاط التجاري بمصر وارتبطت مدن كالإسكندرية ودمياط مع البندقية وجنوة وبيزا بعلاقات تجارية وامتد بينهم جسرًا بحريًا، وفي العصر المملوكي كانت الإسكندرية والقاهرة موطنًا دائمًا لتجار نشيطين من تجار المدن الإيطالية.

وأكد هوية مصر مصدرها تسلسل تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ مرورًا بعصر مصر القديمة والفترة اليونانية والبطلمية والرومانية والمسيحية والإسلامية والمؤثرات الحضارية المختلفة والممتدة حتى الآن ومن ضمن معايير اليونسكو لتسجيل ممتلك تراث عالمى هى امتداد تأثيرها الحضارة وامتداد أفكارها حتى الآن.

وطبقًا لدراسة للآثارية المتخصصة فى آثار مصر القديمة والإعلامية إنتصار غريب فإن استمرارية أفكار مصر القديمة حتى الآن تعد جزء من الهوية مثل عادات رمى خلاص المولود واستعمال كرسى الولادة الذى كان مستعملًا في مصر القديمة وما بعدها وفي الريف للآن بالإضافة إلى ذكرى خميس المتوفي والأربعين، وكذلك استمرار العديد من الألعاب الرياضية وألعاب التسلية تمارس حتى الآن مثل “مين إللى ضربك يا وزة والحوكشة ولعبة التحطيب.

كما أن مفردات اللغة المصرية القديمة مازالت مستخدمة حتى الآن مثل كلمة حاتى وهو محل طعام لأنواع من اللحوم مثل الكوارع وأصل الكلمة من “حات حري” وتعني الجزء الأسفل من ساق الماشية أي الكوارع وكلمة نونو من “نو” بمعنى طفل وكلمة كحكح ومكحكح وتعني كبير أو عجوز من “كحكح ” وكلمة ميح وتعنى فارغ وهي نفس الكلمة القديمة بدون تغييروكلمة انتش تعني شرير وكلمة غتت من “غت” وتعني جسد، وكلمة السح ادح امبو فى الأغنية الشعبية من “إنبو” وتعنى طفل

ونوه الدكتور ريحان إلى قيمة التراث المسيحى فى مصر كجزء لا يتجزأ من الهوية وتجسّد فى الاحتفالات الشعبية والموالد المرتبطة بمسار العائلة المقدسة وعيد الغطاس والمستمرة حتى الآن والتى سجلت تراث لامادى باليونسكو 2023، وأن حصان وعروسة المولد النبوى مستوحاة من أسطورة إيزيس وأوزوريس فى شكل حصان المولد المستوحى من تمثال “حورس” راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر “ست” والذي صور على هيئة تمساح، وفى شكل عروسة المولد وكرانيشها الملونة المستوحاة من جناح إيزيس الملون، وفى الفترة المسيحية بعد ذلك صنع مسيحيو مصر العروسة فى مصانع بمنطقة أبو مينا بكينج مريوط بالإسكندرية وكانت ترمز فى المسيحية إلى النفس البشرية وهى اللعبة المفضلة للبنات وصوروا الفارس وهو البطل الذى يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته وهى الصورة التى استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل حورس وهو يطعن (ست) رمز الشر.

وجسّد لنا التراث الإسلامى كل نواحى حياتنا من عناصر معمارية مجسّدة فى القصور والمنازل والفنون الزخرفية المستمرة حتى الآن من زخارف الأرابيسك والزخارف الهندسية والنباتية وزخرفة النجوم وفى الخط العربى الذى سجل تراث عالمى لامادى مشترك باليونسكو عام 2022 مع 14 دولة عربية، وفنون الأراجوز المسجل تراث عالمى لامادى عام 2018 ويعود إلى عهد المماليك.

وتابع الدكتور ريحان بأن الحفاظ على الهوية المصرية يتطلب وعى متكامل بقيمة الهوية فى التعليم والإعلام والثقافة بتدريسها فى مراحل التعليم ليس بشكل مقرر بل فى شكل أنشطة إجبارية مرتبطة بمادة التاريخ واللغة العربية واللغات المختلفة تشمل رحلات للمواقع الأثرية وتصويرها والكتابة عنها كموضوع تعبير باللغة العربية واللغات المختلفة وتوصيف للعمارة والفنون والأحداث المرتبطة بها فى مادة التاريخ على أن تقسّم المادة إلى جزء نظرى وجزء ميدانى مرتبط بالهوية وتشمل التراث المادى واللامادى المرتبط بالحرف التراثية والحكايات والأمثلة الشعبية والعادات والتقاليد المتوراثة.

وفى الإعلام تخصص برامج للتعريف بالهوية وكيفية تعزيزها والحفاظ عليها كجزء لا يتجزأ من الانتماء واستضافة علماء فى تخصصات مختلفة لتوضيح ذلك والانتقال بالكاميرات لنقل الصورة الميدانية لمظاهر الهوية فى كل مناسبة دينية أو وطنية أو مرتبطة بأعياد قومية للمحافظات

وفى الثقافة أن يقوم المجلس الأعلى للثقافة المسئول عن تنفيذ السياسة الثقافية لمصر ونشر الوعى بقيمتها بتوثيق وتسجيل كل المعارف المرتبطة بالهوية من إبداعات فكرية وعادات وتقاليد وحكايات وأمثلة شعبية ومنتجات تراثية متنوعة ترتبط بأماكن معينة مثل تراث سيناء ومطروح والوادى الجديد والفيوم والنوبة وغيرها وأزياء تراثية مثل أزياء سيناء ومدن القناة المرتبطة بالبامبوطية ومطروح وصعيد مصر والدلتا وأطعمة مرتبطة بالهوية خاصة أنواع الخبز المصرى المميز مثل العيش الشمسى بالصعيد والبتاو والعيش المرحرح بالدلتا والعيش البلدى بالقاهرة الكبرى، والأكلات الشهيرة بمصر مثل الكشرى والطعمية والأطعمة المرتبطة بالمناسبات مثل الفسيخ والملوحة وأطعمة ومشروبات شهر رمضان المميزة، علاوة على السلالات النباتية خاصة الأعشاب الطبية واستخداماتها العلاجية تمهيدًا لعمل ملفات متكاملة لتسجيلها تراث لامادى فى اليونسكو كما تم فى تجربة الاحتفالات الخاصة بالعائلة المقدسة والوصول إلى كل قرية ونجع وعزبة فى مصر لنشر الوعى وتعزيز الهوية والبحث عن مفرداتها التراثية المستمرة حتى اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى