دكتور حمدى سعد يكتب: لا تحبسوا ابنائى!
كاتب هذه السطور طبيب يمارس المهنة منذ ١٩٩٧، ويدرسها لطلبة كلية الطب منذ ٢٥ عاما، وهو الٱن لم يعد يهمه قوانين المسؤولية الطبية بشكل شخصي، فلم يعد فى العمر الكثير. إننى اتكلم كأب لاثنين من أطباء المستقبل، أحدهما تخرج منذ شهور، والٱخر يدرس فى السنة الثانية بكلية الطب.
كما أننى اتكلم بلسان الٱلاف من أبنائي الخريجين من شباب الأطباء الذين درست لهم فى الكلية ومشاعرى وقلبى وعقلى معهم وأعتبرهم مثل ابنائي تماما.
أتوجه إلى نواب الشعب، وإلى معالى وزير الصحة وهو شخصية مرموقة مرنة متفاهم شديدة الذكاء وتعاملت مع سيادته شخصيا فى أثناء مناقشات قانون المستشفيات الجامعية، أتوجه إليهم جميعا وإلى كل من يهتم بمستقبل المهنة فى هذا البلد الرائد طبيا فى المنطقة رغم الإمكانيات الشحيحة للغاية، ارجو من السادة النواب ومن السيد الوزير المحترم أن ينظروا للموضوع من كل زواياه، فليس الهدف من اعتراضنا على حبس الأطباء فى الأخطاء المهنية ناتج من تغليب روح القبيلة ومبدأ إنصر أخاك ظالما أو مظلوما. لقد تكلمت النقابة فى مصطلحات فنية لتعريف الخطأ المهنى والخطأ الجسيم والغاء الحبس الاحتياطى ومطالبتها بتعريف محدد للخطأ الجسيم والغاء الحبس كعقوبة نتيجة الأخطاء الغير جسيمة، وغير ذلك من الاعتراضات التى لاقى بعضها قبولا عن البرلمان، وبعضها لم يلقى قبولا، وتخوض النقابة حاليا تحديا قانونيا ومهنيا ربما هو الأكثر خطورة فى تاريخها.
لكننى أرجو أن يتساءل السادة النواب قبل إقرار حبس الطبيب، هل تم تعليم الطبيب فى كليات الطب وفق المتعارف عليه عالميا؟ هل المقررات العلمية التى يضعها احيانا مدرس حديث الحصول على الدكتوراه فى بعض الاقسام خصوصا فى الجامعات الاقليمية، هل هذه المقررات والملازم تصلح لتعليم طبيب المستقبل بشكل يجعله محترفا فى مهنته ومتجنبا للأخطاء الطبية؟ هل نظام الدراسة والامتحانات وطرق التقويم تفرز طبيبا متخرجا ملما بأساسيات الممارسة المهنية الصحيحة؟ هل التدريب الاكلينيكى قبل التخرج وبعده يتم وفق القواعد المتبعة عالميا ووفق ضوابط تضمن استفادة جميع الأطباء من التدريب؟.
هل الطبيب الخريج يتلقى نفس فرص التدريب كما يتلقاها أى طبيب حديث التخرج فى أى دولة أخرى؟
هل مستشفياتنا لديها نفس الإمكانيات ومعايير الجودة وبها الحد الأدنى من متطلبات التدريب للاطباء سواءا كانوا نواب أو متدربين زمالة؟.
هل نظامنا الصحى الذى يشمل مستشفيات جامعية وعامة ومركزية وتعليمية وأمانة وتأمين صحى ….الخ، هل يتلقى الأطباء في هذه المنظومات الطبية المختلفة الإمكانيات والسياسات والمقومات المادية والبشرية، هل يتلقى الأطباء فيها نفس التدريب ونفس المهارات حتى يخضعوا لنفس القانون ويحاكمهم نفس القاضى؟.
هل وفرت للطبيب راتبا يستره ويغنيه عن اللف على المستوصفات والمراكز الخاصة ليكسب بعض الجنيهات التى تعينه على هذه الحياة الصعبة؟.
إن طبيبا لم تعلمه كما يجب، ولم تدربه كما يجب، واعطيته راتبا لا يكاد يكفى اساسيات حياته ومصاريف دراسته العليا، فكيف بالله عليك أن تضع له قانونا يحبسه؟.
أنا مع حبس الطبيب طبعا إذا أهمل وتسبب فى قتل انسان، لكن كم طبيبا يفعل ذلك؟ أكاد أجزم أنه لا يوجد طبيب يفعل ذلك، ومن واقع الخبرة الطويلة فى معايشة شكاوى الإهمال الطبى ضد الأطباء، فإننى أقول إن جميع الأخطاء تقريبا كانت لم تخرج عن مضاعفات واردة فى مثل حالة المريض الشاكى، أو ضعف إمكانيات فى مكان حدوث الواقعة أو خطأ غير مقصود نتيجة قصور فى التعليم والتدريب.
ياسادة، الإسكندر الأكبر له مقولة شهيرة، حيث قال ” من الصعب أن تكون إمبراطورا بين يدي الطبيب”، لذلك، أرجو أن يتأمل كل واحد من اولى الامر فى هذا الشأن حاله، فربما لا قدر الله وضعته الظروف فى وضع يحتاج إلى قرار شجاع من طبيب شجاع لا يهدده السجن فيتخذ القرار الذى ينقذ روحه، وينقلب حزنه وخوفه على حياته فرحا له ولأهله.
انقذوا ابنائي من خوف الحبس، فهم الأمناء بتوفيق الله على حياتكم.