ميسون غزلان تكتب: رسالة عشق في زمن العولمة والتكنولوجيا

أنا لا أكتب عن الحب، أنا أكتب عنك فقط والحب يحشر نفسه بينك وبين حروفي وانتهى الحلم القديم، وما انتهى شوقي إليك سنَظلُ نَحْتَرِفُ صُنعَ الأمَلِ مهْمَا أصَابنا ألمْ ﺳﺎﻟﺖ ﺯﻣﺎﻧﻲ : ﻫﻞ هذا ﻣﻜﺎني؟
ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﻠﻬﺎ أﻗﺪﺍﺭ ﻭﻟﻜﻦ ﻋﻠﻴﻚ أﻥ ﺗﺤﺴﻦ ﺍلإﺧﺘﻴﺎﺭ، فإن ﻟﻢ ﺗﻀﺊ ﻟﻚ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻓﺎﺳﺘﻌﻦ ﺑﻀﻮﺀ ﺍﻟﻘﻤﺮ، ويحمل وردته بين يديه ويتمتم “ﻳﺤﺒﻨﻲ ﻻ ﻳﺤﺒﻨﻲ ﻳﺤﺒﻨﻲ ﻻ ﻳﺤﺒﻨﻲ” ؛ أﻳﻬﺎ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﺍﺗﺮﻙ ﺍﻟﻮﺭﺩﺓ ﻭﺷﺎﻧﻬﺎ، ﻭﻻ ﺗﻨﺰﻉ ﺍلأﻭﺭﺍﻕ ﺑﺎﺣﺜﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﺑﻘﻠﺒﻚ، ﻓﻤﻦ ﻳﺤﺒﻚ ﻻ ﻳﺤﺘﺎﺝ إﻟﻰ ﻣﺠﺰﺭﺓ ﺗﻨﻬﻲ ﺑﻬﺎ أﻭﺭﺍﻕ ﻭﺭﺩة، ﻳَــﺰﺭﻋﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﺑﺪﺍﺧﻠﻨﺎ ﻭﺑﻌﺪﻫﺎ ﻳُﻤﺰﻗﻮﻥ ﺃﺟﺴﺎﺩﻧﺎ ﻭﻫﻢ ﻳَﺨﺮﺟﻮﻥ.
كل ﻣﻨﺎ ﺣﻜﺎﻳﺔ ﻗﺪ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺎﺕ ﻭﻟﻜﻦ ﺑﻴﻦ ﺣﺎﻟﺘﻴﻦ ﺗﺘﻮﺣﺪ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ، ﻓإﻣﺎ ﺑﺠﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﺗﺄﺗﻲ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﺍﻭ ﺑﻀﻴﺎﻉ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﺍﻟﺠﺮﺡ ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻷﻗﺪﺍﺭ، ﺷﺎﺀﺕ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ إﻣﺎ ﺍﻟﻔﺮﺍﻕ ﻭ إﻣﺎ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ؛ ﻓﻌـﺶ ﻣﻊ ﻣﻦ ﺃﺣﺒﺒﺖ ﻓﻬﻞ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﺳﻴﺄﺗﻲ ﻏﺪﺍً ﻭﻫﻮ ﻣﻌﻚ ﺃﻡ ﺳﻴﺮﺣﻞ ﻭﺗﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻜﺎﻳﺔ.
ﻳﻜﺎﺩ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻻ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺍﺑﺪﺍً ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺍﻃﻴﻘﻪُ أﺻﺒﺤﺖ ﺃﻟﺠﺄ ﻟﺮﻭﺣﻚ، أﺳﺘﺤﻀﺮﻫﺎ ﺃﻣﺎﻣﻲ، ﺑﺄﺭﻗﻰ ﺍﻟﻄﻘﻮﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺮﻓﺘﻬﺎ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻷﺭﺳﻤﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺭﺍﻗﻲ ﺍﻟﻔﺎﺧﺮﺓ، ﻷﺳﺘﻤﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺩﻑﺀاً ﻻ ﻳُﻘﺎﻭﻡ، ﺃﺷﺘﺎﻗﻚ جدآ ﻳﺎ ﺃﻧﺖِ فما بين الصمت والكلام تولد فلسفة المحبين الحيارى المتروكين في فرط الاشتياق ولا دواء ولا اجابة ولا دليل يقود الى اخر الطريق.
فيحدث ان تستمر في الحب وحدك،ويرحلون كالبحر حين تكون على شاطئه يقذفك بأمواجه بكرم فائق يستدرجك بلونه وصفائه وروعته، لكن حين تلقي بنفسك بين أحضانه لتبحث عن درره إن لم تكن غواصاً ماهراً يغدر بك ويقذفك في أعماقه ثم يقذف بك وأنت فاقد لإحساسك، مولاي أنت وجه كتابتي المتعب، وعالمي إذا ما فكرت أن أهرب.
أنت بسمتي وتجاعيدي لو أغضب ، أنت أنا بل وأقرب ، ويقول مولاتي سَـآَبـقَـىْ گـمَـا آنــا ، خــرافي الــشـخصـيـةْ ، سـأبــقي عـراب آلــكـبـريــآء سـأبـقي بِــدونِ قـيــوْد ، بــدونِ حــدود ، وشـمـوخي لا مثيـل لـه فـي الـوجـود مع إجتياح الحب لمشاعرنا ، وغزو العشق لعالمنا نعتب على من نحب ونحاسبهم ظنا منا أننا وصلنا إلى نقطة نصبح فيها وبعدها شخصا واحداً نعتب عندما يساء فهمنا.
نغضب ونصب كامل غصبنا على ذاك الإنسان الذي أحببناه لأننا نعلم في قرارة أنفسنا أنه الوحيد القادر على فهمنا في تلك اللحظة.
وتحضرني ابيات لشاعر متيم يقول فيها :
أحبكِ يا ليلى محبَّة عاشقٍ ** عليه جميع المصعباتِ تهونُ
أحبكِ حباً لو تحبين مثلَهُ ** أصابكِ من وجدٍ عليَّ جنونُ
لا فارحمي صبّاً كئيباً معذباً ** حريق الحشا مضنى الفؤاد حزينُ
قتيلٌ من الأشواقِ أمَّا نهارهُ ** فباكٍ وأمَّا ليلهُ فأنينُ
وأقول لك مولاي المحبّة من أسمى وأرقى المشاعر، التي وجدت على سطح الأرض، فالقلب حين يدقّ لشخص ما تشعر ببريق يجمّل حياتك، فتنتظر كلّ صباح بلهفة وشوق لترى عيني من تحب، فالحبّ موجودٌ بين جميع الكائنات، ولا ينحصر مفهومه بالإنسان فقط، فالحبّ عالمٌ كبير جميلُ رقيق، يضفي علينا بالفرحة ِوالسعادة، فهو غذاءٌ لأرواحنا العطشة، ونداءٌ داخليٌ من قلوبنا الدافئة، فكيف تكون الحياة من غير قلب يدق لأجل شخصٍ ما؟ إنّ مشاعر الحبّ طاهرةٌ نقية مثل قطراتِ من الندى وهي تلامسُ أورق الشجرِ صباحاً، فتعطيها الحياة والانتعاش والفرح ولولا الحبّ لما كان للحياة طعمٌ ولا لون، فالحبّ هو الماء، هو الحياة،
واقتبس من شاعر الحب الكبير نزار قباني إذ يقول: “حينَ تنتهي كلُّ لُغَاتِ العشق القديمَه فلا يبقى للعُشَّاقِ شيءٌ يقولونَهُ، أو يفعلونَهْ، عندئذ ستبدأ مُهِمَّتي في تغيير حجارة هذا العالمْ وفي تغيير هَنْدَسَتِهْ شجرةً بعد شَجَرَة وكوكباً بعد كوكبْ وقصيدةً بعد قصيدَة فإن أتيت لي بعد فُرقة متأكدة أنى سأجدد لكِ البيعة”.
مولاي العاشق انتبه وانتبه وانتبه فاليوم ؛ للحب أوجه عدة، تتبدل مع تبدل الزمان والمكان، من عصور القصائد والأساطير، للرسائل المحملة بالأشواق، والاتصالات الهاتفية على هاتف المنزل وحتى عصر الهاتف المحمول ، وصولا لعصر الإنترنت وغرف الدردشة، وحتى ثورة السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، التى فرضت على الحب قواعد جديدة، ورسمت له أسطر مختلفة لم تكن محسوبة من قبل اختلفت قواعد الحب، ومعها اختلفت لغات التعبير عنه، وخرجت مصطلحات جديدة لتستبدل كلمات عشنا معها من الحبيب للعاشق الولهان، وحتى “متصاحبين” ليصبح لدينا الآن “الكراش، والستوكر، والفريندزون”، والتى يعبر كل منها عن حالة حب وارتباط، لها طبيعتها الخاصة.
القلوبُ لها مدّ وجزر، لكن لا ساحل لها، ولو رجعنا قليلاً إلى الوراء لرأينا أنّ حالات الحبّ والغرام قليلاً ما تتجاوز القبيلة أو المدينة.. بل قلّما نجدُ حبيبين التقيا فتحابّا من عواصم مُختلفة ودول متنائية. وذلك لبُعد الشُّقة بينهما وعدم توفّر وسائل النّقل وانعدام وسائل الاتصال.. حينها -رغم قرب المتحابّين- كان للّقيا معنى عميقاً، وللحديث قيمة مُثلى، وللصّورة الموشومة في الذّاكرة اشتياقاً جارفاً.
أما عند الافتراق، فقد كان الكلّ رسّاما بارعاً يقضي مُعظم ليله في الحرص الشديد على صقل ملامح وجه المحبوب بريشة الفؤاد على الفؤاد، وردّ رجع صدى الصوت في أذنه كأنّها أنغامٌ تَعزف على المسامع لحنَ الوجود والحلول… وكانوا يؤمنونَ مثلنا بأنّ الحبّ لا أرض تقيّده و لا سماء تحدّه، فحيثما انبلج الضياء على وجه البسيطة شعّ معه الحبّ وانبثق.
مسخت العولمة هذا المصطلح الدّيني النبيل، وحصرته في كلّ ما هو مادي فـانٍ، بعيداً عن الوجدان. وتمّ تحويره، وتفريغه من الجانب الرّوحي ليتوغّل في صنم الجسد المُتهالك.
لقد خطفتنا التّكنولوجيا من واقعنا وأسرنا، بل من أنفسنا كذلك، واخترقت العقول كما اخترقت الحدود. يُعتبرُ الحُبُّ في واقعنا بمثابة النافذة التي تطل على العالم، والآلة التي استطاعت أن تجمع العقول المتنافرة على كلمة سواء، رغم اختلاف العقائد والأيديولوجيات والإثنيات واللّغات.. فهو إقليدُ الحدود المرتسمة على القارات، والسّفينة التي تطفو بالإنسان برفق إلى مرافئ السلام وبرّ الأمان.
إنّ هذا الشّعور الإنسانيّ العميق من مقدوره أن يلملم شعث الإنسانية التي ظلّت تتطاحن فيما بينهما طيلة هذه العصور، بل استطاع أن يكون رمزاً للسلام وعصبةً أمميةً متحدة
الإدمان على الويب جعلنا أشبه بالتماثيل أو الروبوتات، نتصرف طبقا لما تشبعت به عقولنا من محتوى نراه على الإنترنت، بل صرنا نبني آراءنا حول قضايا معينة معتمدين فقط على ما يصادف طريقنا من أخبار مشكك في صحتها، ونتجرأ أحيانا على تصديق بعضها رغم معرفة احتمال لحاق الزيف بها. ولعل أهم الآثار السلبية التي تنعكس على مجال العلاقات الاجتماعية بسبب هذا الهوس الكبير بالسوشيال ميديا، هو تغير طريقة رؤيتنا وإدراكنا للحب، فهي تغدو سطحية مع توالي الأيام.
نمضي الليالي بين الحزن على فقد ذلك العزيز وبين التفكير في الخطط الوردية التي نسجناها في عقولنا لما كنا ذات يوما معاً. كيف لكل تلك الأحاسيس الصادقة أن تذهب أدراج الرياح، أحاسيس كانت تلف قلوبنا وتحميها، فلما تمزقت، إذا بأفئدتنا عارية تئن من صقيع الفراق، تبدأ بالتجمد شيئا فشيئا، لتصبح من فرط الألم قاسية صلبة، ونصبح نحن حذرين، كي لا نعيد ارتكاب خطأ الوقوع في الحب مرة أخرى.