بيان الدفاع عن الحضارة: هدم المقابر تغيير لمعالم القاهرة التاريخية
د. عبد الرحيم ريحان

أصدرت حملة الدفاع عن الحضارة المصرية برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان بيانًا تحت عنوان “هدم المقابر تغيير لمعالم القاهرة التاريخية” وننشر نص البيان
القاهرة التاريخية سجلت تراثًا عالميًا استثنائيًا باليونسكو عام 1979 لتشمل الآثار الإسلامية والقبطية فى ثلاث نطاقات وهى القلعة وابن طولون والجمالية والمنطقة من باب الفتوح إلى جامع الحسين، ومنطقة الفسطاط والمقابر والمنطقة القبطية والمعبد اليهودى.
“اعتمدت حدود واشتراطات منطقة القاهرة الإسلامية من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية طبقًا للقانون رقم 119 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية 2011”. وشملت النطاقات التى حددها الجهاز القومى للتنسيق الحضارى طبقا للحدودالمعتمدة من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية فى اجتماعه الرابع برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء بقرار رقم 04 /7/ 8/09 بتاريخ29 يوليو 2009.
معايير التسجيل
تجسّدت القيمة العالمية الاستثنائية للقاهرة التاريخية فى أربعة معايير هي الأول والثالث والرابع والسادس، واعتبرت القاهرة التاريخية بتكوينها وأسوارها من روائع العمارة الإسلامية.
وتتكامل فيها وظائف متعددة بتفرد شديد، كما أنها نموذج لمدينة سكنية متكاملة بجميع وظائفها مثلت تفاعل الإنسان مع بيئته، فأنتجت تراثًا متميزًا يعبر عن طبقات زمنية متلاحقة فى تناغم شديد”.
واقترنت القاهرة بأحداث عدة وفترات حكم مختلفة كونت تراثها المعمارى وما زالت حتى الآن، حيث إنها من أقدم مدن التراث الحى المستعمل نسبيًا حتى الآن”.
وكذلك اقترنت بالعديد من المصنفات الأدبية التى سجلت مع ملف الترشيح كما فى ثلاثية نجيب محفوظ (قصر الشوق- بين القصرين- السكرية)
عواصم مصر الإسلامية
أنشئت الفسطاط عام 21هـ، 641 م على يد عمرو بن العاص، وقد اتخذ اسمها من خيمة عمرو بن العاص التى أقامها وسط معسكره، واشتهرت بمنازلها الفسيحة وشوارعها المطروقة وارتفعت منازلها إلى خمسة أدوار وأحيانًا سبعة.
وعند انتقال الحكم إلى العباسيين تأسست العسكر عام 133هـ، 751م فى موقع عرف باسم الحمراء القصوى بجبل يشكر بالقرب من المقطم فى الشمال الشرقى من الفسطاط”.
تلت مدينة العسكر القطائع عام163هـ، 780م والتى أسسها أحمد بن طولون ويرجع اسمها إلى نظام تخطيطها الذى نقل عن مدينة سامراء وهو التخطيط المتقاطع الذى يطلق عليه اسم القطع”.
اتخذت قاهرة الفاطميين اسمها من النجم القاهر، وقيل القاهرة التى تقهر الأعداء وقد بدأت كمدينة عسكرية تشتمل على قصور الخلفاء ومساكن الأمراء ودواوين الحكومة وخزائن السلاح.
وفى سنة 362هـ ، 973م أى فى العام الرابع من إنشائها تحولت إلى عاصمة الخلافة الإسلامية عندما انتقل إليها الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وأسرته من المغرب واتخذ مصر موطنًا له وأطلق عليها قاهرة المعز.
وتغيرت معالم القاهرة منذ عام 510هـ ، 1116م حيث خرجت عن أسوارها القديمة ليصل تخطيطها إلى القلعة، وبعدها أصبحت قاهرة محمد على 1219هـ، 1805م لتصل إلى عصر النهضة الذى شهد تطورا للعمارة وتاريخ المدن حتى أصبحت القاهرة باريس الشرق فى عام 1278هـ ، 1862م فى عهد الخديوى إسماعيل.
المقابر والقاهرة التاريخية
تقع كل المقابر التى يتم هدمها ضمن حدود القاهرة التاريخية المسجلة تراث عالمى استثنائى باليونسكو عام 1979 مما يهدد بإدراجها على قائمة التراث المهدد بالخطر وقد سبق إدراج دير مارمينا عام 2010 على هذه القائمة بسبب المياه تحت سطحية وأنفقت الدولة نحو 50 مليون جنيه في إطار خطة متكاملة لإنقاذ دير مارمينا بالإسكندرية وتم الإرسال لمنظمة اليونسكو لرفعه من القائمة وجاءت بعثة منذ أيام وهناك انطباع حسن عن الموقع نتوقع رفعه بعد 14 سنة من إدراجه أى ليس بالسهل رفع أثر تم إدراجه لذا يجب أن نتوخى الحذر التام
اتفاقية 1972
يتعين على الجهات المعنية بالآثار والتراث والمحليات فى مصر المحافظة علي المقابر طبقًا لاتفاقية التراث العالمي عام 1972 «اتفاقية متعلقة بحماية مواقع التراث العالمي الثقافية والطبيعية» والتى ضعت لتحديد وإدارة مواقع التراث العالمي
طبقًا للمادة 4 من الاتفاقية يجب أن تعترف كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن واجب القيام بتعيين التراث الثقافي والطبيعي المشار إليه في المادتين (1) و(2) الذي يقوم في إقليمها وحمايته والمحافظة عليه وإصلاحه ونقله إلى الأجيال المقبلة، يقع بالدرجة الأولى على عاتقها وسوف تبذل كل دولة أقصى طاقتها لتحقيق هذا الغرض وتستعين عند الحاجة بالعون والتعاون الدوليين اللذين يمكن أن تحظى بهما، خاصة على المستويات المالية والفنية والعلمية والتقنية.
وطبقًا للمادة 5 (د) على الدولة اتخاذ التدابير القانونية والعلمية والتقنية والإدارية والمالية المناسبة لتعيين هذا التراث وحمايته والمحافظة عليه وعرضه وإحيائه.
أهمية المقابر أثريًا
ويعدعدم تسجيل هذه المقابر رغم الأهمية الكبرى لها من الناحية المعمارية والتراثية والفنية وقيمة الشخصيات المدفونة بها تقصيرًا من الجهات المسئولة عن التسجيل، وقد عثر بهذه المقابر على شاهد قبر بالخط الكوفى تاريخه 229هـ، 843م
وقد ترتب على عدم تسجيلها إفقادها الحماية بقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، وإفقادها الحماية كمبانى تاريخية بالقانون الخاص بالمباني التراثية رقم 144 لسنة 2006 ، والمبانى التاريخية هى المبانى والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز أو المرتبطة بالتاريخ القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًا
وحددت المادة الرابعة من القانون 144 لسنة 2006 كيفية تسجيل المباني التراثية بتشكيل لجان دائمة بكل محافظات مصر بقرار من المحافظ تتضمن ممثلًا من وزارة الثقافة يتولى رئاسة اللجنة وممثلًا لوزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية، وشخصين من المحافظة المعنية وخمسة من أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المتخصصين في مجالات الهندسة المعمارية والإنشائية والآثار والتاريخ والفنون، على أن ترشح كل جهة من يمثلها، وعدم تشكيل لجان لتسجيل هذه المقابر يعد إدانة لمحافظة القاهرة ومخالفة للمادة 5 (د) لاتفاقية التراث العالمي عام 1972 والمسجل من هذه المقابر كمباني ذات طابع متميز بجهاز التنسيق الحضاري حوالي ٨٧ مدفن فقط وهذه النسبة لا تمثل ٢٠ % من المدافن ذات القيمة والسبب في تسجيلها موضوع مدفن طه حسين
الهدم مخالف للمواثيق الدولية
ما يحدث الآن من هدم المقابر مخالف لميثاق فينسيا للترميم 1964 الفقرة 1 “مفهوم المبنى التاريخي لا يتضمن الأثر المعماري فقط ولكن يشمل الوضع الحضري للمنطقة المحيطة بالأثر والذي يبرهن على وجود حضارة خاصة أو تنمية هامة أو حدث تاريخي ولا ينطبق هذا فقط على الأعمال الفنية العظيمة ولكن يشمل أيضا الأعمال المتواضعة الباقية من الماضي والتي اكتسبت أهميتها الثقافية بمرور الوقت”، والفقرة 6 “حفظ الأثر يتضمن حفظ حالة المنطقة في نطاقه، ويمنع تمامًا أي نوع من المنشآت الحديثة أو الإزالة أو التعديل ويمكن السماح بذلك بشرط عدم التأثير على علاقات الكتل وعلاقات الألوان”، والفقرة 7 ” الأثر ملازم للتاريخ، فهو شاهد عليه وكذلك النسيج العمراني الذي هو جزء منه وغير مسموح إطلاقًا بتحريك الأثر أو أي جزء منه إلّا إذا اقتضت وقاية الأثر ذلك ويتم البت في هذا في حالة وجود مصلحة عالمية أو محلية على أعلى قدر من الأهمية”.
القاهرة التاريخية تراث عالمى
وقد رشحت القاهرة التاريخية تراث عالمى بناءً على أربعة معايير، الأول والثالث والرابع والسادس ومنها اقترانها بأحداث عدة وفترات حكم مختلفة كونت تراثها المعمارى وما زالت حتى الآن، حيث أنها من أقدم مدن التراث الحى المستعمل نسبيًا حتى الآن وبالتالى فإن اقتطاع جزء لا يتجزأ من ذاكرتها الوطنية بهدم هذه المقابر التى تمثل قيمة معمارية وفنية ومرتبطة بأشخاص شكّلوا جزءًا من تاريخها الحديث والمعاصر يفقدها معيار التواصل الحضاري .