[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

«القاهرة الخديوية» .. باريس الشرق

علي الرغم من أن التطوير عرف طريقه إلي قلب القاهرة الحديثة في عهد محمد علي باشا إلا أن النهضة العمرانية الحقيقية، بدأت بها بشكل جدي ومدروس ومخطط له، في عهد الخديو إسماعيل بن إبراهيم باشا، أكبر أبناء محمد علي.

وعرفت القاهرة في عهد محمد علي باشا عرفت التنظيم والتطوير من خلال تركيز الصناعات والحرف في منطقة السبتية، بشمال شرق بولاق، وإزالة الأنقاض والقمامة من حولها، وردم البرك والمستنقعات المنتشرة فيها، وتحويل مساحات شاسعة منها إلي حدائق ومتنزهات، حتي إن محمد علي أصدر قراراً عام 1831 ميلادية أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ في العام 1843 مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها. وفي العام 1846 تم توسعة شارع الموسكي، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها.

كما عمل علي تشييد القصور الملكية الفخمة الموقعة بأسماء مصممين معماريين من إيطاليا وفرنسا، مشترطاً عليهم أن يعلم كل خبير هندسي منهم، 4 مصريين، فنون العمارة والتشييد.

وكان في مقدمة تلك القصور، قصر محمد علي باشا بحي شبرا الذي تم تجديده من قبل وزارة الثقافة منذ عدة سنوات، وقصر الجوهرة في قلعة صلاح الدين الأيوبي، وقصر النيل، وقصر القبة.

وعلي الرغم من توالي ثلاثة خلفاء علي حكم مصر بعد محمد علي باشا، بدءً من العام 1847 الذي تولي فيه إبراهيم باشا الحكم، مروراً بعباس الأول عام 1848، وسعيد باشا عام 1854، إلا أن إسهاماتهم في مجال العمارة لم تكن بالشيء الملموس الذي يمكن التأريخ له إلا فيما ندر، مثل قصر الروضة في عهد إبراهيم، وإنشاء حي العباسية في عهد عباس الأول، وحفر قناة السويس في عهد سعيد. علي عكس عهد إسماعيل باشا الذي تميز بانفجار معماري علي المستويات كافة.

وعند تولي الخديوي إسماعيل الحكم عام 1863، كانت حدود القاهرة تمتد من منطقة القلعة شرقاً، إلي مدافن الأزبكية وميدان العتبة غرباً، يغلب عليها التدهور العمراني في أحيائها، ويفصلها عن النيل عدد من البرك والمستنقعات والتلال والمقابر، بمساحة لا تتخطي 500 فدان، وكان تعداد سكانها في ذلك الوقت لا يتجاوز 279 ألف نسمة.

في زيارة الخديوي إسماعيل لباريس عام 1867 لحضور المعرض العالمي، طلب الخديوي إسماعيل شخصيًا من الإمبراطور نابليون الثالث أن يقوم المخطط الفرنسي «هاوسمان» الذي قام بتخطيط باريس بتخطيط القاهرة الخديوية، وفي مقابلة التكليف بين الخديوي إسماعيل وهاوسمان، طلب من هاوسمان أن يحضر معه إلى القاهرة كل بستاني وفنان مطلوب لتحقيق خططه، مما جعل هاوسمان يلتفت إلى نوبار باشا قائلاً: “إن نائب السلطان (إسماعيل) يطلب مني أن أحضر البستانيين والفنانين من كل نوع، حسناً بإمكاني أن أمده بهم، ولكن هل لديكم في مصر رجل يجعل هؤلاء المأفونين يعملوا”.

تخطيط القاهرة الخديوية وعلى رأسه هاوسمان حول القاهرة إلى تحفة حضارية تنافس أجمل مدن العالم، ليطلق عليها كتاب الغرب حينذاك «باريس الشرق». وتمثل القاهرة الخديوية بداية العمران المصري في صورته الحديثة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهي تعد من المشروعات العالمية البارزة التي تمت في ذلك القرن لما بني عليه تخطيطها من دراسات للتخطيط، والتعمير الشامل، وتحطيم عوائق التنفيذ لإخراجها سريعًا إلى حيز الوجود، وبالشكل الذي يجعلها تضاهي أجمل مدن العالم.

في عام 1872 افتتح إسماعيل شارع محمد علي بالقلعة بطول 2.5 كيلومتر، فيما بين باب الحديد والقلعة على خط مستقيم، وزانه على الجانبين بما يعرف بالبواكي .. وفي العام نفسه افتتح كوبري قصر النيل على نهر النيل بطول 406 أمتار، وكان يعد آنذاك من أجمل قناطر العالم، حيث زُيّن بتماثيل برونزية لأربعة من السباع (الأسود) نحتت خصيصًا في إيطاليا .. كما افتتح أيضًا كوبري أبو العلا على النيل على بعد كيلو متر تقريبًا من الجسر الأول، والذي صممه المهندس الفرنسي الشهير «جوستاف إيفل»، صاحب تصميم البرج الشهير بباريس، وتمثال الحرية بنيويورك .. وقد تم رفع هذا الجسر منذ عدة سنوات لعدم قدرته على تحمل الضغط المروري الكثيف بين أحياء القاهرة والجيزة، وتابع ذلك شق شارع كلوت بك، وافتتاح دار الأوبرا المصرية عام 1875، ثم أنشأ السكة الحديد وخطوط الترام لربط أحياء العتبة والعباسية وشبرا، وتم ردم البرك والمستنقعات للتغيير من حدود المدينة، وتحويل مجرى النيل، حيث كان يمر ببولاق الدكرور وبمحاذاة شارع الدقي، حاليًا، وتزامن ذلك مع تنفيذ شبكة المياه والصرف الصحي، والإنارة، ورصف شوارع القاهرة بالبلاط، وعمل أرصفة، وأفاريز للمشاة، وتخطيط الحدائق التي جلبت أشجارها من الصين، والهند.

زر الذهاب إلى الأعلى