تحديات استدامة الأعمال والخطوات الصحيحة لتجاوزها
بقلم: كارلو ستيلا، شريك في قطاع الطاقة والمرافق في “آرثر دي ليتل” الشرق الأوسط
باتت الاستدامة تشكل أولوية قصوى لقادة الأعمال أكثر من أي وقت مضى، وفي خضم التحديات التي يفرضها التغير المناخي وحالة عدم اليقين التي تكتنف الاقتصاد العالمي، بدأت المؤسسات عبر مختلف القطاعات في تحديد أهدافها والإعلان عن التزاماتها لدعم الجهود العالمية الرامية لضمان مستقبل أكثر استدامة. ومع ذلك، ورغم السيل الواسع من التعهدات والنوايا الحسنة، لا تزال هناك فجوة واضحة بين “القول” و”الفعل”، مع تداعيات ليس فقط على البيئة ولكن على أداء الأعمال أيضاً.
ووفقاً لدراسة عالمية أجرتها آرثر دي ليتل، أفادت نحو ثلاثة أرباع الشركات المشاركة في الاستبيان بأنه إما ليس لديها استراتيجية استدامة مطبقة أو أن الاستراتيجية الموضوعة لم تكن مفهومة تماماً من جانب موظفيها، ونجح نصف هذه الشركات فقط في تعديل كيفية إدارة الأعمال، و8% فقط في تغيير نماذج أعمالها.
وتشير هذه الأرقام إلى مشكلة واسعة النطاق والمتمثلة في أن المديرين وصناع القرار يواجهون تحديات حقيقية فيما يتعلق بترسيخ ثقافة الاستدامة في مؤسساتهم، الأمر الذي يعرض مستقبل أعمالهم للخطر. ومع زيادة حدة التنافسية في الأسواق، فإن الوضع الراهن مثير للقلق، ولكنه مفهوم أيضاً. وبالنسبة للشركات في جميع أنحاء العالم، فإن الاستدامة هي عملية تحول رئيسة تشمل الثقافة والتخطيط والمقاييس والحوكمة وإعداد التقارير وعقلية إدارة الأعمال أيضاً – وفي كل جانب من هذه الجوانب هناك تحديات تحتاج إلى حلول.
التحديات: يتطلب التنفيذ الناجح لبرامج الاستدامة نهجاً تحويلياً يساعد المؤسسات على التغلب على ستة تحديات رئيسة:
استراتيجية الاستدامة غير مفهومة: غالباً ما تكون استراتيجيات الاستدامة إما غير موجودة أو غير مفهومة من جانب الموظفين، وحتى بين تلك الشركات التي لديها استراتيجية مطبقة، أقر نحو ثلثي المشاركين في دراسة “آرثر دي ليتل” بأن تأثير استراتيجيات الاستدامة واتجاهها غير واضح بالنسبة للموظفين، مع الافتقار إلى معايير الاستدامة المفهومة بشكل عام، وضعف التواصل، وغياب الحوافز التي تعتبر عوامل مركزية.
عدم تغيير نماذج العمل: الاستدامة هي فرصة حقيقية بالنسبة للشركات لتعزيز استدمة أعمالها، ولكن لكي تنجح برامج الاستدامة يجب أن تمثل ركيزة أساسية لنماذج الأعمال. وبمجرد اعتبارها على أنها تمثل تكاليف أخرى يجب تحملها أو أن مطلب تنظيمي يجب الوفاء به، فإن فوائدها التحولية الحقيقية لن تتحقق.
لا يوجد توازن واضح بين الخطط قصيرة الأجل وطويلة الأجل: لتحقيق استراتيجيات الاستدامة، من الضروري أن تعمل الشركات على وضع مزيج من الأهداف طويلة الأجل وقصيرة الأجل. ولن يكون كافياً تحديد رؤية بعيدة المدى والتعهد بتحقيق الحياد المناخي بحلول عام معين، مثل 2050 – بل من الضروري أن يكون هناك خطة مدروسة ترسم الخطوات قصيرة المدى التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأهداف المنشودة.
عدم البحث عن شركاء الاستدامة عبر المنظومة الأوسع: لكي تنجح الشركات في إطلاق العنان للإمكانيات والفرص التي توفرها الاستدامة، يجب عليها البحث عن شركاء جدد خارج المنظومة التقليدية. وتعمل العديد من الشركات مسبقاً على زيادة تعاونها مع مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، لكنها بحاجة إلى المضي قدماً من خلال التعاون مع شركات التكنولوجيا ومزودي البيانات للحصول على أفكار ورؤى جديدة.
مجموعة واسعة من ممارسات الحوكمة تعيق التحكم: يتطلب التغيير الناجح موارد كافية وبيانات دقيقة وحوكمة قوية لضمان تحرك المؤسسة بأكملها في الاتجاه نفسه نحو تحقيق الأهداف المنشودة. ومن المهم أن تحدد المؤسسات المعايير اللازمة وحرص على قياسها عبر الأعمال، مع التاكد من معرفة كل شخص بالممارسات الجيدة الواجب تطبيقها، وفيما إذا كان لابد من دمج الحوكمة بشكل فعال في الأنشطة اليومية.
عدم القدرة على تتبع الأداء بالأدوات الصحيحة: تحتاج المؤسسات إلى أن تكون أكثر قدرة على تتبع وإظهار التقدم نحو التزاماتها الداخلية والخارجية بشكل فعّال، ومع ذلك فإن معظم الشركات تفشل في تحقيق ذلك بسبب افتقارها إلى أدوات القياس المرنة والقابلة للاستخدام. وفي الواقع، من بين المشاركين في استبيان “آرثر دي ليتل”، أفاد 43% بأنهم ليسوا واثقين من قدرتهم على تتبع الأداء في شركاتهم، بينما يمتلك 47% آخرون أدوات لكنهم يشعرون أنهم يحتاجون إلى المزيد من العمالة لتقديم القيمة الكاملة أعمال.
المسار نحو المستقبل
تحتاج الشركات إلى التركيز على أربع خطوات رئيسة لتحقيق تقدم فعال في برامج الاستدامة:
اعتماد نهج تعاوني مع منظومة من الشركاء: في الوقت الحالي، تتجه العديد من المؤسسات إلى التعاون مع شركاء تقليديين في سلسلة الإمداد للوفاء بمتطلبات الاستدامة، لكن حجم التحدي يتطلب نهجاً أكثر دائرياً يشمل شركاء غير تقليديين. ومن الضروري الإصغاء إلى مخاوف الشركاء ودمجها في الاستراتيجية المتبعة، مع تطوير معايير مشتركة أيضاً.
دمج مؤشرات الاستدامة وإعداد التقارير والأدوات: يجب على الشركات تحديد أهداف واضحة مستندة إلى العلم والتي يمكن فهمها – وقياسها بشكل فعال. ويعتمد فهم التقدم نحو أهداف الاستدامة على بيانات دقيقة يمكن استخدامها في الوقت المناسب لدعم كل قرار عمل. ومع الأهداف المستندة إلى العلم، هناك خطر كبير يتمثل في إمكانية الفشل في تحقيق الأهداف طويلة الأجل في حال فشلت الشركات في تحقيق أهدافها المرحلية نتيجة سوء التخطيط.
إعادة صياغة معايير ثقافة العمل وبناء قدرات جديدة: يشكل دمج ممارسات الاستدامة في العمليات الحالية عملية تحولية. وتحتاج الشركات إلى تبني التغييرات الثقافية بنجاح لضمان فهم جميع الموظفين لأهميتها وما تعنيه بالنسبة لأدوارهم. وكما هو الحال مع أي برنامج لتغيير الثقافة، يتطلب دمج متطلبات الاستدامة قدرات تواصل واضحة بين الموظفين؛ إضافة إلى تطوير لغة مشتركة حول الاستدامة؛ والتمتع بصفات قيادية قوية وحوافز واضحة؛ وتشجيع الموظفين على الاهتمام والمشاركة بفعالية بدلاً من فرض قوانين وقواعد جديدة.
التركيز على الابتكار والتكنولوجيا: تشكل التكنولوجيا الجديدة والمحسّنة ركيزة أساسية لمبادرات الاستدامة الناجحة، كما يساهم الابتكار في تسريع وتيرة التقدم في مجالات متنوعة مثل الطاقة الشمسية، وإعادة تدوير النفايات، والهيدروجين الأخضر. ومع نضوج مثل هذه التقنيات، تتناقص تكاليفها، ما يعزز إمكانية تطبيقها على نطاق واسع ويلبي متطلبات الاستدامة. ويجب أن تتطلع الشركات إلى تحقيق أهداف الاستدامة والابتكار معاً على نحو متناسق.
الفوائد التي ستجنيها الشركات: لطالما كان التقدم في دمج ممارسات الاستدامة في نماذج الأعمال بطيئاً، ولكن المشهد يتغير نحو الأفضل الآن، ويساهم التقدم التكنولوجي إلى جانب الأدوات التمكينية الجديدة، ونمو الطلب من جانب المستهلكين، وتطوير الممارسات الصحيحة والتمويل الأخضر بدور مهم في هذا التغيير. وفي ظل هذه التحولات والتطورات، يعتبر الوقت الآن مثالياً للتحرك – وستكون الإيجابيات عظيمة للشركات التي تشرع في مسارات التحول في مراحل مبكرة. وتشمل الإيجابيات التي يمكن أن تنتج عن تطبيق استراتيجيات الاستدامة الفعالة تحسين الكفاءة والأداء المالي، وخفض تكلفة رأس المال، وإشراك أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين بشكل أفضل، وتوفير فرص جديدة للنمو. وبكل تاكيد ستكون المكاسب التي ستحقهها الشركات كبيرة على كافة المستويات، سواءً على صعيد المساهمة في مكافحة التغير المناخي، أو جني فوائد كبيرة على مستوى الأعمال.