دكتورة ميرنا القاضي تكتب: سورة الكهف عندما يتكلم القرآن بلغة الزمن

من بين آيات سورة الكهف، تلك السورة التي تفيض بالعبر والرموز، تقف آية واحدة كأنها بوابة إلى عالم الدقة الإلهية التي تعجز عنها عقول البشر، حتى في عصر الحسابات الفلكية والآلات الدقيقة.
إنها الآية التي تتحدث عن أصحاب الكهف، أولئك الفتية الذين ناموا في كهفهم لقرون، ثم استيقظوا وكأن الزمن لم يمسسهم، فيقول الله تعالى: “ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً”.
قد يمرّ البعض على هذه الآية مروراً عابراً، لكن وراءها إعجازًا علميًا ولغويًا دقيقًا، يجعل من تكذيب قصة أصحاب الكهف ضرباً من التغافل عن الحقيقة.
فالسنة الشمسية الواحدة تساوي 365.25 يوماً، بينما السنة القمرية، المحسوبة بدقة من خلال دوران القمر حول الأرض، أقصر بنحو 11 يوماً، هذا الفارق البسيط يتراكم عبر الزمن، فلو حسبنا الفارق عبر 300 سنة شمسية، سيكون الناتج:
11 × 300 = 3300 يوماً
3300 ÷ 354.367 = 9.31 سنة قمرية تقريباً
أي أن 300 سنة شمسية تعادل تقريباً 309 سنوات قمرية، وهو ما عبّر عنه القرآن بدقة خارقة حين قال:
“ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعاً”.
وهنا تظهر اللمسة المعجزة في الاختيار اللفظي:
كلمة “سنين” في القرآن تُستخدم غالبًا في سياق السنة الشمسية.
أما قوله: “وازدادوا تسعاً”، فجاء دون ذكر كلمة “سنين”، ليُفهم ضمنيًا أنها تسع سنوات قمرية، وهو الفرق العددي بين النظامين.
وهكذا، في جملة قصيرة، جمع النص بين التقويم الشمسي والقمري، دون أن يذكر أي تفاصيل فلكية أو حسابية، لكنه مع ذلك وافق أدق الحسابات العلمية التي لم يستطع علماء الفلك بلوغها إلا في القرن السادس عشر الميلادي، بعد مضي ما يقرب من ألف عام على نزول هذه الآية.
إن هذا الانسجام بين اللغة والمعنى، بين الزمن والحساب، بين الإيجاز والدقة، لا يمكن أن يكون من تأليف بشر، بل هو “بصمة إلهية” ختم الله بها قصص سورة الكهف، لتُذكِّرنا بأنَّ كلَّ شيءٍ عنده بمقدار: من نوم الفتية في الكهف إلى حركة الكواكب في الأفلاك. فسبحان مَنْ أنزل الكتاب، وجعل عدَدَ كلماته آيةً للعالمين!