مدفع رمضان العتيق.. حكاية حارس تقاليد الإفطار على ضفة النيل بسوهاج

على ضفة النيل الغربية في محافظة سوهاج، وأثناء انسياب مياه النهر الخالد أسفل شعاع شمس المغرب؛ كخيطٍ من الذهب، يقف مدفع رمضان كشاهد حي على حكاية عمرها 13 عقدًا؛ تحول معها إلى حارس أمين لطقوس الشهر الكريم، يُعيد كلما عاد الشهر الكريم إلى زمنٍ تختلط فيه البساطة ببهجة قدوم الشهر العزيز.
منذ القرن الخامس عشر مع العصر المملوكي، وينتظر المصريون دويّ مدفع رمضان إيذانًا بالإفطار، لكن في سوهاج تحديدًا، تحول هذا التقليد إلى إرث عائلي.
قبل غروب الشمس، يتوافد الأهالي من كل قرية ومدينة بالمحافظة نحو كورنيش سوهاج على الضفة الغربية لنهر النيل، يحملون أطفالهم الذين لا تنتهي أسئلتهم عن «الجدّ الحديدي» الذي ينتظرون صوته ليبدأ كسر الصيام وبدء الإفطار.
وسط ضجيج الفرح، تُرفع الهواتف لالتقاط صورة تذكارية مع المدفع، لتبقى شاهدةً على لحظةٍ تجمع الماضي بالحاضر في إطارٍ واحد، بجانب النهر الخالد.
ليس المدفع أداة لإعلان الإفطار، بل هو تحفة هندسية تخطت حواجز الزمن لتبقى صامدة تؤدي دورها، بفعالية وسط بهجة مثالية.
بماسورة حديدية ثقيلة، وعجلتان خشبيتان مزينتان بشكل حديدي، وزاوية إطلاق محسوبة بدقة، في تصميم يحاكي المدافع الحربية القديمة، يستند مدفع سوهاج التاريخي على سور كورنيش النيل، حاملا في جوفه قذائفَ ليست من الرصاص ولكنها من أصوات الفرح.
وفي حراسة أحد أفراد الأمن يضع الرجل «بارود الأمان» داخل المدفع، وكأنه يُدِخل المدفع القديم حالة التأهب اليومية، في انتظار غروب الشمس ورفع أذان المغرب؛ لإشعال شحنة كهربائية، تطلق طلقة صوتية، إيذانا لكل الصائمين حوله بالإفطار؛ وسط هتافات الفرح تخرج من فم الحاضرين، وتصاعد أدخنة البهجة من فم ماسورة المدفع، وكأن لسان حاله يقول: «حلّ وقت اللقاء».
بهذه الأجواء يتحول مدفع رمضان في سوهاج، من أداةٍ زمنية إلى جسرٍ بين الأجيال، يحمل عبق التاريخ، وعبير الذكريات، مع كل طلقة.