[ الصفحة الأولى ]تاريخ وحضارة

حفائر الخروبة تؤكد قبضة مصر عسكريًا وإداريًا وتجاريًا على سيناء

د. عبد الرحيم ريحان

تل الخروبة بشمال سيناء التى أطلقت عليها سلطة الاحتلال “هاروفيت” وذلك لتهويد آثار سيناء، كما أطلقت على قلعة اكتشفوها فى “عين المويلح” 5كم غرب القصيمة بوسط سيناء اسم أحد علمائهم “يوهانان أهارونى” وبعد قيام الدكتور محمد كمال مدير عام آثار شمال سيناء الأسبق بأعمال حفائر بها عام 2010 أطلق عليها اسم المويلح نسبة إلى عين المويلح
كما تم محو اللوحات العبرية بمشاركة الدكتور محمد عبد المقصود مدير عام آثار شمال سيناء الأسبق وأمين عام المجلس الأعلى للآثار الأسبق والتى قامت سلطات الاحتلال بوضعها على المواقع الأثرية بجنوب سيناء مثل وادى فيران ووادى المغارة وسرابيط الخادم ووادى النصب، وهذه اللوحات أغفلت الأسماء العربية لهذه المواقع من آثار سيناء إمعانًا فى تهويد آثار سيناء
تل الخروبة هى أحد التلال الأثرية الهامة التي تقع على الطريق الحربي القديم الواصل بين مصر وفلسطين والذي يبدأ عند منطقة طريق حورس (تلال حبوة) بالقنطرة شرق حتى مدينة رفح، وتقع الخروبة على طول الطريق بين رفح والعريش على بعد حوالي 30كم غرب رفح، 15 كم غرب الشيخ زويد ، 16 كم شمال شرق العريش.

تم توثيق محطة طريق الخروبة (نسبة إلى شجرة الخروب) التي تعود إلى القرون الوسطى في مصادر تعود إلى القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين ويبدو أنها مهجورة منذ القرن السادس عشر الميلادي، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين ظهرت أسماء الخروبة وبئر الخروبة وخربة أم الخروبة في نفس المنطقة ويبدو أن اسم الخروبة يظهر مرة أخرى في حوالي أعوام 1798-1801 بالقرب من أحد آبار المياه هناك حيث كان يعيش زعيم قبيلة السواركة مع عدد كبير من رجاله وبسبب كثرة الأمطار أمكن زراعة الشعير.

وبحسب رواية العالم الفرنسي جان كليدا (الذي كان يقوم بالحفر والتنقيب بإقليم القناة وسيناء بتمويل من الشركة العالمية لقناة السويس البحرية وأحيانًا من وزارة الأشغال المصرية) الخروبة هي مركز بدو السواركة وبجانب أكواخهم وخيامهم توجد الآثار القديمة المسماة خربة البرج وحدد كليدا مكان الخروبة بأحد المحطات التي تعود إلى القرون الوسطى.

حفائر غير شرعية

قامت سلطة الاحتلال الإسرائيلى بأعمال حفائر غير شرعية بواسطة بعثة جامعة بن جوريون برئاسة أليعاذر أورين في الفترة من 1979 وحتى 1982 وأقام الإسرائيليون بمنطقة الخروبة مستوطنة زراعية (موشاف هاروفيت) وتُعني مستوطنة زراعية بموضع الخروبة أنشئت عام 1975 وتم تفكيكها عام 1983على بعد حوالي 16كم شمال شرق العريش وسُميت بهذا الاسم نسبة إلى المكان المجاور الخروبة وكانت القاعدة التي انطلق منها فريق بعثة جامعة بن جوريون برئاسة أليعاذر أورين للتنقيب في المنطقة.


أسفرت أعمال الحفائر عن تحديد عدة مواقع بلغت نحو أكثر من عشرين موقع أثري تمتد في منطقة صغيرة نسبيا (4 – 5 كيلو متر مربع) من الكثبان الرملية أخذت هذه المواقع أرقام يسبقها الحرف اللاتيني A، والذي يشمل كافة المواقع التي تقع بمنطقة العريش والشيخ زويد ورفح وما حولهم، ففي الواقع يحتوي موقع الخروبة على بعض التجمعات القديمة ولعل أشهرها هو موقع رقم A 289 كما أطلقت عليه بعثة جامعة بن جوريون وتم التنقيب فيه أثناء 1972/1982، وقد نشرت الدكتورة يسرية عبد العزيز حسني أستاذ التاريخ والآثار السابق بالمعهد العالى للسياحة والفنادق ايجوث ذلك فى كتاب صادر عن دار هلا للنشر الطبعة الأولى ٢٠٠٣ بعنوان “المدخل الشرقي لمصر” ما تم اكتشافه بالخروبة أثناء حفائر سلطة الاحتلال وشملت قلعة عسكرية من الدولة الحديثة وموقع ادارى يبعد حوالى 400 م شمال القلعة العسكرية وعدد كبير من الفخار المحلى والمستورد.

وكشفت حفائر بعثة جامعة بن جوريون برئاسة أليعازر أورين (1972-1982) عن مجمع هام لمواقع من عصر الدولة الحديثة وقد تم التركيز في الحفائر على موقعين يمثلان العمار الحربية المصرية طريق حورس الحربى وكذلك نموذج لمبانى الحياة المدنية .
القلعة العسكرية

بنيت قلعة خروبة على مسطح كتلة رمال سوداء على حوالى ثلاثة آلاف متر مربع تقريبًا تتوسط الرمال الداكنة والبناء الفعلى للقلعة يمتد حوالى 2500 م2 .


قلعة الخروبة مربعة طول الضلع 50م على مسطح من الرمال ذات مدخل يقع في الشرق من السور الشرقى للقعلة وسمك الأسوار 4م ومبنية بالطوب اللبن من الطفلة الرملية بالمنطقة بارتفاع تخيلى 6م، بالركن الشمالى الشرقى للقلعة كتف ضخم يمكن أن يكون قاعدة لبرج مراقبة.

وتشبه القلعة الأبنية المحلية في مصر خلال عصر الدولة الحديثة ، وذكر الدكتور أورين أن عملية المبانى الرسمية تحت مسئولية الادارة المصرية في طريق حورس تؤكد التفوق الهندسى وحسن توظيف عمال البناء حيث تشتمل أسوار القلعة والبوابة وحدهما على 50000 م2 من الطوب (بما يعنى 65 طوبة في المتر المربع) علاوة على عشرات الآلاف من الطوب الذى يمكن الاحتياج اليه في المبانى في مساحات الحوائط .

والمدخل الوحيد للقلعة عبارة عن بوابة 13م طول، 12م عرض تفتح في الحائط الشرقى للقلعة ويبلغ طول ممر المدخل 16م وعرضه 3.70م وقد أنشئ ليسمح بمرور العربات الحربية والكتفان البارزان اللذان يحيطان بالمدخل يكونان مع البوابة وحدة دفاعية قوية مقاساتها 13م طول، 8م عرض، ويعتقد أن الجزء الشرقى من القلعة وجد خالى من المبانى وربما استخدم ذلك المكان أو الحيز لإقامة مخيمات للعسكر وأماكن للعربات الحربية، وباقى الفراغات داخل المساحة الحائطية تحتوى على عدد كبير من الحجرات المتاخمة للحائط الخارجى وتفتح داخل الفناء فقد استعملت لتخزين التجهيزات أو الطعام أو المطابخ فى الركن الشمالى الشرقى من القلعة.


يتضمن الجناح الشمالى من القلعة مجموعة حجرات وصوامع ومخازن وفناء صغير متاخم للسور استخدم مطبخًا حيث كشف فيه عن سبعة أفران, كل واحدة قطرها حوالى 70سم، وهذه الأفران محفورة ومبنية في الأرض، أمّا الجناح الغربى للقلعة فيشمل مجموعة من الحجرات استعملت للإقامة والتخزين وبنيت الأرضيات من الطوب اللبن والدكة الطينية، كما شغل جزء متسع من الجانب الغربى ببقايا مبانى تشمل مركز إدارى دمر بحريق والبقايا من هذا التدمير أكوام من الطوب اللبن وقلعة الخروبة فريدة سواءً في حالتها الممتازة من الحفظ أو مجموعتها الفنية من الفخار والدفنات والتى مكنت الأثريين من تأريخ مواقعها المختلفة حيث يمكن التعرف على طرق بناء العمارة الحربية بدقة وعلى وجه صحيح في طريق حورس بشمال سيناء وكذلك مقارنته واختباره مع الحصون التى حددت في نقش الكرنك للملك سيتى الأول بالأقصر حيث يوضح النقش حوالى 20 محطة منها 11 منشأة حصينة

نقوش الكرنك

هناك مناقشات علمية حول ظهور الحصون في نقوش الكرنك وحقيقة حصون شمال سيناء وكيفية رسمها ويعتقد في ضوء الدلائل التى ظهرت في الاكتشفات الخاصة بجامعة بن جوريون وكذلك الاكتشافات المصرية بتل حبوة لبعثة المجلس الأعلى للآثار أن الفنان كان يعتمد على نموذج أساسى للحصن ثم يغير بعد ذلك بحرية, وهذا الاستنتاج وجد ما يؤكده في النقوش المصرية المعاصرة ورسوم الجدران التى تصور الحملات العسكرية إلى فلسطين

واتضح فى هذه المناظر أن المدن المحصنة تماثل الحصون التى خططت وبنيت بواسطة المصريين في شمال سيناء مما يؤكد أن المصرى استعمل نفس النموذج لمعالجة كل من المدن الواسعة والكثيفة التحصين مثلاً عسقلان في فلسطين و قادش في سوريا والقلاع والحصون الصغيرة والمتوسطة على طريق حورس فى شمال سيناء حيث أن الحصون في نقوش الكرنك هو تكرار متواصل لنفس الوضع

الموقع الثانى

الموقع الثانى فى مجمع الخروبة يلقى الضوء على الإدارة المصرية في شمال سيناء في موقع من مواقع طريق حورس، يبعد هذا الموقع حوالى 400م شمال القلعة وقريبًا من خط الساحل وسط الكثبان الرملية الساحلية
وفى الحقيقة فإن معظمه دفن تحت سلسلة تلال ضخمة من الكثبان الرملية يرتفع بعضها أكثر من 20م, الحدود الأصلية للقرى أو المستوطنات غير معروفة لكن بقايا المبانى والمتبقى من الفخار أعطى فكرة أن المساحة كانت تغطى أكثر من 24000م2 اكتشف منها حوالى 2000م2 وقد تم تحديد ثلاثة وحدات مبانى تشمل مجموعة من المخازن في وسط الموقع ومساحة حائط واقى به فتحات السهام في الشمال الغربى ومنطقة صناعية في الشرق .

توجد أكوام من الطوب المتساقط وقطاعات كاملة تخص بقايا المنشآت الكبيرة بين المخازن والحطام كلها مستقرة في الرمال بعد أن هجر الموقع وأرضية المخازن عليها أكوام من طبقات الحبوب المتفحمة ومثلها في الفناء أمامهم حيث تعتقد بعثة جامعة بن جوريون التى اكتشفت الموقع أنها تناثرت من كيس من أكياس الحبوب أثناء شحنها أو تحميلها، علاوة على أنواع من الحجرات والمقصورات الصغيرة تقع إلى الشرق والجنوب والغرب من المخازن كثير منها أرضيتها معبدة بالطوب يحتمل أنها قد استعملت كسكن أو مبانى إدارية أو أماكن حفظ (أرشيف)،الاكتشافات في الجناح الشمالى الغربى هو عبارة عن بناء حائط دفاعى طوله على الأقل 25م مغطى بطبقة من الجص رقيقة كما كشف عن مقاعد طوب مدهون بالجص بنيت مقابل الحوائط والبناء الداخلى مقطوع بحوائط كتفية رفيعة وهناك بقايا الطوب المتساقط متراكم حتى ارتفاع 1.5متر .

ورش الفخار

يعد واحدًا من أهم الاكتشافات في الموقع المنطقة الصناعية والتى تحتوى على ورش صناعة الفخار وهذه المنطقة منفصلة عن باقى المستوطنة أو القرية ببناء جديد قاطع من الطوب بدون شك ليمنع تلوث المخازن ومنطقة الخدمات من الدخان الدائم المنبعث من الأفران .

تقع الورش في النهاية الشرقية للموقع وتعطى شعورًا بأن الرياح السائدة في شمال سيناء هى رياح شمالية غربية إلى جنوبية شرقية وبذلك تحمل الهواء الملوث خارج المستوطنة وهذا الاكتشافات جعل من الممكن التتبع التفصيلى لكل الطرق والاجراءات التى تتم في أفران صناعة الفخار وتتضمن تحضير الطفلة (الطين) وتشكيل الأوانى وحرقها في الفرن
وأن اكتشاف أفران الفخار من الدولة الحديثة ساعد على فهم تقنية صناعة الفخار في هذه الفترة في شمال سيناء وفى مصر كلها ، أما الجزء الشمالى للحى الصناعى فكان مشغولاً بمجموعة من المعسكرات التى تخدم في كل الاحتمالات تخزين الطينة لعمل الفخار

كانت الطفلة تجلب إلى صهريج ماء ثم تلين تحت أرجل الخزاف حتى يصبح قوامها مرن لسهولة تشكيلها على عجلة الخزاف، وقد كشف في موقع الخروبة عن موقعين لصناعة الفخار، والأفران المكتشفة توضح نوعية أخرى من النشاط عن الاستخدام الحربى للموقع على طريق حورس الحربى القديم وبدراسة الأفران المكتشفة أصبح هناك فكرة واضحة عن النماذج والأشكال التى تم الكشف عنها بالموقع والمصنعة محليًا بالخروبة شمال سيناء .

المنقولات من موقع الخروبة

عثر على مكتشفات من بقايا الفخار والخزف والزجاج صنعت من طين الدلتا أو طينة ذات مكونات كلسية (عالية الجير) وأشكال أوانى تمثل الشخصية المصرية في صناعة الفخار، ويعتبر فخار (خروبة) ذو أسلوب مصرى صرف والقطع الفخارية تتكون من حامل طويل ذو ارتفاع له قاعدة تشبه المزمار مع قمة على شكل سلطانية وأوانى الزهور ثقيلة ودائمًا قاعدتها مثقوبة وكذلك الجرار المصرية .

كما كشف بالموقع على صومعة من الفخار عليها خرطوش كبير باسم الملك سيتى الثانى وبقايا أوانى فخارية عليها نقش خرطوش الملك سيتى الثانى تماثل ما كشف عنه بواسطة فلندرز بترى على أرضية البناء الخارجى لمقر الحكم في (تل الفرح) ووجود هذه الأوانى بدون شك يوضح خاصية الإدارة في شمال سيناء و جنوب فلسطين ويحمل دليل على تواجد الإدارة والسيادة المصرية على هذه المناطق في تلك الفترة من عصر الدولة الحديثة .

أهمية الاكتشافات

تدل الاكتشافات الأثرية بالخروبة على قبضة المصريين وسيطرتهم على طريق حورس في شمال سيناء وتؤيد الدلائل من الوثائق المصرية على سيطرة الرعامسة على أغلب الطرق السريعة في كنعان، وأصبح واضحًا أن أغلب نظم التحصينات المصرية بنيت في الأسرة 19 الفترة التى ذكرت بواسطة نقوش الكرنك لنظم الاصلاحات على طريق حورس بشمال سيناء تحت حكم سيتى الأول ووجدت صهاريج من الفخار في قلعة (خروبة) باسم سيتى الثاني.

وأن الدلائل الحديثة في شمال سيناء والدلائل المكملة لها من مناجم الفيروز والنحاس في جنوب سيناء وفى مواقع غرب النقب ووادى الأردن تفنّد الآراء التى زعمت بأن مصر قد مرت بفترة فوضى فيما بين موت مرنبتاح وتولى رمسيس الثالث الحكم وفقدت مصر وضعها المهم في ميدان الصراع وسيطرتها على كنعان، ولكن الكشوفات الأثرية تثبت أن مصر ظلت محافظة على قبضتها على شمال سيناء وحضور قوى في كنعان تحت حكم سيتى الثالث وأرملته وخليفته (تاوسرت) .

وأن الاكتشافات الأثرية في شمال شرق سيناء والنقب الغربية أكملت صورة الإدارة المصرية والنظام العسكرى في الإقليم الساحلى لشمال سيناء وأثبتت النفوذ القوى للثقافة المصرية في هذا الإقليم .

كما أن الاكتشافات التى تمت بواسطة بعثة جامعة بن جوريون في “تل سيرا” على الضفة الشمالية من “نحال جيرار” قد كشفت عن مستوطنة من القرن 14-12 ق.م. , تحتوى على كمية كبيرة من الخامات المصرية . على وجه الخصوص مبنى ضخم بنى على الطريقة المصرية حيث الاحتمال الأكبر أنها استراحات لحكام مصريين محليين اثناء فترة حكم رمسيس الثالث.
وتتضمن طبقات الحطام في هذه المبانى مجموعة من السلطانيات ذات نقوش حروف مطبوعة باللغة الهيراطيقية تصف نوعية المكاييل المتنوعة للقمح ربما استخدمت لكيل المحصول أو جزية للحكام المحليين أو المعابد وهذه الوثائق المرتبطة بمجموعة من القطع المصرية من الخزف والألباستر والفايانس والزجاج يمكن أن تدل على أن هذه المبانى مراكز إدارية مصرية .
وأن اكتشاف المراكز الإدارية على طول المواقع الحربية بشمال سيناء أضاف بعدًا لفهم الحكومة المصرية في شمال سيناء حيث أظهر الارتباط بين النظام الحربى ونظام مراقبة بيروقراطى للتجارة لتجميع الأعمال والضرائب وإشباع احتياجات العساكر في الحامية وفى معسكرات الجيش والتى تتوقف هناك للتزود بالمؤن أو إقامة معسكرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى