[ الصفحة الأولى ]سفر وطيران

رغم حزم القوانين ..عاملات المنازل بتونس فئة اجتماعية مهمشة

أمضت وزارات تونسية اتفاقية شراكة لتنفيذ قانون يتعلق بتنظيم وضعية العاملات المنزليات وإدراجهن ضمن الاقتصاد التشاركي، فضلا عن حمايتهن من التعرض للحوادث أثناء القيام بعملهن، في خطوة يرى مراقبون أن من شأنها تنظّم هذا القطاع المهمّش، وسط دعوات للدولة إلى ضرورة تفعيل القانون ضدّ المخالفين وتعاني عاملات المنازل في تونس من التهميش ويعشن وضعيات اجتماعية صعبة.

يتواصل غياب الإحصائيّات الرسمية حول عدد العاملات المنزليات في تونس، ما يمثّل مؤشرا جديّا على تهميشهنّ طبقيا واجتماعيا واقتصاديا. وظل العمل المنزلي لعقود مجالا غير مهيكل، حيث لا توجد أرقام رسمية لعدد العاملات، لكن وزارة المرأة قدرت العدد بنحو 40 ألفا، فيما اعتبرت جمعيات نسوية حقوقية أن العدد يبلغ نحو 70 ألفا.

ووقّعت وزارات الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن والشؤون الاجتماعية والتشغيل والتكوين المهني، مؤخرا، بقصر الحكومة بالقصبة، اتفاقية شراكة من أجل حسن تنفيذ القانون عدد 37 لسنة 2021 المتعلق بتنظيم العمل المنزلي.

وقالت آمال بلحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، إن “هذه الاتفاقية تعد انطلاقة فعلية لتعديل مسار هذه الفئة المجتمعية وتكريس حق عملة المنازل في العمل اللائق دون تمييز واحترام الكرامة الإنسانية”، موضّحة أن “القانون عدد 37 لسنة 2021 المتعلق بتنظيم العمل المنزلي الذي جاء ببادرة من الوزارة، يهدف إلى الحفاظ على كرامة عملة المنازل ورفع جميع أشكال الهشاشة عنهم لتمكينهم من جميع الحقوق على غرار بقية الفئات الشغلية”.

وفسرت الوزيرة “لحسن تنفيذ القانون 37 عملت وزارات الشؤون الاجتماعية والتشغيل والتكوين المهني والعدل والداخلية، وفق مقاربة تشاركية لصياغة أنموذج عقد عمل منزلي لتنظيم العلاقة الشغلية بين العامل وصاحب العمل وصياغة دليل إجراءات خاصة به”.

ويهدف عقد العمل المنزلي إلى حماية عملة المنازل والانتقال بهذه الفئة من العمل غير المنظم إلى العمل المنظم، ومن كل أشكال الاستغلال والظروف غير اللائقة إلى الحماية والتمكين والعمل اللائق.

وكشفت شهادات رصدتها مواقع صحفية أن النسوة العاملات في هذا المجال، يتعرضن لكافة أوجه الاستغلال الاقتصادي والعنف اللفظي، فضلا عن تفشي ظاهرة تشغيل القاصرات في هذا القطاع.

وأفادت نائلة (41 سنة)، وهي عاملة منزلية، “أعمل في هذا المجال منذ 15 سنة دون تغطية اجتماعية”، لافتة إلى أن “أجر العمل بصفة يومية يبلغ ما بين 30 و40 دينارا (بين 9.52 و12.69 دولارا)، وبصفة شهرية بين 12 و15 دينارا (3.81 دولار و4.76 دولار) لليوم الواحد.

وأوضحت أن “الراتب الشهري يتراوح بين 380 و420 دينارا، (120.54 و133.23 دولارا)، مع العمل من الساعة الثامنة صباحا حتى الثالثة وأحيانا الخامسة مساء”.

وأضافت العاملة المنزلية “هناك من العاملات من يتعرّضن للإهانة والاعتداء بالعنف وهضم حقوقهن المادية، فضلا عن تجويعهنّ وحرمانهنّ من أبسط الحقوق”.

وتابعت “لدّي وعي بمضمون القانون المنظّم لشغل العاملات المنزليات، وأتمنى أن يتم تطبيقه، لكن أصحاب المنازل يرفضون ذلك، وكل عاملة تطالب باحترام حقوقها يتم التخلي عنها أو طردها”.

ولا تختلف وضعية زميلتها إشراف (32 سنة) كثيرا، حيث قالت من المفروض أن نتمتع بتغطية اجتماعية بعد مرور 3 أشهر من مباشرة عملنا، لكن هذا لم يحصل، مع الحصول على مرتب أدنى قدره 500 دينار (158.61 دولارا)، لكن حاليا لا أحصل إلا على مبلغ 400 دينار (126.88 دولارا)”.
وأضافت “هناك أسر تحسن معاملة العاملات المنزليات وأخرى تسيء لهنّ بسلوكات مهينة وعنيفة أحيانا”.

قطاع خارج سلطة التشريعات

ويلتزم صاحب المنزل بمقتضى أنموذج عقد العمل المنزلي بالخصوص، بتوفير المواد الأولية الضرورية لإنجاز العمل المنزلي وتوفير ظروف العمل اللائق للعاملة ومطابقة شروط الصحة والسلامة المهنية وإيداع نظير من عقد العمل المنزلي لدى مكتب التشغيل والعمل المستقل ولدى قسم تفقدية الشغل، فضلا عن تسجيل العاملة المنزلية لدى صندوق الضمان الاجتماعي وخلاص المساهمات المستجوبة وفقا للتراتيب والإجراءات الجاري بها العمل في المجال.

كما يلتزم العامل بالخصوص بوجوب توخي سلوك مهني ومثالي قوامه الأمانة والانضباط والمواظبة على العمل وموافاة صاحب العمل بما يفيد السلامة من الأمراض المعدية والخضوع للرقابة الطبية عند الاقتضاء، إلى جانب المحافظة على سرية المعطيات الشخصية للعائلة المشغلة حتى بعد الانقطاع عن العمل، واحترام توقيت العمل وعدم القيام بأعمال من شأنها إلحاق الضرر بمصالح صاحب العمل أو غيره.

نجاة الزموري: دور الدولة مهم في التعريف بقانون العاملات

ويقول مراقبون إن هؤلاء النسوة هنّ ضحايا في المجتمع التونسي، حيث لم تشملهنّ المنظومة التعليمية ولا الاقتصادية، علاوة عن استغلال أُسري بالتواطؤ على بيعهنّ منذ الصغر، في غياب قانون ينظم المهنة ويضمن الحقوق.

آمال بلحاج موسى: هذه الاتفاقية تعد انطلاقة فعلية لتعديل مسار العاملات
آمال بلحاج موسى: هذه الاتفاقية تعد انطلاقة فعلية لتعديل مسار العاملات
وأفادت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن “وضعية عاملات المنازل تكاد تكون اتجارا بالبشر وعبودية، باعتبار العمل منذ الصباح إلى الليل وبرواتب ضعيفة يتقاضاها أبو العاملة في أغلب الأحيان، باعتبار أن أغلب العاملات من القاصرات”.

وأكّدت في تصريحات أرجو أن يتم تفعيل هذه الاتفاقية، وإذا لم يتم تطبيق القانون ستحدث إخلالات وتجاوزات، منها صمت المنتفعة والآباء الذين يشغّلون بناتهم من أجل ضمان دخل شهري قار أمام تجاوزات صاحب المنزل، وهذا ما يستدعي وجود دور قوي للدولة لوضع آليات لازمة لتطبيق القانون وعدم الإفلات من العقاب”.

وأضافت الزموري “إذا رفض صاحب المنزل تشغيل العاملة مع التغطية الاجتماعية وتوفير الظروف المناسبة للعمل دون هضم حقوقها، يمكن للعاملة أن تشتكي للسلطات المعنية، وبالتالي دور الدولة مهمّ في التعريف بالقانون وتنظيم دورات تكوينية، خصوصا وأن المستوى التعليمي لأغلب العاملات ضعيف”.

وكشفت دراسات سابقة أن الغالبيّة الساحقة من عاملات المنازل (97 في المئة) يشتغلن دون عقود عمل، ودون نظام حيطة اجتماعية أو تأمين، كما لا تتمتّع معظم العاملات بعطلة أسبوعية أو عطلة سنوية خالصة الأجر، ممّا يدفعهنّ، في معظم الأحيان، إلى العمل أكثر من طاقتهنّ لتحصيل ما يكفي لمعيشتهنّ ومعيشة أسرهنّ.

ويتراوح عدد ساعات العمل للعاملات المنزليات العرضيات بين 6 و8 ساعات يوميا، فضلا عن صعوبة التنقّل، وتحملّهنّ مختلف الأعمال المنزلية في عائلاتهنّ، أمّا العاملات المنزليات المقيمات فلا يقلّ عملهنّ عن 9 ساعات يوميا، وأحيانا 14 ساعة.

ولا يقلّ مستوى الرواتب عن 400 دينار، أي أقلّ من الراتب الأدنى المضمون لدى 40 في المئة من العاملات المعنيّات بنظام الراتب الشهري، في حين لا يتجاوز 600 دينار لدى 90 في المئة منهنّ. وأكد وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أن “القانون عدد 37 لسنة 2021 والمتعلق بتنظيم العمل المنزلي في تونس لن يكون كافيا ما لم توضع آلياته التنفيذية”.

ودعا الزاهي، خلال حضوره موكب الإعلان عن أنموذج عقد العمل المنزلي، إلى المزيد من مضاعفة الجهود بين الهياكل المعنية من أجل تحسين ظروف العمل بالنسبة للعاملات المنزليات، وإطلاعهن على حقوقهن والتبليغ عن التجاوزات التي يتعرضن إليها.

وأشار وزير الشؤون الاجتماعية إلى أن “الوزارة ستعمل عبر هياكلها الرقابية والفنية وبالتنسيق مع شركائها على إنفاذ هذا القانون وتدعيم حقوق هذه الفئة وحمايتها من كل أشكال التمييز، التي يمكن أن تمسها”.

ضحايا في المجتمع التونسي لم تشملهنّ المنظومة التعليمية ولا الاقتصادية.

وعلى الرغم من تشديد العقوبات من الحكومة التونسية على مشغلي الفتيات القاصرات كعاملات منزليات، إلا أن الظاهرة بصدد التفاقم.

وتبلغ نسبة العاملات بالمنازل اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و17 عاما 17.5 في المئة، ويعشن بلا حماية ولا يعرفن حقوقهن ويعانين من هشاشة بدنية بحكم صغر سنهن، إلى جانب عدم تأهيلهن وتكوينهن.

محافظات تونسية مصدرة للعاملات.

وتتصدر ولاية (محافظة) جندوبة (شمال) قائمة الولايات المصدرة في مجال تشغيل الفتيات القاصرات كعاملات منزليات بنسبة 27.4 في المئة، ثم القصرين والقيروان بنسبة 16.4 في المئة، ثم بنزرت بنسبة 9.6 في المئة، وقد وصل الأمر في محافظة جندوبة إلى حدّ إقامة سوق أسبوعية في الغرض، وفق دراسة نشرتها جمعية النساء التونسيات للبحث حول التمنية.

وتفضّل بعض الأسر التونسية الاستنجاد بخدمات عاملات أفريقيات، لأسباب تتعلّق أساسا بأنهن يقبلن براتب أدنى، فضلا عن جديتهن في العمل.

وتمكّنت اليد العاملة الأفريقية من اكتساب مكان لها في سوق الشغل المنزلي بفضل قدرتها التنافسية مع اليد العاملة التونسية على مستوى الراتب، ويتكفل وسطاء باستجلاب الفتيات من دول جنوب الصحراء وخصوصا من دولة الكوت ديفوار.

إذا رفض صاحب المنزل تشغيل العاملة مع التغطية الاجتماعية، يمكن لها أن تشتكي للسلطات المعنية

وفي وقت سابق، كشفت دراسة نوعية أعدتها جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية عن انتشار ظاهرة استغلال الأفريقيات المهاجرات كعاملات منزليات في تونس، وانضمام الفتيات التونسيات الجامعيات أو صاحبات الشهائد العليا إلى هذا القطاع.

وقالت رئيسة الجمعية كلثوم كنو إن “هذه الدراسة قد أثبتت أن العمل المنزلي ما زال في قسم كبير منه ضمن القطاع غير المهيكل، ويعتبر عملا هشا وشاقا ومهينا إلى أبعد الحدود”.

وأظهرت الدراسة أن “الشغل في مجال العاملات المنزليات يجمع جملة من الخصائص المؤثرة سلبا في الاعتراف الاجتماعي بالمهنة واحترام حقوق الإنسان والتطوير المهني واحترام الذات، الأمر الذي يولد العديد من العوائق التي تحول دون المطالبة بالحق في العمل اللائق”.

ويجمع المراقبون على أن هذا القطاع لا يزال في الواقع خارج سلطة القانون، فقد اقتصر قانون 1965 على سحب التشريع المتعلّق بالتعويض عن أضرار حوادث الشغل والأمراض المهنية على عملة المنازل، وتحجير انتداب الأطفال الذين سنّهم دون 14 عاما، وفرض رقابة خاصّة على تشغيل من سنّهم بين 14 و16، قبل أن ينقّح سنة 2005 بزيادة سنتين على السنّ المشترطة، ثمّ جاء قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة في 2018 ليلغي معظم فصول قانون 1965، ويجرّم تشغيل الأطفال في المطلق، أي أقل من 18 سنة، والتوسّط في ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى