[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

هل أصيب الفراعنة بجدري القردة؟.. دراسة تكشف الحقيقة

كشفت دراسة علمية حديثة عن احتمالية أن يكون الفراعنة قد تعرَّضوا للإصابة بمرض جدري القردة، الأمر الذي يهدم التصور السائد بظهور هذا المرض سنة 1958.

واستند فريق بحثي أمريكي – مصري مشترك من وزارة الصحة الأمريكية وجامعتي كفر الشيخ وطنطا بمصر، لهذه الحقيقة، وتساءلوا في دراسة نُشرت في 23 أغسطس الماضي، بدورية «لانسيت ميكروب»، عن إمكانية العثور على أدلة تشير إلى إصابة المصري القديم بـ«جدري القردة» أيضاً، وذلك حسبما أفاد موقع «الشرق الأوسط» الإخباري.

واستعرض الباحثون في دراستهم الشواهد التي جعلتهم يرجحون إمكانية العثور على علامات لـ«جدري القردة» في المومياوات المصرية القديمة، بداية من الإشارة إلى دراسة موسعة كانت قد أجرتها المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، على المومياوات المصرية، وثقت من خلالها علامات تدل على وجود فيروس الجدري (على سبيل المثال، اندفاعات الجلد الحويصلية).

وقالوا إنه «بسبب التشابه بين كلا المرضين، هل كان من الممكن أن تكون تلك العلامات التي عثر عليها تخص (جدري القردة) بدلاً من الجدري»، مشيرين إلى أن هذا السؤال يستحق الإجابة، حيث لم تؤكد أو تنكر أي تحليلات حتى الآن هذا الرابط المعقول.

ويتشابه كلا الفيروسين من حيث التركيب الجيني، والعرض السريري، ولكن هذا التشابه الذي دفعهم لإثارة هذه الفرضية، قد يصطدم بحقيقة الاكتشاف الحديث نسبياً لفيروس جدري القردة «تم اكتشافه عام 1958»، لكن الباحث الرئيسي بالدراسة جعفر شاه، من وزارة الصحة بولاية نيويورك، ورفاقه المصريين، كانوا جاهزين بالرد، مستندين إلى دراسة قادتها مادلين تيي، من مركز البحوث الاستوائية بمعهد البيئة والاستدامة بجامعة كاليفورنيا، ونشرت في يناير (كانون الثاني) 2018 بدورية «رويال سوسيتي».

وخلال هذه الدراسة فحصت تيي وزملاؤها، نحو ألف عينة متحفية تم جمعها في فترة 120 عاماً. وكشفوا عن وجود فيروس (جدري القردة) في خمسة أنواع من السنجاب الأفريقي (Funisciurus sp)، وذلك في وقت مبكر من عام 1899.

واقترحت تيي وزملاؤها بناء على هذا الاكتشاف وجود «جدري القردة» في البشر والحيوانات المضيفة قبل الإعلان لأول مرة عن اكتشافه في عام 1958.

وسلطوا الضوء في دراستهم أيضاً على انتشار فيروس «جدري القردة»، عن طريق الانتقال من حيوان إلى إنسان، والذي مثل من 72 إلى 78 في المائة، من جميع حالات «جدري القردة» في الثمانينيات.

ودفع ذلك شاه ليقول في مقدمة دراسته: «يثير ذلك المزيد من التساؤل عما إذا كان تاريخ فيروس (جدري القردة) يعود إلى العصور القديمة، عندما كانت الحياة البرية هي البيئة المعيشية السائدة لأشخاص مثل المصريين القدماء».

ويوضح أن الأمراض المعدية (مثل الكوليرا والحصبة والإنفلونزا والجدري)، كانت شائعة جداً بين قدماء المصريين، وتسببت إما في الوفاة أو نقص المناعة لدى الأفراد المصابين، لذلك، يمكن أن يكون فيروس جدري القردة موجوداً بين المصريين القدماء.

ودعا إلى تحليل العينات التاريخية لمومياوات مصرية بحثاً عن أدلة على «جدري القردة».

وقال إن «تحليل عينات عمرها آلاف السنين، سيعطي تلميحات ورؤى حول تاريخ وتطور فيروس (جدري القردة)، كما أنه سيحسن من قدرتنا على التفسير والتنبؤ بتأثير الطفرات الجينية المختلفة الحديثة، وستساعدنا هذه الأفكار في إدارة ليس فقط تفشي مرض جدري القردة العالمي الأخير، ولكن أيضاً أي عدوى فيروسية حديثة أخرى».

وحتى يتم تحليل العينات والعثور على المادة الوراثية لفيروس «جدري القردة» بها، يظل الحديث عن احتمالية إصابة الفراعنة به مجرد تكهنات، كما يقول توماس سميث، مدير مركز أبحاث المناطق المدارية بمعهد البيئة والاستدامة بجامعة كاليفورنيا، أحد الباحثين المشاركين في دراسة «السنجاب الأفريقي»، التي استند إليها جعفر شاه وزملاؤه بالفريق البحثي.

وقال سميث: «بنفس الطريقة التي استخدمناها مع (السناجب الأفريقية) وقادتنا إلى العثور على المادة الوراثية لفيروس جدري القردة بتلك الحيوانات، يمكن أيضاً فحص المومياوات المشتبه في إصابتها بالجدري، بحثاً عن المادة الوراثية للفيروس، وتحديد إن كان الفيروس من نوع الجدري البشري أو (جدري القردة)».

وأضاف: «(جدري القردة) مادته الوراثية من نوع (دي إن إيه)، وهي تتميز بأنها أكثر استقراراً من المادة الوراثية (آر إن إيه)، وبالتالي، يمكن استرداد عينات (دي إن إيه) من الآفات الجلدية المشتبه بها على جلد المومياء، كما فعلنا مع السناجب الأفريقية في الدراسة المنشورة عام 2018».

ويتفق مع الرأي السابق، فرانشيسكو ماريا جالاسي، من كلية الآثار بجامعة فليندرز الأسترالية ومركز أبحاث (فاباب) بإيطاليا، والذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «على عكس إصابات فيروسية معينة لا يمكن حسمها، لأن مادتها الوراثية (آر إن إيه) مثل فيروس شلل الأطفال، فإن (جدري القردة)، مادته الوراثية (دي إن إيه)، أي أنه يمكن استردادها، وبالتالي فإن التخمينات التي أثارتها الدراسة يمكن حسمها أو نفيها بالبحث عن المادة الوراثية للفيروس».

ولفت فرانشيسكو إلى أنه في الماضي قبل تطور تقنيات استرداد المادة الوراثية من نوعية «دي إن إيه»، كان تشخيص الجدري في العينات القديمة يعتمد على شكل الآفات الجلدية، مثلما حدث مع مومياء رمسيس الخامس، ولكن تظل إصابة رمسيس الخامس بالجدري، مجرد تشخيص محتمل، إلى الآن، حتى يتم العثور على المادة الوراثية للفيروس».

ويدعم فرانشيسكو رأيه، بالإشارة إلى مومياء طفل، تعرف باسم (مومياء طفل أراغون)، البالغة من العمر 500 عام، والمدفونة في كنيسة في نابولي بإيطاليا، وكان هناك اعتقاد أن صاحبها أصيب بالجدري بسبب آفات على الوجه، ولكن بعد عقود من قيام الباحثين بفحصها لأول مرة، قام مجموعة من العلماء بإلقاء نظرة أخرى على رفات الطفل واكتشفوا أنه على الأرجح عانى صاحبها من مرض مختلف، وهو فيروس التهاب الكبد «بي»، وذلك بعد العثور على المادة الوراثية لهذا الفيروس.

واختتم تعليقه بالقول: «الآفات الموجودة على الجسم لا يمكنك الجذم بأنها (جدري القردة)، أو (الجدري البشري)، أو أي فيروس آخر، إلا بالعثور على المادة الوراثية للفيروس، وكانت هذه على سبيل المثال المشكلة الرئيسة التي واجهها طبيب الجلدية الأمريكي هوبكنز، عندما درس في عام 1980 مومياء رمسيس الخامس لتحديد ما إذا كان الفرعون قد مات بسبب «الجدري البشري»، وأذن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بنفسه بإجراء الدراسة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى