أسطورة «زهرة الأنيغون» .. و جرّاح أدونيس
ستظل بيننا المدن والمسافات والغياب لكننا سنلتقي بأغنية في اسطورة ليس مهما كيف وأين، المهم أن نلتق، لطالما كانت الكلمات والأغاني والحكايات مادة شيقة ومن أهم عوامل الجذب السياحي لأماكن معينة حملت في أحضانها بصمات لأحداث مجلجلة ذاع صيتها وبقيت في الذاكرة لأبناء تلك الأماكن فراجت وذاعت وانتشرت، فبات القاصي والداني يقصد المكان ليسمع ويرى، واليوم نتناول في تقريرنا زهرة ذائعة الصيت أنيقة الألوان، اختلف المؤرخون في تثبيت نسبها انها زهرة الأنيغون ( شقائق النعمان).
حكاية هذه الوردة ترجع إلى أسطورة كنعانية قديمة تتحدث عن قصة حب حدثت بين (عشتار) آله الحب والحرب والخصوبة وبين (أدونيس) آله الربيع والإخصاب، حيثُ تذكر الأسطورة بأن عشتار كانت تنصح وتحذر أودنيس دائماً بعدم التقرب من الحيوانات التي تمتلك قوى خارقة، ولكنهُ كان لايبالي بتلك التحذيرات، وفي أحد الايام حدث خصام بينه وبين الخنزير فضربه بالرمح، ولكن الخنزير أخرج الرمح من جسدهِ، وتمكن من اللحاق بـ أدونيس وقتله، فعرفت عشتار بتلك الحادثة وجائت إليه مسرعة ولكنها وجدتهُ جثة هامدة، فحزنت حزناً كبيراً وبكت على جثتهِ بكاءً شديداً، فتحول دمعها إلى رحيق، فنبتت من دمه وردة إسمها الأنيغون فأصبحت هذه الوردة ترمز للدم والانبعاث لأن روح أودنيس تحولت فيها.
وتقول الأسطورة كما رواها الكاتب السوري – الروماني: أوفيد: ” ما إن كبر أدونيس حتى تعلقت عشتار به وأنساها رعاية شطآن جزيرتها (القترا) وأصبحت رفيقته تصحبه أنى ذهب، وتركت ما تعودته من استرخاء في ظلال الأشجار والعناية بجمالها وزينتها، وأصبحت تجول في الغابات والجبال مشمرة ثيابها حتى ركبتيها وأخذت تنصح أدونيس باتباع نهجها محذرة إياه من الوحوش مؤملة في أن يصغي النصح لها، وقالت له: “كن جسوراً ولا تأمن الحيوانات التي تتعرض لك. ولا تكن طائشاً حتى لا أغدو تعسة بعدك يا فتاي الحبيب، لا تتعرض للحيوانات التي زودتها الطبيعة بأسلحة حتى لا أدفع غالياً أنا ثمن مجدك الذي تبلغه، فليس لشبابك وجمالك وسحرك الذي يفتن عشتار أثر على الأسود والخنازير البرية المشعثة الشعر، فهي لا تخشى الوحوش ولا ترهبها، ثم إن الخنزير البري كالبرق في انقضاضه بمخالبه، وإن الأسد إذا أثير يتوثب دائماً للهجوم.
وانطلقت عشتار بمركبتها في الأجواء بعد أن حذرت أدونيس غير أن الشجاعة لا تجدي فيها التحذيرات فلقد لمح خنزيراً برياً كانت كلابه قد اقتفت أثره وأثارته من وجاره، وكاد أن يخرج من الغابة، فأنفذ في جنبه رمحه بطعنة قاتلة، وأسرع الحيوان فنزع الرمح الدامي بخطمه الملتوي فدب الذعر في قلب أدونيس وأخذ يبحث عن مأوى غير أن الخنزير الوحشي تعقبه وعض فخذه قريباً من خصيته بنابه فتلوى فوق الأرض محتضراً على التراب وحيداً، وبلغت أنات أدونيس المحتضر عشتار التي لم تكن قد بلغت جزيرة كفتور، فاستدارت واتجهت إليه ولمحته عن بعد مضرجاً بدمائه فاقد الوعي ، فقفزت إليه وشقت ثوبها عند صدرها وشدت شعر رأسها وأخذت تلوم الأقدار وصاحت فيها قائلةً: “لا لن يخضع لك شيء، وسوف يبقى أدونيس ذكرى حزن بالغ للأبد، وسوف يمثل كل عام مشهد موتك يذكر بما كان فيه من نواحي عليك، ولتنبثقن زهرة من دمائك،
وصبت عشتار على دم أدونيس بعد كلماتها هذه رحيق زهرة عطرة جميلة لم يكد يمسه حتى أخذ الدم يغلي ويفور وتصاعدت منه فقاعات صافية ولم تكد تمضي ساعة من الزمن حتى انبثقت من بين الدماء زهرة بلون الدم شبيهة بزهرة الرمان تخفي بذورها تحت لحائها غير أن المتعة التي تمنحها هذه الزهرة قصيرة العمر، لأنها زهرة رقيقة واهنة الساق، تعصف بها الريح التي خلعت عليها اسمها وهي زهرة “شقائق النعمان”.
– ولادة ادونيس:
كانت ميرا معروفة بجمالها الرائع، ترعرعت في منزل والدها الذي بلغ الغرور عنده إلى درجة ليدعي، أمام البعض من زواره، بأن جمال ابنته يتجاوز بهاء عشتروت “أفروديت لدى الإغريق وفينوس من قبل الرومان”، وصل هذا الكلام إلى عشتروت وغلت الغيرة في قلبها، وقررت الانتقام من الملك، ملهمة لميرا بالوقوع في الحب من والدها. عانت ميرا من هذا الغرام وحاولت الانتحار، لكن إحدى خادماتها هيبوليتوسل، استدركت الوضع ووعدت سيدتها، خوفا عليها، بمساعدتها للتقرب من الملك دون أن يدري بانها ابنته، فجاءت فترة أعياد في المملكة، فتحايلت الخادمة على الملك في ظلام الليالي السوداء، لوضع ميرا في فراشه وذلك لعدة ليال، حملت ميرا من والدها الملك، وعندما اكتشف هذا الأخير الحقيقة، سعى رأسا لقتل ابنته.
هربت ميرا واتخذها الخوف والخجل، وتوسلت الآلهة لإنقاذ حياتها والحفاظ على طفلها، بعد معرفتهم بما حصل، وخاصة بدور الإلهة عشتروت، شفق الآلهة لوضع ميرا واستجابوا لطلباتها بتحويلها إلى شجرة، التي عُرِفَتْ باسم شجرة اللبان المر (البلسم)، وفرضوا على عشتروت أن تهتم بالطفل بعد ولادته. وبعد تسعة أشهر، انقسمت الشجرة وخرج منها أدون وارثا جمال والدته،
بعد ولادة أدونيس، وحسب الأسطورة الإغريقية، وصلت أفروديت واقتربت من الطفل، فانبهرت بجماله، فقررت إخفائه عن عيون باقي الآلهة فخبأته في صندوق، وعهدت به إلى بيرسيفوني ملكة الجحيم وطالبتها بأن لا تنظر إلى محتواه. لكن الفضول استولى على الملكة، ففتحت الصندوق ووجدت أدونيس وفوجئت بوسامته. فقررت الاهتمام به ونقلته إلى قصرها حيث ترعرع وأصبح شابا جميلاً وفاتن للغاية فعشقته.
وعندما رجعت أفروديت وطالبت باسترجاع هذا الشاب، رفضت الملكة بالتنازل عنه – فتنازعت الإلهتين – غضبت أفروديت وطلبت من كبير الآلهة زيوس بالتدخل، لكن هذا الأخير، ليتفادى الوراط مع الواحدة أو الأخرى، طلب من الحورية كاليوبي بالحكم عنه، فقضت الحورية بتجزئة السنة إلى ثلاثة فترات، وكان على أدونيس أن ينفق الأشهر الأربعة الأولى مع بيرسيفوني، وأربعة مع أفروديت، أما الثلث الأخير فيفعل ما يشاء، نفذ أدونيس هذا الحكم، لكنه قرر قضاء وقت فراغه مع أفروديت.
حيث كان أدونيس يحب الصيد، فقضى الكثير من الوقت لممارسة هوايته عندما كان بصحبة افروديت، وغالبا ما اعتمدت الإلهة مرافقته خوفا عليه ولحمايته خلال احدى هذه الرحلات في منطقة أفقا، بالقرب من مدينة جبيل (بيبلوس)، خرج أدونيس من دون أفروديت التي كانت متجهة نحو قبرص، ووقع على خنزير بري وأصابه بأحد رماحه من دون أن يقضي عليه، فهجم الخنزير على أدونيس وجرحه جرحا عميقا في قدمه. عانى أدونيس من جراحه، ووصل صوت تنهداته إلى أذن افروديت، فسارعت بالعودة الى جانب عشيقها وحاولت إنقاذه من دون جدوى.
سالت دماء أدونيس على الأرض واندمجت مع دموع الإلهة فانبثقت زهرة حمراء من التراب، سميت من بعدها “بشقائق النعمان”، واستمر اندفاق دمه نحو النهر القريب الذي صُبِغَتْ مياهه باللون الأحمر حتى مصبه في البحر المتوسط عُرِفَ النهر، منذ ذلك الحين، بنهر أدونيس، وجرت التقاليد بإقامة طقوس دينية تذكارية لهذه الحادثة، في كل بداية ربيع، من خلال تنظيم احتفالات كبيرة.
ويمكن أن يكون موت أدونيس مجرد حادث صيد مؤسف، لكن القصص تختلف وتتحدث عن مصادر أخرى التي كانت وراء هذا الفعل ؛ بعضها تقول بأن آريس، إله الحرب واحد عشاق أفروديت، تحول إلى خنزير وهاجم أدونيس غيرةً، ويقول آخرون أنه أبولو، للانتقام من أفروديت بعد أن أعمت ابنه هريمانتوس، تفسير آخر يتصل ببيرسيفوني، بعد أن أدونيس فضًلَ قضاء المزيد من الوقت مع منافستها. أو أفروديت نفسها، متمنيةً تشجيع أدونيس بالتخلي عن هذه الهواية الخطر ومقتنعةً بإمكانية إنقاذه، دون التوصل إلى هذه النهاية المأساوية.
انتشرت قصة أدونيس في جميع أنحاء العالم القديم، وتم تكييفها عند كل حضارة. القصص تختلف ولكنها تتوافق جميعها مع جمالها الأسطوري، لعلاقتها مع إلهة الحب ولأنها تمثل الولادة الجديدة للطبيعة. جرى العديد من الاحتفالات الدينية لذكرى وعبادة أدونيس، كانت “الأدونيسيات” الأكثر شهرة وقد أحيت في جميع المدن الفينيقية، واليونانية، وأيضا عند الرومان والقرطاجيين، نقل العديد من المؤرخين هذه التقاليد عبر الشهادات المتنوعة، سنقوم بتدوين لكم البعض منها، ولا سيما تلك التي وقعت في مدينة جبيل الفينيقية.
اختلفت القصص التي تناولت سبب تسميتها، فتنوعت الأسماء واللون واحد لزهرة واحدة لا يمكن أن تراها بمفردها لذلك أطلق عليها اسم جمعٍ وهو “شقائق النعمان”، تسلب الأخضر من الحقول، وتشد الأبصار عن الدروب، وتنام في موسم الجفاف ويخجل وجه الأرض باحمرارٍ بعد يومٍ نيساني ماطر، فلك أن تناديها كما أطلق عليها بـ زهرة النساء، أو زهرة الرياح، أو زهرة النعمان.
ومع انتصاف فصل الربيع من كل عام تفترش البراري والسهول والأراضي الخالية من المزروعات زهور برية
لا رائحة لها ولكنها تبهر الأنظار بلونها الأحمر الناري الذي يختزن الكثير من المعاني والرموز الأسطورية.
زهرة الحب والدم: زهرة “شقائق النعمان”، الدحنون او الحنون وإسمها الفصيح الشقْار الإكليلي ؛ ولهذة الزهرة قصة من تراث بلاد الشام ووادي الرفدين مرتبطة بعشتار وتموز (دموزي) عند البابلين وأدوني أو أدونيس الكنعاني وعشتار.
وأيضا ارتبطت باسم (النعمان بن المنذر ) أشهر ملوك الحيرة الذي يقال انه استحسن لونها الأحمر ,فأمر بزرعها حول قصره المعروف بالخورنق، كما أمر بحمايتها،
وأيضاً نبت هذا الزهر على قبر النعمان بن منذر عندما داسته الفيلة إذ رفض الخضوع لملك الفرس بتسليم نساء العرب فكانت معركة ذي قار.
كما يتميز هذا الزهر بلونه الأحمر الناري الذي يوحي بروعة واحساس خارقين ويظهر على شكل اضمومات و تجمعات وعلى مسافات واسعه وخاصة في الأرض البور المشبعة بالمطر.
ولهذا الزهر فوائد علاجية كثيرة حيث أشار العشاب الايرلندي كيوغ سنة 1735 م ؛ إلي أن شقائق النعمان ذات طبيعة مبردة ومنعشة عند غلي مابين 5 الى 6 زهرات حيث يخفف الألم ويحثعلى النوم، كما يمكن وضع الأوراق الخضراء المرضوضة على القروح و الحميات الجلدية الحارقة .
وقد نشرت عشبة شقائق النعمان في دستور الأدوية البريطانية لعام 1949 م، كما ارتبطت تلك الزهور بالجمال والغزل والشوق، وعُرفت علميًا باسم “الشقّار الإكليلي”، وتعني الشوق والانتظار، ويعتبر لونها الأحمر القاني هو الأشهر والأجمل .
خلدت زهور “شقائق النعمان” اسم النعمان بن المنذر ؛ كما خلدت ادونيس على مر الزمان في كل مكان ليذكر اسمها تعبيرًا عن الحب والشوق والجمال الأسطوري ولطالما ارتبط الشعر بالزهر والتعبير عن الانتماء والتضحية واقتبس من الشاعر محمود درويش لحبيبته كلمات قال فيها: “كنت سأشتري لك الورد هذا الصباح لكن الرفاق كانوا جياعاٌ فاشتريت لهم خبزاً وكتبت لك قصيدة حب”.