كلمة في حق معلم
ان بناء العقول اصعب بكثير من بناء البيوت كلمة كان يرددها استاذنا الجليل عملاق النقد العربي المعاصر و احد الاعمدة الراسخة التي تقوم عليها الثقافة العربية وليست المصرية فقط .
عن الاستاذ الدكتور جابر عصفور اتحدث وياله من شرف دعاني اليه الصديق العزيز احمد خليفة مدير تحرير بوكالة انباء الشرق الاوسط
استهل كلمتي هذه وانا علي شرف عملي وخدمتي رئسا لادارة مركزية بوزارة الثقافة والتي كان لي شرف الخدمة منذ اكثر من ١٥ عاما اكتب هذه السطور وانا في غاية العرفان والشجن والحنين الي شخصية قيادية واعدة رائد من رواد الابداع والادب والفكر قبل ان يتولي منصب رئيسا ومؤسسا” للمركز القومي للترجمة و أمينًا عاما” للمجلس الاعلي للثقافة ووزيرا للثقافة في مصر.
عرفته عن قرب خاصة في حقبة توليه الوزارة ٢٠١٤ وتعلمت منه الكثير والعجب في هذا الامر ان انشغال منصب وزير يحتم عليه ان لا يكون علي علم بموظفي الصف الثالث ايماءا الي الهرم الوظيفي ولكنه كان انسان اولا يبحث دوما في صناديق الادارة عن الكوادر ليبرز مواهبهم ويستخرج منهم الطاقة الكامنة التي بها يدفع عجلة التنمية الحقيقية ويهتم بافكارهم ورغباتهم ليعملوا في مناخ ملائم للانتاج الفعلي.
نعم تعلمت الكثير من الدكتور جابر عصفور الذي كان وقته واوراقه منظمة ولديه قدرة علي صناعة الهدف واتخاذ القرارات و يعترف بالاقوياء والنابهين من حوله ليكون فريق عمل متجانس حوله لا يحويه الوساطة ولا يعتمد علي اهل الثقة بقدر اهل الكفاءة والعلم.
و اتذكر في هذه الحقبة انه كان لاول مرة لي استقبل مكالمة تليفونية من مكتب الوزير لدعوتي مع فريق عمل الصف الثاني والثالث في جميع الندوات و توقيع الاتفاقيات والاحتفالات التي يقوم بها بشخصه ليكو وسط فريق عمله بالتالي نصبح نحن جميعا علي معرفة دورية بكل احداث الوزارة حتي تتوالد الافكار والتصورات كل في محاله
الدكتور جابر عصفور ، الذي كان يحمل علي عاتقة المشروع الثقافي في مصر وكان حريص ان ينفذ خطته التي تكمن في تجانس وتعاون جميع الوزارات المعنية للثقافة وقد تم بالفعل توقيع اتفاقيات تعاون مع وزارة التعليم والاعلام والبيئة والتضامن ليعملون كلهم في نسيج واحد علي وتر واحد للتنمية ولكن للاسف لم يكتمل هذا المشروع
إن ذلك يرجع إلى طبيعة الدكتور جابر الذي انشغل بالواقع الثقافي إلى أقصى حد وعبر في كتابات كثيرة تشتبك بالأساس مع أسباب التخلف، وعلى رأسها ما يحمله أو يمثله التيار الديني .. وهذا جعل مشروعه كله موضع هجوم، تقوم به – غالبا تلك الرابطة التي تهاجم الفكر المستنير والحرية والارادة ..!
عرفت الدكتور جاير عصفور ايضا بعيدًا عن كل هذه الصراعات، فلم يشغلني منه هذا الوجه الذي شغل أبناء جيله الذي تعلموا منه وانتقل منهم إلى تلاميذهم، ويا ويل من هذا الإرث حين ينتقل من جيل إلى جيل.
لم أقابل الدكتور عصفور الا عدة سنوات معدودة ، ولم أقترب منه غير عام واحد – ، ولكن مهما طال الحديث وما يمكنني الحديث عنه يصبح قليل، فلدي الكثير عن ما اخذته عن طبيعة انسانيته من اتساع صدره للنقاش ومحبته للبشر وعطاءه للضعفاء منهم، وترفعه عن الصغائر …وتعامله مع الوزير مثل تعامله مع اقل موظف لديه فضلا عن روحه في الدعابة التي لا تنسي، لا اعزف ان احدد مشاعري الآن وانا اشد قلمي حزنًا ام فخرًا ام رثاءا علي فقيد الثقافة الذي ملأ حياتنا حبا وفكرا وثقافة.
الاستاذ الدكتور جاير عصفور كم هي قاسية لحظات الوداع انت اديت رسالة ثقافية وتربوية عظيمة تاركا” سيرة عطرة وذكري طيبة وروحا نقية و ميراثا من الاصدارات والابحاث والكتب المهمة وارث من القيم والمثل النبيلة شكرا لك ولعل الله اسكنك في مكان اجمل مما نحن فيه دار الحق والفردوس تنعم روحك بها:
خلفت في الدنبا بيانا” خالدا” وتركت اجيالا” من الاساتذة
وغدا سيذكرك الزمان لم يزل للدهر انصاف وحسن الجزاء