[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

مع احتفالات عيد القيامة، تعرف على أقدم الرسوم المسيحية فى مقابر البجوات

د. عبد الرحيم ريحان

فى إطار احتفالات شركاء الوطن الإخوة المسيحيين فى مصر بعيد القيامة نرصد أقدم الرسوم المسيحية بمصر فى مقابر البجوات.

كانت واحة الخارجة ملجأً للمسيحيين الأوائل حيث عاشوا آمنين على أنفسهم وعقيدتهم ومنشئاتهم الرهبانية وأصبحت مقابر البجوات تجسّد أقدم الرسوم المسيحية التي عثر عليها بمصر حيث كان الفنان آمن لممارسة الأعمال الفنية المسيحية صراحة في ذلك المكان كما أنها من الأماكن القليلة القديمة الباقية التي نفذت بها تقنية الفريسكو الجاف في التصوير الجداري.

من خلال دراسة علمية للباحثة رنا محمد بشير رشيدي بعنوان “خصائص الرسوم الجدارية في مقابر وكنائس منطقة البجوات من القرن الأول إلى القرن السادس – دراسة ميدانية” نرصد تاريخ وأهمية مقابر البجوات بالواحات الخارجة حيث عثر على أقدم وثيقة تخص المسيحية بالواحة الخارجة بالقرب من معبد دوش عام 1893م وهي عبارة عن مراسلات وخطابات من جماعة من المحنطين وحافري القبور واحتوت السجلات أيضا على عقود بيع وهدايا يعود تاريخها إلى نهاية القرن الثاني والثالث الميلاديين وأوائل القرن الرابع بعضها لوثنيين وأخرى لمسيحيين الذي يبدو أنهم كانوا في سلام مع جيرانهم.


شهدت واحة الخارجة فى القرن الرابع الميلادي قدوم أعدادًا كثيرة من المسيحيين لدرجة تعيين أسقف عاش في الواحة الخارجة من قبل بطريرك الإسكندرية ويبدو أن المسحيين الأوائل قد مارسوا معتقداتهم الدينية بحرية في الواحة وذلك مما خلفوه من آثار مختلفة تعود إلى الفترة المسيحية المبكرة هذا بالإضافة إلى نزوح العديد من المسيحيين وبالأخص الرهبان الذين اتخذوا الواحات في الصحراء الغربية مناطق لممارسة الرهبنة فالصحراء تشكل بيئة منعزلة مناسبة لهذا الطقس الديني الذي أصبح وسيلة “مقاومة سلبية” للحكم الروماني الذي مارس الاضطهاد ضد الأقباط بشتى الطرق, ولعل ذلك الاضطهاد هو ما دفع الأقباط في ذلك الوقت إلى ممارسة عباداتهم أيضا داخل المقابر فهي تعتبر ملاذًا آمنًا للعبادة وما عثر عليه بمقابر عدة بالإسكندرية من رسوم وكتابات قبطية تعود إلى تلك الفترة هي خير دليل على ذلك.

يعود بناء مقابر البجوات إلى العصور الرومانية ربما في الفترات المتأخرة الرومانية، ولكن لا يمكن الجزم بذلك نظرًا لأن العديد من المقابر يقترب في نمطه المعماري من العمارة المصرية القديمة، وبالرغم من صعوبة تحديد أي المقابر أقدم وأيها أحدث في البناء استطاع الآثاريون تحديد عصور بعض المقابر التي تعود إلى عصر الإمبراطورية المتأخر وذلك لما عثر عليه بالمقابر من رفات ومن مقتنيات للموتى تعود إلى تلك الفترة.

كما أنه يمكن تصنيف بعض المقابر إلى كونها أقدم من غيرها وفقًا للأسلوب العماري المتبع في بنائها، ويرى علماء الآثار أن أقدم المقابر القائمة تعود إلى القرن الثاني الميلادي، ويمكن ملاحظة أن بعض المقابر التي حملت الطابع المصري البسيط أقدم من غيرها ذات الطابع البيزنطي.
واتضح من خلال الدراسة أن منطقة البجوات كانت منطقة الدفن الرئيسية للعاصمة هيبس القديمة ولم يتم العثور على منطقة دفن تعود إلى عصور سابقة عن العصر الروماني سوى مقابر متفرقة في مناطق بعيدة نسبيًا عن هيبس تعود لأفراد عاشوا في تلك المناطق وليس في العاصمة هيبس نفسها وأيضا لقرب منطقة البجوات من المدينة القديمة التي لا تزال أطلالها موجودة ولقربها من معبد هيبس الذي كان قلب المدينة القديمة.

خضعت العديد من المقابر لعمليات تعديل في فترات لاحقة من بنائها وأضيفت إليها رسوم جدارية أو عدل في تصميمها لتتخذ شكل الكنيسة أو تمت عملية توسعة بها للأغراض الدينية السابق ذكرها؛ لذلك يمكن أن تكون تلك المقابر قد بنيت في عصور سابقة ولكن تم تحديثها وترميمها في عصور متقدمة،علاوة على ذلك قلة أعمال البحث والتنقيب بالمقابر بالقدر الكافي لكشف تاريخها المفصل وأخيرًا لعدم العثور على منطقة دفن رئيسية تعود إلى عصور أسبق .

وقد كشف بمقابر البجوات عن كتابات ومخربشات تعود إلى عصور مختلفة ومتفرقة منذ القرون الميلادية الأولى وحتى الوقت الحالي، وبعد أن هجرت صارت استراحة للقوافل المسافرة على طريق درب الأربعين، كما أن معظم الدفنات ومقتنيات المقابر قد نهبت وخاصة المقابر الوثنية التي سبقت المسيحية؛ لكونها أمام مرأى ناهبي القبور كما أن الحراسة على المقابر ليست بالقدر الكافي.

رصدت الدراسة الميدانية للباحثة الآثارية رنا محمد بشير رشيدي آثاريًا الجبانة القديمة التى تقع على بعد 1كيلو متر شمال معبد هيبس قلب المدينة القديمة، أمّا في يومنا الحالي فهي تبعد حوالي 4 كم عن وسط مدينة الخارجة, وتقع الجبانة في المنحدرات الأخيرة من هضبة جبل الطير وتمتد على طول حوالي 500 م وعرض حوالي 200م، وسطح الهضبة ليس منبسطًا وإنما ينحدر من الشمال إلى الجنوب وقد أضيف حديثًا ممشى خرساني حتى يسهل صعود الهضبة للزوار والوصول إلى المقابر ويستغرق الصعود لأبعد نقطة بها من 15 إلى 20 دقيقة سيرًا على الأقدام.


وأوصت الدراسة بعمل المزيد من عمليات التنقيب والحفائر التي ستكشف عن المزيد من المعلومات عن مقابر البجوات بالإضافة إلى ما استخرج منها من قبل بعثة المتروبوليتان حيث يبلغ عدد مباني مقابر البجوات 263 مقبرة وما يمكن تصنيفه أو ما تبقى فيه ويمكن التعرف إليه 235 مقبرة.

وقد ألهمت عمارة البجوات المهندس الراحل حسن فتحي بأن يستوحى منها أسلوبه المعماري وقد قام بتنفيذ قرية على نفس النمط في مركز باريس تحمل اسمه، حيث أن عمارة القباب تلك تلائم بشكل جيد بيئة الواحات شديدة الحرارة والحفاظ على برودة الجو داخل المبنى بالإضافة إلى استخدام الطوب اللبن في البناء الذي يعد خامة زهيدة الثمن ومتوفرة بكثرة ويستخدم الطراز المعماري للبجوات في بناء المنازل خاصة في القرى المحيطة بالمدينة.

ونطالب بترميم هذه المقابر وتكثيف الحراسة عليها وتزويدها بالخدماتوتهيئتها للزيارة وتسهيل طرق الوصول إليها ووضعها على خارطة السياحة المحلية والعالمية وإعداد ملف لتسجيلها تراث ثقافى عالمى باليونسكو باعتبارها قيمة عالمية استثنائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى