“صناعة النحاس” فى بني سويف مهددة بالانقراض

يحيى عبدالغني
هو مكان ما إن تطأه قدماك حتى تشعر فيه بعبق التاريخ، فتفوح منه رائحة الماضى الجميل، حيث تتعالى أصوات الباعة، ويزدحم بالزبائن الذين يقصدونه من كل حدب وصوب لشراء احتياجاتهم، ويختلط فيه ضجيج دقات الحدادين والنحاسين وصانعى الأقفاص مع رنين أصوات الملاعق وسط أكواب الشاي بمقهي هنا أو هناك، فتشعر وكأنك تعيش وسط حقبة تاريخية كنت تتمنى لو تعيشها.
حى “الميانى” التاريخى الذى يقع وسط مدينة بني سويف العاصمة، فهو رغم صغر شوارعه إلا أنك تشعر من جمال مبانيه وحوانيته القديمة ونظافته بأنك تعيش فى عاصمة أوروبية عتيقة.
ومن بين عشرات الحرف المصرية التى اندثرت بفعل التطور لا توجد سوى حرفة واحدة باقية فقط داخل شوارع ” السوق ” القديمة التاريخية، وهي حرفة ” صانع النحاس ” بأسواقها التى أصبحت ذكرى لحرفة مصرية قديمة كانت تعتمد عليها كل البيوت .
«أخبار السياحة» التقت أقدم صانع للنحاس والألومونيوم فى بنى سويف ” عم لطفى حسن محمد على ” ذو الـ 77 ربيعا ” .. والذي صمم على عدم ترك المهنة تندثر فى بنى سويف إلا مع آخر نفس له .
وقال عم لطفى ـ كما يناديه أهل المنطقة ـ “ورثت المهنة عن والدى منذ 68 عاما عندما كنت فى الصف الرابع الإبتدائى، وانضممت لورشة والدى لتعلم المهنة بجانب شقيقتى الكبرى ” أم رفاعى ” التي توفاها الله منذ سنوات قليلة.
وأَضاف : ” أعمل فى ورشة والدى التى يبلغ عمرها أكثر من قرن من الزمان لم يتغير فيها شىء، سوى دخول الكهرباء بمساعدة نجلى “محمد ” ، كما أصبحنا نعتمد على بعض الأدوات والماكينات مثل السير الكهربائى بعدما كانت الصنعة يدوية خالصة .
وعن بيع واقتناء النحاس في المنازل أكد “عم لطفى” أن جهاز العروس كان لا يكتمل إلا بوجود الطقم النحاس، الذى عادة ما يتكون من ” الطشت ” وبعض الأوانى والأطباق، وكلما زادت محتويات هذا الطقم، كان دليلا على المكانة الاجتماعية للعروس، حيث كان ” الطقم النحاس ” عزيزًا وغاليا لدى النساء، وكن يحتفظن به، بل وتتوارثه الفتيات عن أمهاتهن، ولا يُفرطن فيه إلا إذا نزل بالبيت ضائقة مالية شديدة، فكانت الزوجة تفكر حينها فى بيع ” الطقم النحاس ” دليلا على بيع أغلى ما تمتلكه الأسرة .
وأشار إلى أنه كان يصنع كافة أطقم النحاس برفقة أصدقائه الذى كان يبلغ عددهم وقتئذ 11 صانعا للنحاس، ويوردها إلى محل كبير أطلق عليه ” بنك أبوزيد “، كان يقع في ميدان حارث أحد أقدم مدن المحافظة، حيث كان يلجأ إليه المقبلين على الزواج، والأثرياء في القرى، وبعد ذلك يتعامل معنا الزبون مباشرة في حال حاجته لتلميع النحاس من جديد أو لحام إحدى الثقوب به .
وأكد “عم لطفى” أن أفضل طهو صحى للطعام يكون داخل الحلل النحاسية قبل أن يدخل الألومنيوم فى الصناعة ويقضى عليها .
وأوضح أن أكثر المقبلين على شراء النحاس حاليا هم أصحاب المطاعم الذين يستخدمون النيران بكثرة لأن الألومنيوم لا يتحمل النار كالنحاس، وكذلك أصحاب مطاعم الفول والطعمية، وصانعى الكنافة .
وعن الألومنيوم أكد ” صانع النحاس ” أن أكثر ما يطلب منه هو عجان الطعمية و”قدر الفول ” وطاسة الطعمية والتى يتم طلبها نحاس وألومنيوم .
وطالب “عم لطفى ” المسئولين بضرورة العمل على إحياء تلك المهنة التى شارفت على الاندثار، ورعاية الحرفيين، خاصة وأن تلك المهنة كان لها باع كبير فى أسواق مصر بل والعالم العربي كله، قبل أن يصبح هم العاملين فى الخردة حاليا جمع النحاس لتحويله إلى أسلاك كهربائية، فى حين أن تلك المهن التراثية لو استطاع المسئولين تبنيها ستدر دخلا بالعملة الصعبة على مصر .
وأوضح ” عم لطفى ” كيفية تلميع وإصلاح النحاس بالأجهزة والأدوات التقليدية المتواجدة فى ورشته، مشيرا إلى أنها تبدأ بلحام الأجزاء المكسورة أو المثقوبة، تليها عملية تثبيت القطع النحاسية على جهاز يجعلها تدور بسرعة كبيرة، ثم يقوم ” الصنايعى ” بوضع ” السنفرة ” والأدوات التى تلمع الصوانى وغيرها.

