[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

مسجد العارف بالله في سوهاج.. شاهد حي على العمارة الإسلامية النابضة بالروحانية|

على أرض صعيد مصر الخصبة، تتشابك خيوط التاريخ مع عبق التراث، فيقف مسجد «العارف بالله» في مدينة سوهاج كشاهدٍ حي على عصورٍ مضت، يروي حكايات الإبداع المعماري الإسلامي، وينبض بالروحانية العميقة.

ويعود تاريخ مسجد العارف بالله هذا الصرح الأثري إلى القرن الثامن الهجري، حيث يعد أحد أبرز المساجد التاريخية في المحافظة، حاملاً في طياته ذكريات أمجاد الماضي وتجديدات الحاضر.

 

سيرة تاريخية لتحفة معمارية
بدأت قصة المسجد في زمنٍ غابر، ثم أعيد بناؤه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1968، لتعكس أركانه مزيجًا فريدًا بين الأصالة والتجديد، وفي عام 1993، شهد المسجد ترميماً شاملاً، تبعه في عام 2021 تجميل قبته ومئذنتيه، ليظل محتفظاً ببهائه المتفرد.

لكن التحول الأكبر جاء في عهد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن برنامج التنمية المحلية بصعيد مصر (2020- 2021)؛ حيث جرى تطوير المسجد داخلياً وخارجياً بتكلفة بلغت 6 ملايين جنيه.

أحمد الشطوري، رئيس حي غرب سوهاج، قال إن الساحة المحيطة بالمسجد أعيد تصميمها على غرار ميدان سيدنا الحسين في القاهرة، لتشمل ثلاث مناطق رئيسية هي مشى الزائرين، ومنطقة انتظار السيارات، ومساحة أمام المقاهي والمطاعم.

ولإضفاء لمسة فنية مبهرة، أنشئ مجسم ضخم لمصحف يرتفع 5 أمتار وسط الميدان، ليضفي طابعاً روحانياً مميزاً على المسجد الأثري بتاريخه.

 

ضريح العارف بالله وأسرار المكان
ويمتد مسجد العارف بالله في سوهاج على مساحة 7 آلاف متر مربع، ويزينه مئذنتان شامختان تطلان على المدينة، وفي جناح ملحق به يرقد في ضريحه العارف بالله إسماعيل بن علي اليماني الملقب بـ«حسين أبو طاقية» والمعروف أيضا بـ«فحل الرجال».

وُلد هذا الشيخ الصوفي في قرية دندرة بمحافظة قنا في 4 ذي القعدة 724هـ، قبل أن يهاجر إلى سوهاج، حاملاً معه نسبه الشريف من آل البيت؛ حيث ينتمي إلى عائلة تضم ثلاثة أشقاء هم الشريف عبد الظاهر، شهاب الدين، الشيخ عبد الكريم، ولكل منهم مقام في قنا يقصده الزوار من كل حدب وصوب.

 

وللضريح مدخلان؛ أحدهما خارجي للرجال، والآخر داخلي للنساء، مما يعكس الاهتمام بتفاصيل التصميم التقليدي، وإلى جوار المسجد، تقع مدافن الأمراء وقبر مراد بك، حاكم جرجا في عصر المماليك، لتضيف طبقة أخرى من العمق التاريخي لهذا الموقع.

قلب نابض بالروحانية والاحتفالات
لم يكن المسجد مجرد مكانًا للعبادة، بل تحول إلى مركزٍ ثقافي وديني يستضيف المناسبات الكبرى مثل الإسراء والمعراج، ليلة القدر، ورأس السنة الهجرية؛ كما يضم المسجد مكتبة غنية، وجناحاً للإمام والخطيب، وقاعة اجتماعات فسيحة، مما يجعله ملتقى للعلم والروحانية.

 

ولذا فمسجد العارف بالله ليس مجرد بناء حجري، بل رمزٌ للإرث الإسلامي في سوهاج، يجمع بين عبق التاريخ وجمال العمارة، من القرن الثامن الهجري إلى تطورات القرن الحادي والعشرين؛ ليظل هذا الصرح شاهدًا على قدرة الإنسان على الحفاظ على تراثه وتجديده، ليبقى وجهة للزائرين والباحثين عن الجمال والسكينة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى