ميادة سيف تكتب: سباق الممرات الملاحية في الشرق الأوسط

تفاقمت التحديات التي تواجه قناة السويس مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في البحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي، صعّدت جماعة الحوثيين اليمنية هجماتها على السفن التجارية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر،مع العلم إن العديد من السفن التي تعرضت للهجمات ليست إسرائيلية أو متجهة إلى إسرائيل، ما أثار قلقًا عالميًا بشأن أمن الملاحة البحرية بالقناه.
نتيجة لهذه الهجمات، أوقفت شركات الشحن العالمية الكبرى عملياتها في قناة السويس، واضطرت إلى تحويل مسار سفنها حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا هذا القرار أدى إلى زيادة تكاليف الشحن وإطالة مدة الرحلات بما يتراوح بين 7 إلى 10 أيام إضافيه حيث أعلن صندوق النقد الدولي أن هذه الاضطرابات كلفت مصر انخفاض إيرادات القناة إلى 7 مليار دولار في العام المالي-2024، التي تعد مصدرًا حيويًا للعملة الأجنبية وأشار الصندوق إلى أن استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة يؤثر سلبًا على المعنويات الاقتصادية ويؤدي إلى انخفاضات كبيرة في الإيرادات بعد التصريحات الاخيره بين امريكا والحوثيين بشان تفجير المنشأه النووية من ما يترتب عليه صراع جديد بالشرق الاوسط و دخول الدول لعربية في صراعات لانهائية مع الغرب.
في ظل هذه التحديات، برزت مقترحات لمشاريع بديلة لقناة السويس، مثل مشروع قناة بن غوريون الإسرائيلية حيث يهدف هذا المشروع إلى إنشاء قناة مائية تربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، ويُروَّج له كبديل محتمل للقناة المصرية حيث يُتوقع أن يبلغ طول القناة الإسرائيلية المقترحة حوالي 292.9 كم، بتكلفة تتراوح بين 15 و55 مليار دولار أمريكي. إذا تم تنفيذه، سيكون هذا المشروع أطول بقرابة الثلث من قناة السويس الحالية، التي يبلغ طولها 193.3 كم.
ومع ذلك، فإن مشروع قناة بن غوريون ليس جديدًا، إذ يعود إلى فكرة تاريخية تسعى إلى تقديم بديل لقناة السويس، التي مرت بمحطات عديدة من التحديات، مثل إغلاقها في أعوام 1956 و1967 وحتى 1975، بالإضافة إلى تعطّلها مؤقتًا في عام 2021 بسبب جنوح السفينة “إيفر غيفن”. رغم ذلك، لا تزال قناة السويس تحتفظ بمكانتها الاستراتيجية، نظرًا لخبرتها الطويلة في إدارة العمليات الملاحية وتقديم خدمات ذات جودة عالية.
مع انخفاض إيرادات القناة إلى 7 مليارات دولار في السنة المالية 2023-2024، مقارنة بـ9.4 مليار دولار في 2022-2023، تواجه مصر تحديات اقتصادية كبيرة. يعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على العملات الأجنبية التي توفرها القناة لتمويل احتياجاته الأساسية من السلع الاستراتيجية. ومع تراجع الإيرادات، أصبحت البلاد في وضع حرج يتطلب إيجاد حلول عاجلة لتعزيز مصادر الدخل القومي.
على الجانب السياسي، يعكس الوضع الحالي في قناة السويس ضعف الأمن القومي المصري في مواجهة التحديات الإقليمية. فالتوترات الجيوسياسية بين إيران وأمريكا، وهجمات الحوثيين المستمرة، تضع مصر في موقف صعب يهدد مكانتها كواحدة من الدول الرائدة في مجال الملاحة البحرية. كما أن دعم المجتمع الدولي للحفاظ على أمن القناة أصبح أمرًا بالغ الأهمية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي.
تُعتبر قناة السويس واحدة من أهم الممرات الملاحية في العالم، حيث تلعب دورًا محوريًا في دعم الاقتصاد العالمي عبر توفير الوقت والتكاليف التشغيلية للسفن العابرة بين الشرق والغرب.
تمثل القناة أقصر طريق ملاحي يربط بين المحيطين الأطلسي والهندي، مما يجعلها الخيار الأول لشركات الشحن العالمية ووفقًا لتقارير عام 2021، تحتل قناة السويس المرتبة الثانية بين أكبر عشر شركات لوجستية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتستحوذ على نحو 12% من حجم التجارة العالمية سنويًا.
كما تمثل القناة مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية لمصر، كما أنها المسؤولة عن حوالي ثمن التجارة البحرية العالمية، بما يشمل نحو 30% من حركة الحاويات عالميًا. ومع ذلك، شهدت القناة انخفاضًا ملحوظًا في عدد السفن العابرة خلال السنوات الأخيرة.
فقد انخفض عدد السفن التي عبرت القناة إلى 20,148 سفينة في السنة المالية 2023-2024، مقارنة بـ25,911 سفينة في العام السابق.
هذا الانخفاض يعكس التحديات المتزايدة التي تواجه القناة نتيجة الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة.
إلى جانب دورها الاقتصادي، تقدم قناة السويس فوائد بيئية كبيرة، حيث تسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بمقدار 51 مليون طن سنويًا مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح، الذي يستغرق أسبوعين إضافيين في المتوسط. هذه الميزة تجعل القناة خيارًا أكثر استدامة من الناحية البيئية، خاصة في ظل الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.
تظل قناة السويس شريانًا حيويًا للاقتصاد العالمي، لكنها تواجه تحديات متزايدة نتيجة التوترات الجيوسياسية والأمنية في المنطقة.
مع تصاعد الهجمات الحوثيين وظهور مشاريع بديلة مثل قناة بن غوريون الإسرائيلية، تحتاج مصر إلى تعزيز أمن القناة واستعادة ثقة الشركات العالمية في استخدامها. وفي ظل الظروف الحالية، يتطلب الأمر تكاتف الجهود الدولية والمحلية لضمان استمرارية هذا الممر الملاحي الحيوي، الذي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد العالمي واستقرار المنطقة.