تاريخ وحضارة

كتاركت أسوان.. شاهد على حكايات التاريخ

مها سلامة

تعتبر مدينة أسوان من أجمل البقاع التاريخية والحضارية على مستوى العالم، حيث تتمتع بطبيعة خلابة ومشمسة فى فصل الشتاء؛ ولذلك لقبت أسوان بعروس المشاتى على مستوى العالم، ويفد إليها ملايين السائحين سنوياً فى فصل الشتاء للاستمتاع بطقسها الرائع الدافئ ومناظرها الخلابة.

 

كما تعد البوابة الجنوبية لمصر، وتحوي مئات المواقع التراثية التاريخية، ما بين معابد فرعونية ومقابر أثرية قديمة، ومعالم حديثة ومعاصرة على ضفتى نهر النيل، ومن أهم المبانى التاريخية والتراثية فى أسوان فندق “كتراكت” ويعنى فى الإنجليزية “الشلال”، وبُني ذلك الفندق عند ملتقى الشلال الأول على صخرة كبيرة من الجرانيت الوردى على الضفة الشرقية لنهر النيل؛ ليطل ضيوفه على النيل مباشرة، وبالقرب من شلالات أسوان وأمام جزيرة الفنتين القديمة.

الدكتور عبدالرحيم حامد أحمد ، مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية السياحة والفنادق جامعة الأقصر يأخذنا في جوبة تاريخية لردهات وأروقة ذلك الفندق، فيقول:”بدأت فكرة إنشاء فندق كتراكت فى أواخر القرن 19م خلال فترة الاحتلال الإنجليزى لمصر، حيث بدأ البناء فيه عام 1889م بعد اكتمال خط السكة الحديد إلى مدينة أسوان، وذلك أدى إلى زيادة التدفق السياحى للمدينة لزيارة معالم المدينة التاريخية والأثرية، والاستمتاع بجوها الشتوى المشمس وبالطبيعة الخلابة، وبُنى فندق كتراكت على الطراز الفيكتورى الإنجليزى، وتميز ذلك الطراز فى البناء والتصميم عن غيره بالجمع بين الفخامة والثراء والأناقة والألوان الكلاسيكية، ويعود ذلك الطراز إلى النصف الثانى من القرن التاسع عشر فى إنجلترا، وسُمى بذلك نسبة إلى الملكة فيكتوريا، مؤسسة ذلك النمط خلال فترة حكمها، والمواد المستخدمة فى ذلك الطراز باهظة الثمن وأغلبها طبيعية، وفى ذلك الفندق امتزج الطابع الفيكتورى بالطابع الإسلامى الكلاسيكى، وأيضاً يتمتع ذلك الفندق بطابعه الشرقى فى تصميماته الداخلية، ويظهر ذلك فى الأقواس الضخمة التى تزين جنباته”.

يقول حامد، اكتمل بناء الفندق فى عام 1899م وتم افتتاحه رسمياً أمام الضيوف فى ذلك العام، وفى بدايته كان يستوعب حوالى 60 ضيفاً، وبعد زيادة الطلب على الفندق وزيادة الحركة السياحية إلى مدينة أسوان تم توسعته عام 1902م، وزاد الفندق شهرة على مستوى العالم فى ذلك الوقت، وخاصة القادمين لزيارة مصر ومدينة أسوان، وبدأت المشاهير والشخصيات المهمة من جميع أنحاء العالم تفد إليه، وألحق بالفندق العديد من وسائل التسلية والترفيه.

وفى 10 ديسمبر عام 1902م حضر الخديو عباس حلمى حاكم مصر افتتاح مطعمه الرئيسى، كما حضر ديوك كونوت الابن الثالث للملكة فيكتوريا، واللورد وليدى كرومر وعدد من كبار رجال الدولة والمشاهير، ومن أهم رواد فندق كتراكت الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان آنذلك، الكاتبة الكبيرة أجاتا كريستى صاحبة قصة “جريمة على ضفاف النيل” المستوحاة من الفندق أثناء إقامتها فيه وأنجلينا جولى، ونستون تشرشل، الأميرة ديانا، الأغا خان الثالث الذى زار الفندق عدة مرات قبل بناء مقبرته فى غرب أسوان، هوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ أمون بالبر الغربى بالأقصر عام 1922م، نيكولاى الثانى والملك محمد الخامس، وزاره الرئيس نيكولاس ساركوزى الرئيس الفرنسى، وأيضاً زاره الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وزاره العديد من الشخصيات المهمة على مستوى العالم ومنهم السير مجدى يعقوب وغيرهم.

وأضاف، فى سنة 1939م أثناء الحرب العالمية الثانية استخدمت الأسر الإنجليزية المقيمة فى مصر فندق كتراكت لإقامة بناتهم حماية لهم من خطر الحروب.

ويتكون فندق كتراكت من إجمالى عدد 138 غرفة وجناح مقسمين إلى جزأين، وتمتاز الأجنحة بالمساحات الواسعة وعلى الطراز الفيكتورى، وتم تجهيز الغرف والأجنحة بأرقى أنواع الأثاث على مستوى العالم الذى تميز بالفخامة والعراقة، ومن أكبر وأشهر الأجنحة داخل الفندق ” جناح أجاتا كريستى” وجناح تشرشل، أما الجزء الآخر من الفندق مقسم إلى 9 أدوار ويحتوى على عدد 62 غرفة وجناحاً، وأكبر الأجنحة فى ذلك الجزء هو جناح الأغا خان، وجميع الغرف تطل على النيل مباشرة وعلى ضريح الأغا خان غرب أسوان، ويحتوى فندق كتراكت على العديد من المطاعم.

وفى عام 2008م تمت أكبر عملية تجديد وترميم فى تاريخ ذلك الفندق العريق بقيادة مهندسة الديكور الفرنسية “سيبيل دى مارجيرى” حفاظاً على الفندق وإنقاذه من الانهيار وإعادته لسابق عهده، واستمرت أعمال التجديد ثلاث سنوات، ونجحت الفرنسية فى أن تحافظ على ذلك الفندق وتظهره بإطلاله جديدة تليق بذلك الفندق العريق، ومن ذلك المنطلق يجب على وزارة السياحة والآثار المصرية الاهتمام بذلك الصرح الأثرى الذى يعد من أقدم وأرقى الفنادق التاريخية على مستوى وضرورة التعريف بأهميته والأحداث التاريخية المهمة التى شهدها ذلك الفندق، والتعريف بالزيارات الرسمية والملكية التى تمت به، وضرورة التسويق لتلك التحفة المعمارية والعرض على دور السينما العالمية للتصوير به والتسويق لمصر ولمدينة أسوان سياحياً، وضرورة مطالبة اليونيسكو بإدراجه ضمن أهم مواقع التراث الحضارى فى مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى