[ الصفحة الأولى ]تقارير وحوارات

الدكتور طلال أبوغزاله فى حوار خاص: السياحة ظاهرة معقدة

السيد الدمرداش

<<السياحة تحفز النمو الشامل والعادل
<<التقارب العربي هو الحل لقضايانا المشتركة
<< أنشاء المركز الدولي للسياحة الذكية لتعزيز دور القطاع في التنمية المستدامة

المتغيرات الدولية في العالم فرضت واقعاً جديداً والتعامل معها يحتاج الي تغيير في المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الدكتور طلال ابو غزالة  رجل الأعمال والخبير الأقتصادي الدولي، أحد أبرز الشخصيات المؤثرة فى العالم، يتمتع بالقدرة علي التحليل السياسي والاجتماعي، يؤمن بأهمية العمل العربي المشترك ويعمل علي تفعيله من خلال برامج ومشاريع متعددة ومتنوعة في معظم دول العالم.

طلال ابو غزاله مواطن عربي مهموم بقضايا الامة العربية لا يدخر جهدا في نشر الوعي السياحي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ينقل خبراته الى أجيال يؤمن بها وبدورها في تنمية الوعي العربي.

بوابة “أخبار السياحة” حاورته ، وفي هذا الحوار يوضح تاثير المتغيرات الدولية علي الاقتصاد العالمي.

<<المتغيرات السياسية والاقتصادية في العالم خلال الثلاث السنوات الماضية خلقت واقعًا اجتماعيًا جديدًا! كيف تقرأ ملف السياحة والسفر في ظل هذا المتغير؟

>> لقد دخلنا عصر المعرفة الذي به تُصنع الثّروة، ولكن من صُنع المعرفة فقط، فعلينا ألا نضيّع وقتنا في التقليد: صناعة، وزراعة، وسياحة، وبصفتي سفير السياحة لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (UNWTO)، وأرأس “مشروع السياحة الذكية” الذي يوجب الانتقال بنا من السياحة التقليدية إلى السياحة الذكية؟ ويصور كيفية حياتنا في منازلنا في عالم المعرفة، وأثر الذكاء الاصطناعي بها، أقول: إن السياحة تزدهر اعتمادًا على المعلومات، وأذكر أنه خلال مشاركتي كضيف شرف في منتدى ( Tourism Tech Adventures ) لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO) في مملكة البحرين، وكنّا في المراحل النهائية من إنشاء مشروع فريد باسم “المركز الدولي للسياحة الذكية” بهدف تعزيز دور السياحة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) من خلال الابتكار والتكنولوجيا.

السّياحة ظاهرة معقدة

ويضيف: السّياحة ظاهرة معقدة حيث تكون البيانات والمعلومات والمعرفة المتحصلة من السُّيَّاح أنفسهم، وممن حولهم، هي القاعدة، والأساس الجوهري للقدرة التنافسية بين الوجهات السياحية، وابتكاراتها، ومن منطلق أنني عضو في المجلس الاستشاري رفيع المستوى لصندوق الأمم المتحدة للتأثير الاجتماعي (UNSIF-HLAB) ورئيس المجلس الفخري لاتحاد التحضر المستدام (CSU) المعني بهدف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (UN SDG 11) فمن الضروري التركيز على تقنية الواقع الافتراضي، حيث يعد استخدامها واعدًا للسياحة الذكية، وتلعب دورًا كبيرًا في تنمية هذا القطاع، حيث يمتد تأثير السياحة إلى مختلف قطاعات الاقتصاد والمجتمع.

السياحة الترفيهية

وبعد، فبالإضافة إلى قيمة السياحة الترفيهية، فهي تجربة تثقيفية،وتعلّميّة؛لأنها تفتح نوافذ جديدة للثّقافات واللغات والأديان الأخرى وتسهل فهم تاريخ الشعوب، وطريقة حياتهم، وتزيل الحواجز أمام التواصل والتفاهم، ممّا يؤدي إلى التسامح مع الآخر.

وأخيرًا.. فإن الأثر الشامل للسياحة يجعلها أداة طبيعية تستطيع أن تسهم بفعالية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وفي حال تنفيذها بمسؤولية وبطريقة مستدامة، فإنّها تحفّز النمو الاقتصادي الشامل والعادل، وتخلق فرص عملخاصة للشباب والنساء، وتجذب الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا، وتخلق مشروعات صغيرة، وتوفر سبل كسب العيش في المجتمعات المحلية، وتحد من معدلات الفقر وتحمي البيئة.

السياحة الذكية
وبهذه الروح، ومن أجل تحقيق نتائج ملموسة، دخلت مجموعة طلال أبوغزاله في شراكة مع “منظمة السياحة العالمية”؛ لإنشاء مركز دوليّ للسّياحة الذّكيّة، وسيعمل المركزعلى تسويق الحلول التكنولوجية وتشجيعها؛ لتعزيز دور السّياحة في تحقيق أهداف التّنمية المستدامة من خلال استخدام الابتكارات والتكنولوجيا لجعل المقاصد السياحية أكثر ذكاءً، والحصول على نتائج أفضل.

<< سيادتك أكدت في تصريحات صحفية كثيرة أن العلاقات العربية البينية قد تؤثر بالإيجاب على ما يسمي “الاقتصاد العربي” في ظلّ الأزمة العالمية الأخيرة! فكيف تقرأ مستقبل العلاقات العربية في ظل الصراع الدولي، وتأثير الخلافات العربية على حركة السفر بين الدول العربيه في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها المنطقة العربية؟

>> يمكن أن نتبيّن واقع اقتصادات الدّول العربيّة عندما تنتهي الحرب العالميّة الجاريّة!، وبدلًا من التفكير والاكتراث لواقع اقتصادات الدول العربية، يجب الاستفادة من ظروف هذه الحرب؛ وهذا حكمة وليس انتهازًا للفرص.. فأقول لنفسي: إن لديّ فرصة في أي ظروف جميلة أوسيئة، ولا أنس أغنياء الحرب؛ فهنالك من يُغنى ويحقق النّجاح، وهناك من يفشل ويندثر، فقرارنا في يدنا، والمشكلة أنّنا ننتظر ماذا سيحدث حتى نقرّر “ما نفعله!”.
وإنني أخاطب دولنا العربية وشبابنا العربي بألا ينتظروا “ماذا سيحصل”، وأن يستفيدوا من الحرب،والأمر –يعني الكل -الشّركات والحُكّام؛ فمن مسؤوليتهم الحفاظ على مصالح شعوبهم، وحمايتها من سلبيّات الحرب، والاستفادة من الإيجابيّات، والحفاظ على ثلاثية الأمن:”الغذائي، والصحي، والمعلوماتيّ”.

<< كيف ذلك؟

> إنه بوضع خطة لحمايته، مع العلم بأنه لا يُشترط تأمين جميع المأكولات في الدنيا، بل تأمين الأساسيات؛ وذلك لاستطاعة دول العالم حتى البلدان الفقيرة منها أن تؤمّن كل ما هو أساسيّ لشعوبها، وأنادي بضرورة العمل على الاكتفاء الذاتي في الأساسيات لكل دولة عربية، وتحقيق التنمية الضرورية على مستوى الدولة، ولدينا في المنطقة العربيةهامش حركة؛ للتموضع بأقل قدر ممكن من الضّرر الذي لا بد منه من جراء الحرب العالميّة، وأخيرًا.. فلعله من المناسب أن يرتب معالي أمين عام جامعة الدول العربيةاجتماعًا عربيًّا على أيّ مستوى يراه؛ ليكون تشاوريًّا، وليس هادفا لاتخاذ أي قرارات أو مواقف، بل هو لتبادل الأفكار فيما يحقّق تحصين كلّ دولة، والوضع العربيّ بأكمله، فلقد “علمتني الحياة أنّ الأزمات هي فرص لمن يُحسن استغلالها”.

التقارب العربي بين البلدان العربية

<< أكدت في عدة لقاءات وتقارير إعلامية أن هناك تقاربًا عربيًّا في قضايا كثيرة، والواقع يؤكد أن هناك قيود على السّفر من دولة عربية إلى أخرى، إذًا كيف تتوقّع أنّ التّقارب في وجهات النظر العربيه يطال حرية التنقل بين الدول العربية؟

>> إن التقارب العربي بين البلدان العربية هو الحلّ، وسيكون لهذا مردود واضح على التقارب في القرار السياسي، والذي يمهد –بدوره – إلى التقارب الاقتصادي، وسيساهم في الاستقرار، وتبادل المنافعويمكّن من تبوء مواقع عالمية مرموقة، ورفع مستويات الثقة،وتأسيس مفهوم الدولة الواحدة، ورفع شعار: “مصلحتي من مصلحة الجميع”، وتدني شعار: “أنا أولا”، وتعزيز مبادئ الالتزام، والمساندة، والإخاء، والوحدة، والتكاملية.
علاوة على ما سيجعلنا أصلب عودًا؛ لمواجهة أزماتنا، ويدلنا على طرق الخلاص من مشكلاتنا مهما كبرت، ويوسّع من عوامل تميزنا.
وأخيرًا.. علينا إدراج التكامل الاقتصادي على سلّم أولوياتنا العربية، وإنّ الطريق الى التكامل الاقتصادي يتمثل في التباعد عن التبعية للغرب بالقدر الموازي للتقارب من العرب.

وبعد، فكم ظننا أنه بمجرد استخدامنا للمنتجات المعرفية، فسنصبح دولا منتجة، والجواب: لا، فلكي نصبح دولًا منتجة.. علينا الاعتماد على أنفسنا، وأن نطور أكثر مما نستهلك، وبالتالي سيزداد العالم العربي تقدمًا وازدهارًا لا تراجعًا وتخلفًا، وعلى الدّول العربيّة أن تنتهج خطّة قوميّة للتّحوّل إلى الصّناعات المعاصرة، وتطوير استراتيجيات تعليم وتدريب مستجيبة لتلك الخطة.

 

أزمة الطاقة في أوروبا وتأثيرها على حركة السفر

<< توقع خبراء الاقتصاد أن أزمة الطاقة في أوروبا ستسهم في زيادة أعداد المسافرينوارتفاع أعداد السُياح، والواقع يؤكد أنّ الزيادة في حركة السفر لا تتجاوز نسبة5%، فما تفسير سيادتك لذلك؟

> إنّنا نمر بمرحلة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية، والعالم مضطرب! ولقد اهتزت قيادة العالم، ولم يعد لأمريكا أي سلطة، حتى على الصين، وروسيا، وأصيبت المنظمات الدّولية بالشلل، وأهمها “مجلس الأمن” الذي من واجبه حفظ الأمن في العالم!وثمّة ما ستجرّه الحرب الرّوسيّة الأوكرانية: أعني ستجرّ حربًا عالمية ثالثة!ولا بد من وضع قواعد جديدة بديلة للنظام العالمي القائم “العاجز”؛ وينافس أمريكا على قيادة العالم (الصين وروسيا)، ومن جهة أخرى يدخل العالم اليوم في أزمات متتالية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية؛ فسيدخل مرحلة ما يعرف بـ Stagflation أي (Stagnation & Inflation) وهو “مزيج يترافق فيه الكساد في النّشاط التّجاريّ، إلى جانب غلاء الأسعار.. رغم توفّر البضائع”، ومن الحِكمة الجاهزيّة للتّعامل مع أيّ إعصار داخليّ أو عالميّ!، ومن الحكمة أن نقلق على التّغيّر الذي سيصيبنا، وأثره على مستقبلنا، وإنّ قلقنا هذا ليس تشاؤمًا، بل هو من التّخطيط، وعلينا أن نُعدّ العُدّة؛ لمواجهة ما قد يأتي من أزمات “الطّاقة واحدة منها”.

ولا نُسيء الظنّ بقدراتنا، ولا بمُفكّرينا..ويجب ألا نصاب بالإحباط، وعلينا تطبيق (الحِمَائِيّة) وفق المؤشّرات العامّة والمعايير الدّوليّة. كما لا أشك أنّ لأي أزمة تأثيرها.. ففي عالم “دبلوماسية الاقتصاد” كلّ الأوراق تكون مطروحة، وما غاب في الأزمة، سيحضر في الحلّ.. وقد قلت: إن الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من خمس دول كبرى ستتضرّر من أزمات ما بعد الوباء، وإنّ هناك تدهورًا كبيرًا سيحدث في أسعار الدّولار، وأن ثمّة منافسة قوية بين الأحلاف والعملات على (سيادة تجارة العالم)، وما نشهده، وسنشهده من أزمات هو أمر طبيعي؛ بسبب رغبة أمريكا في معالجة الضّرر الاقتصادي عليها، وبالتالي كسب حرب العملات والسيادة العالمية.

الاستثمار بالطاقة المتجددة حلّ جذري لمشكلات اقتصادية

أمّا أثرها فسيكون محدودًا على كل ما ومن يحيط بها، وتؤشر الأزمات المتتالية إلى تشكّل حلف جديد -على الأقلّ اقتصاديًّا– يهتم بالإيرادات، على حساب أي توابع أخرى.. وهذا الأمر قديم– جديد! ولن يتأثر تجاريًّا العالم كله بسبب (صفقة) إنما ستتأثر المعاملات الكبرى والثقة بين الحلفاء أكثر.
وأخيرًا..فإن الاستثمار بالطاقة المتجددة حلّ جذري لمشكلات اقتصادية كبرى، لذلك – دائمًا ما أقول- يجب ألا نستسلم؛ لأن كل شيء له بديل، فالنفط مثلا يمكن استبداله بالطاقة الشّمسيّة، ولا حجة لنا.. ونحن نملك محطة طاقة شمسية هبة من ربنا عزّ وجل، والله تعالى أنعم علينا بالعقل لاستعماله، وهناك بدائل كثيرة! وما الذي يمنع عالمنا العربي من وجود مصنع للألواح، والاستغناء عن النفط، كمصدّر أول!.

مشروع عربي

<< حضرتك ما زلت تطالب بمشروع عروبي، فهل المتغيرات السياسية العربية والاقتصادية تسمح بهذا المشروع القومي العربي؟

>> نعم، وما زلت أطالب بهذا المشروع العروبي الذي سيرفع من شأن المنطقة العربية على مستوى العالم فنحن كأمة عربية نستطيع العيش دون الاعتماد على أحد، والبداية من وضع الخطط،وتقرير”ماذا نريد”، أو إنشاء وزارة خاصة لبحث هذا الموضوع”، والسؤال هو (كيف سيتم التنسيق بينها وبين الاقتصاد؟ )، علينا التفكير بسرعة، ويجب أن نقوم بتكليف الخبراء في المجالات جميعها، وبناء خطة بنية تحتية تعنى بالمعرفة وما يتصل بها، ولأجيب عن “كيف أنمي المعرفة؟”، فإنني أحتاج إلى بيئة منتجة للمخترعات المعرفية،وهي الطريق إلى الثروة؛ لأنه في المستقبل: الثروة لا تصنع إلا من الإبداعات المعرفية في حقول تقنية المعلومات والاتصالات، وكلنا يعرف أن أكبر شركات الدنيا لم تعد بنوكًا ولا عقارات، بل شركات معرفة، وعلى الدول العربية الامتناع عن نسخ سياسات دول متقدمة أومنافسة، والعودة إلى السياسات المتبناة والمطبقة كدول نامية تسعى إلى التطور وتحقيق الثروات، والتركيز على ما يحيطلإقليم العربي وما حوله، فليس هنالك قرار اقتصادي إلا فيه فائدة وفيه ضرر، وهناك مستفيد وهناك متضرر:”هكذا هي طبيعة الدنيا”.

وأخيرًا.. فقد صرّح أحد أصدقائي الكبار عندما تكلّمت عن الأزمة بأنّه يخالفني الرّأي، وأنّ بلاده ستكون في حالة ازدهار، فقلت له: هذا عظيم، وأتمنى أن أكون مخطئًا! وسعيد بأن تكون أنت على صواب؛ لأنّ ذلك ما أتمناه، ولكنني أتكلم عن أزمة عالمية لن يحكمها، لا أنت ولا أنا ولا أيّ دولة منفردة، وإنّني عندما أتحدّث –وما زلت أتحدث–فإنني أتحدّث عن شيء عالميّولا بدّ أن يمسّ الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى