ثقافة وفنون

بعد إعلان ترميمه.. حكاية منزل كوكب الشرق أم كلثوم

على عيسى

كانت كوكب الشرق أم كلثوم، تعيش فى منزل ريفى بسيط، وله عدة أبواب تطل على حوش، وهو المنزل الذي شهد مولد أعظم مطربة عربية على مر العصور.

ويرصد كتاب حياة وأغاني أم كلثوم  طبعة سبعينيات القرن الماضي، وصفًا دقيقا للمنزل، حيث يؤكد أن المنزل كانت حجراته صغيرة، أما طوب الحجرات فكان ثلاثة أمتار وعرضه متران، وكان المنزل تقيم به الأسرة المكونة من الزوج وزوجته، وعدة أطفال، وفى إحدي هذه الحجرات رقدت الأم فاطمة المليجي وهى تئن من الوجع فى انتظار ابنتها التى تشغل العالم. وقد خافت الداية أن يغضب الزوج لأنها بنت، إلا أن الأب الذي كان يجلس على الأرض فى منزله، كان فرحا وسعيدا وأطلق عليها اسم أم كلثوم تيمنًا باسم إحدى بنات النبي عليه الصلاة والسلام .

لم يكن اسم أم كلثوم ، متداولًا فى قرية طماى ولا القرى المجاورة، لذا طلب أخوال البنت تسميتها بالأسماء الريفية المعروفة آنذاك مثل: خضرة ، وبدوية، وست الدار، لكن الأب رفض وصمم على تسميتها بأم كلثوم، ومن الطرائف الغريبة أن الأم كانت تشارك أهل القرية الاعتراض على الاسم لذا كانت تنادي بنتها باسم ثومة.

تقول أم كلثوم، إن والدها كان يعمل إماما لمسجد قرية طماي الزهايرة من أعمال مركز السنبلاوين دقهلية، وكان مرتبه من الإمامة لا يكفى لإعانة الأسرة المكونة من أربعة أفراد، حيث كان دخله لا يزيد على عشرين قرشا شهريا، لذا كان يعمل عملا إضافيا، وهو القراءة فى الموالد، وتؤكد أم كلثوم، أنها لا تعرف كيف كنا نعيش بهذا المبلغ البسيط.

أول صورة كانت تتذكرها أم كلثوم فى منزلها الريفي هى جدتها نصرة، والدة أبوها، وكانت الجدة سمراء ذات تقاطيع جميلة وكانت ترتدي دائما جلبابًا أسود، وطرحة سوداء، وقد قامت الجدة بالجلوس فى منزل ابنها تصنع لبنت ابنها عروسة من القماش، وحين دخلت أم كلثوم مرحلة الطفولة ألحت على والدها دخول الكتاب كى تتعلم مثل شقيقها خالد، لكن الأب لم يكن معه ثمن الكتاب وهو قرش، ولكن بعد إلحاح من الطفلة والأم وافق، تقول أم كلثوم لم أسمع من أبي وأمي فى يوم من الأيام شكوي بصوت مسموع من الفقر والحرمان الذي كنا نعيش فيه، كانا دائما يحاولان إخفاء الضيق والفقر، وكانت أم كلثوم تخرج من شرفة منزلها لتخاطب السماء بصوت غير مسموع كانت تقول دائما يارب ساعد أمي.

واصلت أم كلثوم الخروج من منزلها الريفي لتتعلم فى الكتاب، وفى يوم أساءت لها تلميذة، فقامت بتكسير ألواح كتاب زميلتها، بل أدخلت شيخ الكتاب فى أزمة، حين دخل مفتش وزارة المعارف الكتاب ولم يجده، لذا قام الشيخ باضطهادها، إلا أنه حين مات مشيت خلف جنازته حتى المقابر، وقرر والدها أن تتعلم فى كتاب آخر مع أخيها خالد، وقد كانت تقطع مسافة ٦ كيلو مترات يوميا للوصول للكتاب، وتؤكد أم كلثوم أنها كانت تلعب لعبة كرسي السلطان، اللعبة التى كانت شهيرة فى الأرياف آنذاك، وهى اللعبة التى حببتها فى الكتاب أيضا.

فى أحد الأعياد سمعت الطفلة أم كلثوم والدها يقول لوالدتها مش معايا ثمن ملابس العيد، لتقول البنت لوالدتها مش عاوزة جلابية العيد، وفى المنزل اكتشف بالصدفة الوالد موهبة أم كلثوم فى التواشيح، وقرر اصطحابها، وقد كانت تلبس العقال العربي هى وأخوها حيث توجد صورة فوتوغرافية شهيرة لها وهى ترتدي العقال، وقد استقلت أم كلثوم لأول مرة القطار من محطة السنبلاوين إلي محطة الشقوق، وكانت الدار الوحيدة التى غنت فيها وهى صغيرة هى دار توفيق بك زاهر، وهو أول من تنبأ لها بمستقبل باهر. ثم بدأت أم كلثوم تنتقل من مركز لمركز، وفى عام ١٩١٥م كانت أم كلثوم تركب حمارا ويسير أبوها وأخوها بجوارها، وفى عام ١٩١٦م كان الثلاثة يركبون كل واحد منهم حمارًا للتنقل، وعام ١٩١٩م ركبت أم كلثوم قطار الدرجة الثالثة، وقد ارتفع أجرها بارتفاع سعر القطن.

فى ٢٧ يناير من عام ١٩٢٥م استقرت أم كلثوم فى القاهرة، وتقوم بصوتها العذب بافتتاح الإذاعة، ولولا أم كلثوم لما ظل للموسيقى العربية طابعها، فقد نقلت الأغنية العربية من جو التواشيح للقصيدة، وقد استمرت تخدم وطنها، وقريتها حيث تبرعت بأرض للتعاون الزراعي، وفى نكسة ١٩٦٧م ، جعلت كل حفلاتها لخدمة مصر، وظلت حتى آخر حياتها الصوت الذي يجمع الأمة العربية من المحيط للخليج.

 

الجدير أن آية عمر القماري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة حياة كريمة، أعلنت أن المطربة الكبيرة أم كلثوم قيمة وقامة لمصر وجزء من التراث المصري الأصيل، والذي على الجميع الحفاظ علي منزلها، كما أعلنت أن مؤسسة حياة كريمة ستتكفل لترميم منزل كوكب الشرق أم كلثوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى