دكتور محمد حمزه يكتب: البلدوزر والأثار!
أثار مصر وتراثها أمن قومي فهي القوة الناعمة التي وصلت إلينا عبر الاجيال المتلاحقة؛ ولذلك يجب حمايتها والحفاظ عليها؛ مع صيانتها وترميمها؛ وهو ما نص عليه الدستور المصري والقانون رقم117 لسنة1983م وتعديلاته في2010م و 2018م و2020م ؛ وبما ان المجلس الأعلى للآثار بأمانته العامة وقطاعاته ولجانه هو الجهة الوحيدة المنو طة بذلك؛ ومن ثم فإنه في حالة ما إذا ثبت وجود الإهمال والتقصير والتخازل واساءة استعمال السلطة يجب على الفور إقالة القيادات ممثلة في الأمين العام ورئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية؛ وإحالة مدير المنطقة الأثرية واعضاء اللجنة الدائمة للتحقيق والمحاسبة لتفريطهم في حق أثارنا وتراثنا المفقود والذي يصعب تعويضه، وخيانته للأمانة الوظيفية او المهنية والعلمية.
ومشاكل الآثار في مصر كثيرة؛ ولكن حسبنا إن نشير ونركز على ماحدث خلال السنوات السبع الأخيرة وهي السنوات التي اطلق فيها على الوزارة مصطلح وزارة شطب وهدم الآثار؛ بل وصل الأمر إلى أن قال الوزير السابق(هل من المفروض إني اسيب شوية طوب لانه مسجل) وقامت الدنيا ولم تقعد بعد هذا الكلام وذلك التصريح.
والمهم انه خلال تلك الفترة وحتى الآن تم استخدام البلدوزر في الحفائر الأثرية كماهو الحال في سقارة والهرم ودهشور وهو ما يعد مخالفة صريحة لقوانين العمل الأثري قديما وحديثا.
كما إستخدم البلدوزر في هدم الآثار عامة أو بعد شطبها خاصة ومن ذلك الطابية المعروفة بطابية فتح في اسوان وهي أنموذج نادر وفريد على مستوى العالم وليس في مصر وحدها؛ وكذلك هدم وكالة العنبريين في ش المعز لدين الله؛ وهدم العديد من المقابر التراثيةبمحور صلاح سالم (الفردوس والإمام الشافعي)؛ وهدم اجزاء من قناطر ابن طولون بالبساتين؛ و هدم مشهد ال طباطبا بعين الصيرة( وليس فك ونقل لان الطوب لايفك فما بالنا بطوب بايش في الميه وبالتالي فإنه ليس أثرا ولو وضع عليه رقم الأثر الأصلي القديم يصبح تزييفا وتدليسا)؛ وهدم تربة مصطفى بك جاهين بالامام الشافعي؛ والحمام العثماني بقنا؛ وقصر ميخائيل لوقا الزق بأسيوط؛ والمبنى المعروف بمبنى الترميم بجوار جامع سليمان باشا المعروف خطأ بسارية الجبل بالقلعة وهو في الأصل احد الاقشلاقات العسكرية بالقلعة من عهد محمد علي والمسجلة على خريطة الكولونيل جرين من أواخر القرن19م.
ومؤخرا وتحديدا في9يناير 2024م وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية علي شطب قبة الشيخ عبدالله الأثرية (أثر رقم13 4) بمنطقة عرب ال يسار أسفل القلعة بعد كتاب مدير المنطقة في27 ديسمبر و محضر المعاينة والدراسة في28ديسمبر2023م ؛ ونظرا لما حدث حول هذه القبة من أحداث لم يسبق ان تعرضت لها قبة أخرى؛ ولذلك سنجمل القول حولها؛؛ ومن ذلك، كانت هناك ثلاثة اقتراحات قدمتها شركة المقاولون العرب ووافقت عليها الاثار وهي:
1_صلب حوائط القبة وعمل ستارة من الكمر الحديد او خوازيق وحقن تربة وترميم الحوائط الحاملة القبة.
2_فك القبةو الحوائط الحاملة لها وعمل إحلال للتربة.
3_فك القبة ونقلها الي مكان آخر طبقا لتخطيط الموقع العام.
وفي البداية تم اعتماد المقترح الأول ولكنه لم ينفذ لصعوبة ذلك وارتفاع التكلفة وما إستجد بالموقع من إكتشاف مقابر أسفل المنزل الذي تم هدمه بجوار الأثر اي القبة ونظرا لوجود فراغات و مقابر غير معلوم مدى حجمها ومدي إمتدادها؛ وايضا غير معلوم مدى وجود فراغات التربة أسفل الاثر؛ وكان على مدير المنطقة وقف الأعمال الجارية في الحال والعرض على اللجنة الدائمة للموافقة على إجراء حفائر بالموقع وما قد تسفر عنه من إكتشافات تغير تاريخ هذا الحي او تلك المنطقة بدلا من ركوب السهل وهدمها و طمسها من على الخريطة للأبد ؛ وسوء التصرف على النحو المشار إليه وعدم القدرة في اتخاز القرار كانا كفيلين باقالة القيادات بالمجلس وتحويل مدير المنطقة واللجنة للمحاسبة والتحقيق العاجل.
وعلشان كده إستقر الرأي الفني على إعتماد المقترحين الثاني والثالث؛ وبالفعل تم الاتفاق على المقترح الثاني وهوفك القبة و الحوائط الحاملة لها وعمل إحلال للتربة ورفع منسوب ارضيتها بمقدار40سم حتى تبتعد عن منسوب المياه السطحيةو تتناسب مع منسوب المنطقة المحيطة؛ وقد وافقت المنطقة الأثرية واللجنة الدائمة على تنفيذ هذا المقترح في 19 نوفمبر 2023 م، ولكن حدثت مفاجأة من العيار الثقيل لا يصدقها عقل وهي ان مدير المنطقة الأثرية كتب تقريراً في 27 ديسمبر 2023م فحواه أن القبة في حالة انشائية سيئة؛ وانها لاتحتوي على أشكال زخرفية او عناصر جمالية او أثرية ولايمكن الاستفادة منها دراسياً ولا عملياً كما أنها لاتصلح لاستخدامها كمزار سياحي؛ وهنا يثور تساؤل خطير ومهم لماذا تم هذا التغيير المفاجئ؛ ومن كان السبب وراءه؛ هل الأمين العام؛ ام رئيس القطاع؛ ام……
ثم أين دور اللجنة الدائمة التي كانت قد وافقت على تنفيذ المقترح الثاني المشار إليه؛؛؛ وكان الأجدر والاقيم للجنة ألأ
توافق على ماجاء بكتاب مدير المنطقة لانه مناقض ومخالف لكل ماسبق؛ بل العكس هو اللي حصل فقد وافقت اللجنة على شطب القبة في 9يناير2024م لنفس الأسباب الواردة في كتاب مدير المنطقة في27ديسمبر2023م و محضر المعاينة في 28 ديسمبر 2023م وهي لخلو القبة من اي عناصر زخرفية فنية ومعمارية؛ ولسوء الحالة المعمارية لها والذي أثر بالسلب على مكونات الأثر وافقدته خصائصه.
وهنا يثور تساؤل هل تعرضت اللجنة الي ضغط من الأمين العام من أجل شطب القبة، ام….
اما عن أهمية هذه القبة الأثرية والتاريخية فقد عرضنا لها في مقال الكاتب الصحفي شهاب طارق بجريدة اخبار الادب الصادر في23فبراير2024م تحت عنوان(شطب مع سبق الاصرار). وبذلك فقدنا أثرا فريدا في تلك المنطقة.
وقبل أن نختم مقالنا؛ وقبل ان نضع القلم؛ لابد من إثارة هذه التساؤلات ماهو دور المجلس الأعلى للآثار طبقا للقانون في ما يخص قيام البلدوزر بهدم عمائر سكنية قديمة تاريخية بمنطقة أثرية وتراثية وهي عرب ال يسار وقد رصدتها وسجلتها المصادر التاريخية والوثائق والخرائط والصور الفوتوغرافية منذ منتصف القرن19 م؛ ولم يكتف بذلك بل هدم البلدوزر قبة الشيخ عبدالله الأثرية؛ وربنا يستر على بقايا ساقية الناصر محمد بن قلاوون الأثرية أيضا.
ومن جهة أخرى هناك تساؤل اخر اهم وهو أين حرم القلعة وخط التجميل المعتمد لها وبيئة الأثر لها طبقا للقانون؛؛ ألا تعتبر منطقة عرب ال يسار جزءا من حرم القلعة وخطوط تجميلهاو بيئتها من ناحية الجنوب الغربي للقلعة؛ كما تعتبر قرافة سيدي جلال أو السيوطي حرمها وخط تجميلها وبيئتها من الجهة المقابلة للقلعة من الجنوب الشرقي والجنوب الغربي؛ ومن جهة ثالثة هل هناك موافقة من المجلس على هذه الأعمال الجارية؛ وهل تم التنسيق مع الجهات التنفيذية طبقا للمادة51 من القانون والتي تنص على ذلك التنسيق بما يكفل حماية الآثار والمباني التاريخية من الاهتزازات والاختناقات والتلوث و مسببات الرشح و(تغيير المحيط التاريخي والأثري وبما يحقق التوازن بين مطالب العمران وبين ضرورة صيانة الآثار والتراث) ؛؛؛ وبالتالي نرجوا الرد المدعم باسانيد قوية.
وختاماً فإن ماحدث ومايزال يحدث من عمليات شطب وهدم للآثار المصرية بإستخدام البلدوزر وكذلك استخدام البلدوزر في الحفائر الأثرية في ظل وجود المجلس الأعلى للآثار منذ اواخر عام2017 م وحتى الآن؛ إن دل على شئ فإنما يدل على الإهمال والتقصير والتخازل واساءة استعمال السلطة وخيانة للأمانة الوظيفية او المهنية والعلمية وعدم احترام الدستور والقانون؛ وهو الأمر الذي يستوجب إلاقالة الفورية للقيادات بالمجلس مع تحويل مديري المناطق واعضاء اللجان الدائمة للتحقيق والمساءلة والمحاسبة القانونية؛ مع حل اللجنتين الدائم تين؛ ووضع معايير جديدة وضوابط صارمة لكل من يتم اختياره عضوا في اي منهما وفقا للتخصص والخبرة الكفاءة والنزاهة والمصداقية والوطنية.
اما بخصوص أعمال التطوير والتنمية السياحية المستدامة في المواقع الأثرية والتراثية فكلنا معهاوندعمها ونقف معها بمنتهى القوة؛ ولكن على ألأ يكون ذلك على حساب الآثار والتراث وهذا هو عين توجيهات القيادة السياسية التي إنتصرت في مناسبات كثيرة للمواقع الأثرية والتراثية وهو ماسبق أن تحدثنا عنه من قبل.
حفظ الله مصر أرضا وشعبا وهويةوقيادة وجيشا وشرطة وحكومة رشيدة وقوة ناعمة وعلماءا وخبراءاوتاريخا وأثارا وحضارة وثقافة وتراثا الي أن يشاء الله وحتى يرث الأرض ومن عليها اللهم أمين يارب العالمين.