أحمد بن طولون وعمرو بن العاص والغورى..مساجد لها تاريخ

كتب : محمد عصام طه
احتضنت مصر علي مر العصور أزهى و أجمل الفنون المعمارية حيث كان شغف المصريين بالايمان بالله منذ الفراعنة فأظهروه بفنون العمارة التى ليس لها مثيل فأبهروا العالم بأجمل المعابد و دور العبادات المصرية القديمة و كذلك الكنائس التى ازدهرت بعد رحلة السيد المسيح و صممت بروح و طابع مصرى عظيم.
و عند دخول الاسلام مصر و ازدهار الفنون الاسلامية احتضنت مصر ذلك النوع من الفن و زودته بطابع مصرى مميز مليئ بروحانيات تعجب لها العالم و لذلك إليك دليلنا لمساجد غلبت فن العمارة:
مسجد أحمد بن طولون
فوق صخرة صغيرة موجودة بجبل يشكر بمنطقة قلعة الكبش بُنى أكبر مساجد مصر التاريخية بالقاهرة، والذى أمر ببنائه أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية عام “263 هـ / 877 م”، نتحدث هنا عن مسجد ابن طولون. وسط حى السيدة زينب تم تشييد مسجد ابن طولون ليصبح ثالث مسجد وجامع بنى فى عاصمة مصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص فى الفسطاط، وجامع العسكر فى مدينة العسكر، على مساحة 6 ونصف فدان تقريبًا، ليعبر عن رمز استقلال الدولة العباسية، حيث كان معهودًا آنذاك أن المسجد الجامع هو مركز العواصم الإسلامية، ولهذا أمر احمد بن طولون بتشيد المسجد الضخم “263 هـ ــ 877م” وانتهى فى “265 هـ ـ 879م”، ووصلت تكلفته لـ 120 ألف دينار.
استعان أحمد بن طولون بالمهندس سعيد بن كاتب الفرغانى، وهو مهندس قبطى ماهر فى العمارة، تولى عمارة مقياس النيل فى جزيرة الروضة سنة 864 م بعد أن أمر بعمارته الخليفة العباسى المتوكل، وفى عصر أحمد بن طولون عهد إليه ببناء أهم منشآته، فبنى له أولاً قناطر بن طولون وبئر عند بركة حبش لتوصيل الماء إلى مدينة القطائع.
وكما جاء فى مسجد السيرة الطولونية “أراد أحمد بن طولون بناء المسجد فقدر له 300 عمود فقيل له ما تجدها أو تنفذ إلى الكنائس فى الأرياف والضياع الخراب فتحمل ذلك، فأنكره ولم يختره وتعذب قلبه بالفكر فى أمره، وبلغ النصرانى وهو فى المطبق الخبر، فكتب إليه: أنا أبنيه لك كما تحب وتختار بلا عمد إلا عمودى القبلة فأحضره وقد طال شعره حتى تدلى على وجهه، فبناه وحسن البناء فى عينى أحمد بن طولون”.
المسجد أحد التحف المعمارية المتميزة تبلغ مساحته 6 ونصف فدان، وطوله 138 متراً، وعرضه 118 متراً تقريباً، وهو من المساجد المعلقة، أى يصعد إلى أبوابه بدرجات دائرية الشكل، ويتوسط المسجد صحن مربع، أما شبابيك المسجد فتحيط به من جهاته الأربع وعددها 128، وفى وسط الصحن قبة كبيرة ترتكز على 4 عقود، وعدد مداخل المسجد 19 مدخلاً، إلا أن المدخل الرئيسى حاليًّا هو المدخل المجاور لمتحف جاير أندرسون، كما تتمتع مئذنة الجامع بالطراز المعمارى الفريد والتى لا يوجد مثلها فى مآذن القاهرة، ويبلغ ارتفاع المئذنة عن سطح الأرض 40 م.
وفى عهد محمد بك أبى الذهب أحد المماليك وأحد معاونى على بك الكبير، أنشأ مصنعًا بالمسجد لعمل الأحرمه الصوفية، فى عام 1263 هـ / 1847م، حول كلوت بك المسجد إلى ملجأ للعجزة، وظل كذلك حتى سنة 1882 حين أدركت لجنة حفظ الآثار العربية المسجد فوجهت إليه عنايتها وقامت خلال الفترة من 1890 وحتى 1918 بإزالة الأبنية المستحدثة التى كانت بداخل الإيوانات، وهدمت بعض الدور التى كانت تحجب الوجهة الشرقية للمسجد، وأزالت الأتربة والأنقاض، وأصلحت القبة التى فوق المحراب والمنارة الكبيرة والمنارة البحرية الشرقية والمنبر والشبابيك الجصية وجزء من السقف، وحافظت على الزخارف الجصية.
وفى عهد الملك فؤاد الأول سنة 1918 أمر بإقامة الشعائر الدينية بالمسجد فصلى فيه فريضة الجمعة وأمر بتخلية جوانبه وتتميم إصلاحه، وفى عهد الملك فاروق الأول أُصلح كثير من الشبابيك الجصية، و فى عام 2005 قامت وزارة الثقافة بترميم زخارفه وافتتاحه كواحد من بين 38 مسجدًا تم ترميمها ضمن مشروع القاهرة التاريخى.
مسجد عمرو بن العاص
جامع عمرو بن العاص -رضي الله عنه- فى مدينة القاهرة فى مصر على الجهة الشرقية من نهر النيل، ويعتبر هذا الجامع من أول الجوامع التي أنشئت فى القارة الأفريقية ومصر على وجه التحديد. أقيم هذا الجامع في مدينة الفسطاط والتي استطاع المسلمون تأسيسها بعد أن منّ الله تعالى عليهم بفتح مصر، وقد سُمّي هذا المسجد أيضاً باسم مسجد الفتح، وتاج الجوامع، والمسجد العتيق. عندما شُيِّد هذا المسجد كان عبارة عن خمسين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً، وقد أنشئت له ستة أبواب، وقد بقي كذلك حتّى عام ثلاثة وخمسين من الهجرة؛ حيث بدأت التوسيعات تتوالى على هذا المسجد، فقام مسلمة بن مخلد الأنصاري بإجراء توسعة له وبنى فيه أربعة مآذن، ثمّ توالت التحسينات والتطويرات من كلّ
من حكموا الأراضي المصرية، إلى أن صارت مساحته تُقدّر بأربعٍ وعشرين ألف ذراع معماري، وهو اليوم عبارة عن مئة وعشرين متراً فى مئة وعشرة أمتار. بعد أن بدأت الحملات الفرنجية بالتوافد على الشرق، وتحديداً فى عام خمسمئة وأربعة وستين من الهجرة، خاف شاور الوزير من دخول الفرنجة على الفسطاط واحتلالها، فبدأ بإشعال النيران، وقد كان عاجزاً تماماً عن أن يدافع عنها، إلى أن احترقت الفسطاط بشكل تام وكامل، وقد تعرّض مسجد عمرو بن العاص للخراب والدمار، وعندما أحكم صلاح الدين الأيوبي من سيطرته على مصر قام بإجراء إصلاحات لهذا المسجد وإعادة إعماره من جديد، وقد كان ذلك فى عام وستين من الهجرة، حيث أعيد بناء الجامع، ومحرابه الكبير، وتمت كسوته بالرخام، وزين بالنقوشات الجميلة.
على امتداد التاريخ اعتلى منبر هذا المسجد العديد من الخطباء المميّزين، والعلماء الربانيين، الذين أفنوا حياتهم فى خدمة دين الله –عز وجل-، إلى درجة صاروا فيها نجوماً يُقتدى بهم، ولعلَّ أبرز هؤلاء الإمام الشافعي، والليث بن سعد، والعز بن عبد السلام، وابن هشام، ومحمد الغزالي، وعبد الصبور شاهين، وغيرهم الكثيرون. يُذكر أنّ عمرو بن العاص الّذي حمل هذا الجامع اسمه هو واحد من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم-، وهو ابن العاص بن وائل سيّد بني سهم من قريش، وقد تولّى إمارة بعض السرايا فى حياة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، كما كان له دور فى فترة خلافة الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وتحديداً فى حروب الردة، وقد ساهم بعد ذلك في الفتوحات الإسلامية فى عهد عمر بن الخطاب، وكان له دور بارز جداً فيما بعد فى فترة ولاية الإمام علي بن أبي طالب.
خمسمئة وثمانية وأنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، وتعد كل مدرسة مسجداً صغيراً، وكل منها مخصصة لتدريس مذهب من المذاهب الإسلامية الأربعة “الشافعى، المالكى، الحنبلى، والحنفى”، أكبر هذه المدارس الحنفية، وخصص لكل مذهب شيخاً ومائة طالب، فى كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون، وثلاثة معيدون، وحدد لكل منهم راتباً حسب وظيفته، وعين مدرساً لتفسير القرآن، ومعه ثلاثين طالباً، كما عين مدرسا للحديث النبوي، وخصص له راتبا 300 درهم.
ولضمان انتظام العمل بالمدرسة عين السلطان حسن اثنين لمراقبة الحضور والغياب، أحدهما بالليل والآخر بالنهار، وأعد مكتبة وعين لها أميناً، وألحق بالمدرسة مكتبين لتعليم الأيتام القرآن والخط، وقرر لهم الكسوة والطعام، فكان إذا أتم اليتيم القرآن حفظاً يعطى 50 درهماً، ويمنح مؤدبه مثلها ومكافأة له.
أما باب المسجد فهو ليس بابه الأصلى، حيث كان مغطى بالمعدن والنحاس، وسرقه السلطان المؤيد شيخ ووضعه على باب مسجده فى منطقة باب زويلة وما زال موجودا حتى الآن يحمل اسم السلطان حسن، وكان من المقرر إنشاء أربعة مآذن للمسجد، اثنان حول القبة الشرقية، والثالثة على يمين المدخل الرئيسى بالواجهة الشمالية، وبعد بناء المئذن الثالثة سقطت وعصفت بأرواح الكثيرين، قيل إنها قتلت حوالى 300 طفل، لم ينج منهم سوى 6 فقط.
ومن الوهلة الأولى عند النظر إلى مسجد السلطان حسن من بعيد تخطف أنظار الجميع مئذنته، التى تعلو إلى عنان السماء لتقطع حوالى 81 مترا فوق المسجد، كأطول المآذن في مصر، الأمر الذى يعطى المسجد طابعاً خاصاً بين الآثار الإسلامية فى مصر، ويتوافد عليه السائحون من جميع أنحاء العام فتبهرهم الدقة فى الإبداع المعمارى فى ذلك العصر.
استمر العمل فى بناء المسجد حتى مقتل السلطان على أيدى بعض أمراء المماليك، عندما كان فى رحلة صيد سنة 762 هـ (1360 م)، وألقوا جثته فى النيل، ولم يعرف له قبر، بينما ينسب للمقريزى قوله، إن السلطان حسن دفن فى مصطبة بداره بقلعة الكبش بحى السيدة زينب، وهناك من يقول إنه دفن فى كيمان الفسطاط ـ أكوام مدينة الفسطاط التى تم حرقها فى أواخر العصر الفاطمى ـ أياً كان مكان دفنه فإن قبة السلطان حسن فى مسجده الآن خالية من جثته.
وبعد اغتياله أكمل بناء المسجد تلميذه الأمير بشير الجمدار لينتهى بعد أربع سنوات، ومازال المسجد علماً أثرياً يجسد عظمة فن العمارة فى ذلك العصر، ولا تزال صورته مطبوعة على العملة المصرية فئة المائة جنيه، كنوع من الترويج السياحى للمعالم الأثرية المصرية، ومع ذلك لا يزال صاحب ذلك الأثر الإسلامى الأضخم فى العمارة بالعصر المملوكى فى مصر.
مسجد السلطان الغوري
يقع مسجد السلطان الغوري عند تلاقي شارع المعز لدين الله في شارع الأزهر بالقاهرة القديمة، وقد ولد السلطان الأشراف أبو النصر قنصوه الغوري الشركسي سنة 1446 ميلادية، وانشأ مسجد ومدرسة السلطان الغوري وقبته سنة “1503- 1504 ميلادية.
إلى جانب مدخل القبة يقوم سبيل يعلوه كتاب، ومقعد وسيبل ومدرسة وإلى جوارها ثلاثة منازل تجتمع كلها في وجهة واحدة متصلة تشرف على شارع الأزهر، أنشأ هذه المجموعة من المباني قنصوه الغوري في الفترة من 1503 إلى 1504 ميلادية.
كان من أهم صفات الغوري شغفه بالعمارة وحبه لها فأنشأ الكثير من المباني الدينية والخيرية ولم يكن اهتمامه بالعمارة قاصرا على المنشآت التي أقامها بل تعداها إلى ترميم وإصلاح وتجديد كثير من الآثار التي شيدها أسلافه.
تولى عام 1501ميلادية حكم مصر واستمر حكمه لها إلى سنة 1516ميلادية، حيث قتل في شهر رجب من هذا العام في معركة مرج طابق مع السلطان سليم العثماني.
لمسجد الغوري ثلاث واجهات أهمها الوجهة الشرقية التي تشرف على شارع المعز لدين الله وبوسطها المدخل الرئيس بأسفلها دكاكين وفتح بها ثلاثة صفوف من الشبابيك يعلوها طراز مكتوب به بالخط المملوكي آية قرآنية ثم اسم الغوري وألقابه وأدعية له، وتتوجها شرفات حليت أوجهها بزخارف محفورة في الحجر، وصدر المدخل محلى بتلبيس من الرخام الأبيض والأسود وتغطيه طاقية من المقر نص الجميل وكسي مصراعا بابه بالنحاس المزخرف. وبطرف هذه الوجهة من الجهة القبلية تقوم منارة ضخمة مربعة القطاع لها دورتان تتكون من مقرنصات منوعة وتنتهي من أعلى بحطة مربعة تعلوها خمسة رءوس.
يؤدى الباب الرئيس الذي يتوصل إليه ببضع درجات إلى دركا مربعة أرضيتها من الرخام الملون الدقيق وسقفها من الخشب المنقوش بزخارف مذهبة ومن هذه الدرك يسير الإنسان في طرقة تؤدى إلى الصحن.
شيد هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد فهو يتكون من صحن يحيط به أربعة إيوانان اثنان منها كبيران وهما إيوان القبلة والإيوان المقابل له، وأما الآخران وهما الجانبيان فصغيران، ويحيط بجدرانها وزرة من الرخام الملون تنتهي من أعلى بطراز رخامي مكتوب به بالخط الكوفي المزهر آيات قرآنية وفوق عقود الإيوانان الأربعة طراز مكتوب بالخط المملوكي آيات قرآنية يعلوه إزار من المقرنصات الجميلة. ويتوسط صدر إيوان القبلة محراب من الرخام الملون وبجواره منبر خشبي دقيق الصنع.
أرض المسجد مفروشة بالرخام الملون بتقاسيم بديعة وأسقفه مقسمة إلى مربعات منقوشة ومذهبة.
بينما تتميز قبة المسجد بزخارفه ومقرنصاته وتلبيسه الرخامية المماثلة لمدخل المسجد، وأقيم سقفها من الخشب، وأرضيتها من الرخام الملون ويحيط بجدرانها الأربعة وزرة رخامية يتوسط الشرقي منها محراب مماثل لمحراب المسجد.
وعلى يسار المدخل باب آخر يؤدى إلى قاعة فسيحة بها محراب من الرخام الملون وهى بمثابة مصلى ولها سقف حديث من الخشب المنقوش بزخارف جميلة ملونة ومذهبة.
مسجد الرفاعي
لم يخطر على بال أحد أن تتحول تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بمواجهة مسجد السلطان حسن، فى منطقة القلعة بمصر القديمة، إلى واحد من أهم المساجد الكبرى والتحف المعمارية، والتى شيدت على الطراز المملوكى الذى كان سائداً فى القرنين الـ 19 والـ20، قبل أن يتحول إلى مقبرة للملوك والأمراء بدلاً من صاحبه الذى دفن فى العراق.
ولد أحمد الرفاعى فى العراق سنة 512 هـ يتيماً، وكفله خاله منصور البطائحى، وينسب إلى جده السابع “رفاعة”، الذى هاجر إلى المغرب هرباً من اضطهاد العباسيين للعلويين، وسافر حفيده يحيى إلى الحجاز لأداء الحج وأقام فى مكة مدة قصيرة ثم ارتحل إلى البصرة واستقر بها وأنجب ولديه الحسن الرفاعى وأحمد الرفاعى، درس أحمد العلوم الدينية وحفظ القرآن فى سن صغيرة، وولاه خاله خلافة طريقته قبل وفاته، وترك الشيخ الكثير من الأوردة والكتب فى مختلف العلوم الدينية، وتوفى بقرية أم عبيدة بالعراق ودفن فى ضريحه هناك سنة 572 هـ أو 578 هـ.
شيد مسجد الرفاعى على أرض مسجد آخر كان يسمى “الذخيرة” بنى فى العصر الأيوبى، فى مقابل شبابيك مدرسة السلطان حسن، وكانت بجواره زاوية عرفت بـ”الزاوية البيضاء أو زاوية الرفاعى”، وضمت قبور عدد من المشايخ، من بينهم على أبو شباك ويحيى الأنصارى وحسن الشيخونى، وعرف بهذا الاسم نسبة للشيخ أحمد الرفاعى شيخ الطريقة الرفاعية الصوفية، وعلى الرغم من أنه لم يدفن بالمسجد إلا أن تلك التسمية لازمته عبر التاريخ، بل وتحول إلى مقبرة للعديد من بناء أسرة محمد على، حيث يوجد بداخله قبر الملك فاروق الأول، والخديوى إسماعيل ووالدته، بالإضافة إلى شاه إيران رضا بهلوى، والذى كان متزوجاً من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، وطلقت منه فى منتصف الأربعينيات، وعقب اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 ونفيه لم يجد من يسقبله إلا السادات الذى أمر بدفنه بالمسجد.
أما عن أبرز اللقطات التى تثير دهشة المواطنين فهى مشهد الصلبان التى تزين واجهة المسجد وأسفلها النقوش القرانية، فى مشهد يؤكد روح التسامح الدينى السائدة فى ذلك العصر، ويرجعها البعض إلى أن مهندساً نمساوياً يدعى “ماكس هرتز” باشا ومساعده الإيطالى “كارلو فيرجيليو سيلفاينى”، واللذين أشرفا على أعمال البناء، أرادا تصميمه على الطراز المملوكى الأوروبى الممزوج بالتسامح الدينى، فوضعا الصلبان وأسفلها الآيات القرآنية فى لوحة فنية تخطف أعين الناظرين على مر العصور.
مشهد آخر يؤكد التسامح الدينى فى ذلك العصر، وهو وجود ضريح جنانيار هانم، شقيقة فيردناند ديلسبس مهندس قناة السويس، والتى تزوجها الخديوى إسماعيل، والذى يعلوه صليب وتحته آيات قرانية، ولم يحدد المؤرخون إن كانت جنانيار قد أسلمت قبل وفاتها أم لا، وتم دفنها بجوار أضرحة المسلمين متمثلين فى العائلة الملكية بالناحية الأخرى من المسجد.
الحاكم بأمر الله
جامع “الحاكم بأمر الله” يعد ثانى أكبر مساجد القاهرة بعد مسجد أحمد بن طولون، ويعتبر الجامع جوهرة شارع المعز وبالأخص فى المساء من روعة الإضاءة التى يتزين بها
بني عام 380هـ في عهد العزيز بالله الفاطمي الذي بدأ في سنة 379هـ (989م) في بناء مسجد آخر خارج الباب الفتوح ولكنه توفى قبل اتمامه فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله 403هـ (1012-1013م) لذا نسب إليه وصار يعرف بجامع الحاكم.
ولعل “الحاكم بأمر الله” من أكثر الحكام الذين شهد عهدهم عديد من الحكايات التى اثارت الجدل فى حياته وبعد مقتله الذى شكل لغزا حتى الأن فهو من أمر بمنع “الملوخية” من دخول مصر، وكذلك عدم بيع السمك بغير قشره وغيرها من الغرائب التى كان عهده حافلا بها.
ولد في مصر وخلف والده في الحكم العزيز بالله الفاطمي وعمره 11 سنة, وتكنى بأبى على وهي كنية أخذها بعد ميلاد ابنه علي الذي تلقب بالظاهر لإعزاز دين الله حينما تولى الخلافة بعد اختفاء أبيه, ويعتبر البعض أن الحاكم كان آخر الخلفاء الفاطميين الأقوياء.
أهمل المسجد لفترات طويلة حتى تحولت أروقته إلى مخازن لتجار الآخرين المحيطين بالمنطقة، إذ أنها منطقة تجارية، حتى عصر الرئيس أنور السادات والذي طلبت طائفة الشيعة البهرة الذي بدؤوا في الهجرة إلى مصر، الإذن بتجديده بالجهود الذاتية – ذلك أنه مكان مقدس بالنسبة لهم كما أن الحاكم بأمر الله نفسه شخصية مقدسة وتم ذلك، ودعي السادات إلى افتتاح المسجد وكان هناك تخوف من أن يكون ذلك محاولة لأغتياله، إلا أنه لم يحدث شيء، ومنذ ذلك الحين يقوم الشيعة البهرة الذين هاجروا إلى مصر واستقروا بها كتجار وخصوصاً في منطقة القاهرة العتيقة والجمالية وما حولها برعاية الجامع وهو مفتوح لجميع الطوائف بالصلاة بها. كما وان الكثيرين مِن الموحدين الدروز مِن البلدان العربية المجاورة يزورون الجامع أثناء تواجدهم في مصر للتبرُّك والصلاة .
أثيرت انتقادات شديدة حول الكيفية التي تم بها ترميم الجامع و أنه الترميم تسبب في تغيير معالمه الأثرية،
وأصبح مبنى جديدًا بعد أن تم اهدار قيمته الأثرية التي تعود لألف عام ولم يتبق منه غير المأذنتين رغم تلك الانتقادات مازال يحتوى المسجد على روحانيات و جمال العصر الفاطمى.