أين الحكومة؟!
توفت سيدة من إحدى قرى محافظة سوهاج بعدما فشل أهلها في إيجاد سرير عناية مركزة في عموم مستشفيات الدولة بالمحافظة التي تحتل المرتبة الثانية ضمن قائمة المحافظات الأكثر فقراً على مستوى الجمهورية .. ورغم التواصل مع مديرية الصحة ومستشفى الجامعة وطوارئ مجلس الوزراء .. كانت الإجابة: “لا يوجد سرير عناية مركزة فاضي في أي مستشفى .. فجميع السراير مشغولة بالمرضى وقائمة الانتظار طويلة” .. ورغم ظروف اسرتها المالية أضطر أهلها أن يذهبوا بها إلى مستشفى خاصة ليدفعوا في كل ليلة 11 ألف جنيه .. مبلغ خرافي بالنسبة للشعب المصري الذي يعيش أكثر من 35% منه تحت خط الفقر وفقا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء .. رغم أن تلك المستشفى التي ذهبت لها المريضة تصنف درجة ثالثة مقارنة بغيرها من المستشفيات الخاصة .. وبعد مرور 5 ايام توفت السيدة .. لينطبق المثل الشعبي “موت وخراب ديار” .. وتصبح القاعدة في مصر: “اللي معاه فلوس يتعالج واللي مش معاه فلوس يموت في بيته أو على رصيف المستشفيات!!”.
واقعة أخرى في سوهاج أيضاً .. أسرة اضطرت للذهاب لمستشفى خاصة بعدما فشلت في إيجاد سرير لمريضها في مستشفى حكومي في واقعة مكررة .. فـ”الحكومة مشغولة برفع الأسعار وجمع الضرائب” .. وكان المريض يحتاج 4 اكياس دم .. ذهبوا إلى بنك الدم بالمحافظة وجاءوا بالكمية المطلوبة لكن المفاجأة أن المستشفى الخاصة رفضت استلام الدم وطلبت من أسرة المريض شراء دم من المستشفى مقابل 3000 جنيه حتى يتم إجراء الجراحة له وإلا المريض يترك حتى الموت في جريمة ابتزاز مكتملة الأركان، في غياب تام لمراقبة وزارة الصحة، فهل أصبحت تلك المستشفيات تعالج المصريين أم تمص أموالهم لآخر جنيه ثم تخطف أرواحهم .. فأصبح الواقع أن الداخل لمستشفيات مصر “حكومية أو خاصة” مفقود والخارج مولود بعدما كان الطب العلاجي أحد مصادر الدخل القومي .. علاوة على تصاعد ظاهرة خطيرة خلال الأربع سنوات الأخيرة وهي أن أغلب الوحدات الصحية في القرى المصرية بلا طبيب .. ولا حياة لمن تنادي .. ووكلاء وزارة الصحة لا حول لهم ولا قوة ووجودهم ذي عدمه .. ويبقى السؤال: هل بات في مصر من يمتلك المال يتم علاجه ويسمح له بدخول المستشفيات، ومن لا يمتلك المال يترك حتى الموت؟! .. وهل هناك رقابة من وزارة الصحة على المستشفيات الحكومية والخاصة أم أنها باتت خارج السيطرة وباتت أرواح المصريين في مهب الريح؟!.
قطاع الصحة في مصر يعاني .. معاناة تتجاوز قضية فساد وزارة الصحة التي كشفتها الرقابة الإدارية مؤخراً .. إلى وقائع أكثر خطورة بداية من بيع أغلب المستشفيات الخاصة الكبري ومعامل التحاليل الكبري إلى شركات أجنبية لا يعرف أحد تعمل لصالح من؟! والتي تسببت في ارتفاع سعر الخدمة الصحية بشكل جنوني، وسار ورائها الجميع، فأصبح هناك ارتفاع مبالغ فيه لأسعار دخول المستشفيات الخاصة .. علاوة على تراجع وتدهور غير مسبوق في قطاع الصحة الحكومى وأصبحت اغلب المستشفيات المصرية خارج الخدمة بسبب وجود وزيرة غير مؤهله، ومساعدين وزير ورؤساء قطاعات ووكلاء وزارة لا يصلحون وجاءوا إلى مقاعدهم بالمجاملة، ومعدلات فساد غير مسبوقة، وصراع خفي في إدارة قطاع الصحة بين الوزارة وجهات خفية وغير معلنة تتلمس تأثيرها ولا تعرف اسماؤها، فتفرق دم صحة المصريين بين القبائل .. وبات العلاج لمن يملك المال فقط.. وأحياناً كثيرة يجد المريض المال ويقتله الفساد الطبي!!.
ويبقى السؤال إذا كان المواطن في مصر لم يعد يجد سرير في مستشفى لتلقي العلاج فأين يذهب؟! وإذا كان العلاج متاح لمن يملك المال فقط فما فائدة الحكومة؟؛ وبات المواطن يسأل: ما فائدة التطور وبناء العاصمة الإدارية الجديدة وغيرها من المدن الجديدة وآلاف الطرق والكباري، والحديث عن النهضة والمشروعات، إذا لم يجد العلاج المناسب وهو ابسط حقوقه في دولة لا تنتج شئ، و75% من الموازنة العامة للدولة عبارة عن ضرائب يدفعها الشعب المسكين وفقا لتقارير حكومية رسمية وتصريحات متكررة من وزير المالية محمد معيط .. وإذا كان المواطن كل يوم يفاجئ بارتفاع متكرر للأسعار فما فائدة المصانع والمشروعات التي يعلن عن افتتاحها كل يوم إذا لم تساهم في تخفيض الأسعار؟!.. يتحدثون عن افتتاح مزراع للأسماك ثم نفاجئ بارتفاع أسعار الأسماك! .. مزارع للثروة الحيوانية ثم نفاجئ بغلاء اللحوم .. مصانع للحديد والاسمنت ثم نفاجئ بإرتفاع اسعارهما!! .. نسمع عن مليارات لإنشاء طريق هناك أو إقامة كوبري هناك، بينما مدير مستشفى يصرخ: “ساعدونا لا نجد سرنجات”!!، ومدير مدرسة يصرخ: “ندفع من جيوبنا لاستئجار عاملة لنظافة المدرسة بعدما امتنعت الحكومة عن تعيين عمال نظافة في المدارس”!!.
الواقع ..أصبح لدينا عجز 320 ألف مدرس وعجز 250 ألف فصل كما أعلنت وزارة التربية والتعليم، كما لدينا عجز في العمال والخدمات المعاونة في المدارس!! فإلى أين نذهب بالتعليم .. سنوياً يتم تخريج عشرات الآلاف من كليات التربية بلا عمل وينضموا لطابور البطالة!! .. وبات التعليم لمن يملك المال في ظل تخريب واضح للتعليم الحكومي، وكشفت بداية العام الدراسي أن الكثير من التلاميذ لا يجدون مقاعد في الفصول، وزاد الطينة بلة، القرار الأحمق من وزير التربية والتعليم الذي ربط بين تسليم الكتب المدرسية بدفع المصروفات الدراسية في سابقة لم تشهدها مصر حتى في ظل وجود الإحتلال الإنجليزي قبل ثورة يوليو 1952.. بل إن الوزير ببجاحة يتحدث عن أهمية إلغاء مجانية التعليم .. وهو كاذب لأن التعليم في مصر لم يعد مجانياً، وبات التعليم لمن يدفع فقط .. وسؤال ملايين المصريين: ماذا تبقى من التعليم؟!.
هذا تناقض غير معقول ويدعوا للاستغراب ويطرح عشرات التساؤلات الشعبية التي مازالت تبحث عن إجابات واضحة!!. .. بينما يبقى السؤال الأهم: لماذا الإبقاء على حكومة فشلت في إدارة موارد الدولة؟! حكومة تعتمد للعام الخامس – وفقا لتصريحات وزير المالية – على أموال دافعي الضرائب من أجل سد عجز الموازنة، حكومة وصلت بحجم الدين الخارجي إلى نحو 150 مليار دولار والدين الداخلي لنحو 4.5 تريليون جنيه، حكومة تقترض بلا توقف وبلا خطة واضحة .. بينما تفشل في توفير سرير لمريض، ومقعد لكل تليمذ، وتفشل في وقف الإرتفاع المتكرر للأسعار .. فهل بعد ذلك يمكن أن نتحدث عن انجازات؟! .. التعليم والصحة لا غنى عنهما في أي بلد يريد التقدم .. المرضى والجهلاء لا يبنون اوطان .. والفساد غول يلتهم الجميع .. وغلاء الاسعار خطر كبير وأي دعاية إيجابية تتحدث عنها الحكومة، وأي كلام عن نجاحات وإنجازات ليس له فائدة عندما يصطدم المواطن يومياً بغول الأسعار ومشاكله اليومية المتكررة بلا توقف .. اللهم بلغت.