[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

ميادة سيف تكتب: القبة الذهبية.. التلوث الفضائي والفوضى القانونية

في ظل الصخب السياسي والإعلامي الذي رافق إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن مشروع “القبة الذهبية” للدفاع الصاروخي، بتكلفة مبدئية تقدر بـ 175 مليار دولار أمريكي، فيظر العديد من المخاوف تتجاوز الجدوى الأمنية للمشروع، واثاره البيئية، والأهم من ذلك، المخاطر الجيوسياسية التي يفرضها في بيئة فضائية تزداد تنافسيةً وتعقيدًا.

إن ما يبدو للوهلة الأولى ا ن المشروع حصن منيع للأمن القومي الأمريكي، سرعان ما يتكشف عن نقاط ضعف هيكلية قد تجعل منه عبئًا باهظًا، بيئيًا، واقتصاديًا، وامنيا .

فالعبئ المالي الهائل والضبابية الاقتصادية التي تحيط بالمشروع الذي يصل تكلفه الي 175 مليار دولار ليس مجرد مبلغ محدد للمشروع و انما هو مبلغ مبدئي تم وضعه ، بل هو انعكاس لأولوية اقتصادية قد تكون محفوفة بالمخاطر في ظل التحديات الحالية التي يواجهه الاقتصاد الأمريكي.


ففي وقت تعاني فيه الولايات المتحدة من ارتفاع مستويات التضخم وعجز متزايد في الميزانية العامة، يطرح هذا الاستثمار الضخم تساؤلات حاسمة حول مدى استدامته وتأثيره على قطاعات حيوية أخرى لإن “التنبؤ بالتكاليف المستقبلية شبه مستحيل، رغم أنه من المرجح أن يكلف بناؤه وصيانته مليارات الدولارات”.

فهذه الضبابية ليست مجرد تفصيل مالي؛ إنها نقطة ضعف جوهرية فمشروع بهذا الحجم يتطلب التزامًا ماليًا طويل الأمد يمتد لسنوات، وربما لعقود، مع تمويل ينعكس في تقديرات الميزانية الجديدة للفترة من 2026 إلى 2030 وما بعدها من صيانات و تشغل و تجديد .

فإن عدم وضوح التقنيات المطلوبة بشكل كامل يجعل هذا الاستثمار محفوفًا بمخاطر مالية كبيرة، حيث قد تتجاوز التكاليف المتوقعة بسهولة، كما حدث في العديد من المشاريع الدفاعية العملاقة في الماضي.
اما التداعيات الاخري من حيث المخاطر البيئية الجسيمة التي ينطوي عليها المشروع فهي كثيره حيث يعتمد مشروع “القبة الذهبية” بشكل كبير على الأصول الفضائية، مما يعني ضرورة عمليات إطلاق صواريخ وأقمار صناعية متكررة

حيث يشير الملف إلى “المخاوف البيئية من إطلاق الصواريخ وإعادة دخول الأقمار الصناعية”. هذه العمليات ليست بلا ثمن بيئي؛ فهي تساهم في تلوث الغلاف الجوي وتفاقم مشكلة الحطام الفضائي.
تصف الوثيقة البيئة الفضائية بأنها “مزدحمة ومتنازع عليها و هناك العديد من التنافسية” بشكل متزايد،و إضافة مشروع بهذا الحجم إلى هذه البيئة المزدحمة يعني زيادة هائلة في الحطام الفضائي، الذي يشكل تهديدًا متزايدًا للمدارات الأرضية.

وهذا الحطام لا يهدد الأقمار الصناعية العسكرية فحسب، بل يهدد أيضًا الأقمار الصناعية المدنية والعلمية التي تعتمد عليها حياتنا اليومية، من الاتصالات إلى التنبؤات الجويةو أي تصادم في المدار يمكن أن يؤدي إلى سلسلة لا يمكن السيطرة عليها من الاصطدامات، مما يجعل أجزاء كبيرة من الفضاء غير صالحة للاستخدام لعقود قادمة، وتلك كارثة بيئية ذات أبعاد كونية.

واخطر النقاط حول هذا المشروع هو هي غياب الأطر القانونية الدولية وضعف الحوكمة الفضائية بسبب عدم وجود اتفاقيات رسمية أو تفاهمات بشأن الردع في مجال الفضاء”.

و هذا الفراغ القانوني يمثل نقطة ضعف حرجة وغير مقبولة في سياق مشروع دفاعي طموح يركز على الفضاء.

و إن مبادرة “القبة الذهبية”، بطبيعتها، تدفع حدود استخدام الفضاء وتسليحه إلى مستويات غير مسبوقة في ظل غياب قانون فضاء دولي قوي ومعايير واضحة لمنع تسليح الفضاء، فإن عسكرة الفضاء المتسارعة يمكن أن تؤدي إلى أضرار بيئية لا رجعة فيها، وتصعيد لمخاطر الصراع في المدار، مما يؤثر على جميع الدول.
فهل يمكن أن نتخيل نظامًا دفاعيًا بهذه الأهمية يعتمد على ساحة تفتقر إلى أبسط قواعد الاشتباك؟ هذا الغياب لا يعرض المشروع نفسه للخطر فحسب، بل يهدد الاستقرار الجيوسياسي العالمي، ويزيد من احتمالية سباق تسلح جديد في الفضاء، حيث تحاول الدول الأخرى مضاهاة هذه القدرات أو تطوير وسائل لمواجهتها مثل الصين و روسيا من خلال حرب استعراضيه للتطور التكنولوجي الفضائي .

أخيرًا، تكمن نقطة ضعف أخرى في خطر سباق تسلح جديد محتمل. على الرغم من أن الهدف المعلن للمشروع هو ردع التهديدات المستقبلية من الدول التي تطور صواريخ باليستية متقدمة، إلا أن التاريخ يثبت أن بناء دفاعات قوية غالبًا ما يؤدي إلى تطوير أساليب هجومية أكثر تطورًا. قد تدفع “القبة الذهبية” الخصوم إلى الاستثمار في تطوير صواريخ أسرع، أو أكثر قدرة على المناورة، أو حتى أسراب من المقذوفات الصغيرة التي يصعب اعتراضها، مما يخلق حلقة مفرغة من الإنفاق العسكري المتزايد وغير الفعال على المدى الطويل.

في الختام، بينما يمكن فهم دوافع الأمن القومي الكامنة وراء مشروع “القبة الذهبية”، فإن المقال يوضوح أن هذا المشروع، في شكله الحالي، يعاني من نقاط ضعف جوهرية و سوف ينعكس من خلالها علي التداعيات البيئية الخطيرة في الفضاء والغلاف الجوي، وغياب أطر الحوكمة الدولية و القوانين في الفضاء، كلها عوامل تشير إلى أن “القبة الذهبية” قد لا تكون الحل الأمني الشامل الذي يهدف إليه الرئيس ترامب ، بل قد تمثل استثمارًا محفوفًا بالمخاطر، يهدد استقرار البيئة الفضائية والأمن العالمي بأسره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى