الروبل الروسي يسترد عافيته
أ ش أ
قلبت الحرب «الروسية- الأوكرانية» العديد من الثوابت الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية، وقادت العالم إلى الحديث عن مفارقات لا حصر لها، لعل أبرزها ما شهده يوم أمس الاثنين على صعيد أسواق صرف العملات الأجنبية، إذ تمكن الروبل الروسي من استرداد عافيته كاملاً، واستعاد مستواه تقريبا أمام غريمه الدولار الأمريكي، رغم العقوبات الغربية “الصارمة غير المسبوقة” التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وعدد من البلدان الغربية الأخرى.
وبلغ سعر العملة الروسية في تعاملات أسواق الصرف العالمية أمس الاثنين 75ر85 روبل للدولار وكان سعره بعد 24 ساعة من الهجوم الروسي لأوكرانيا في 25 فبراير الماضي قد بلغ 17ر85 روبل للدولار الواحد.
وينظر الكاتب البارز، سامانث سوبرامانيان، بكثير من التأمل والاستغراب، قائلا في مقال سريع له على دورية “كوارتز”، إنه لم يكد يمر شهر على العقوبات الغربية “الثقيلة” التي فرضها الغرب على روسيا، إلا وقد شهدنا الروبل الروسي يعاود مناطحة الدولار الأمريكي مجددًا، ليسترد مستوياته التي كان يسجلها قبيل الهجوم الروسي لأوكرانيا.
ويرى الكاتب الهندي المقيم في بريطانيا، سوبرامانيان، أن مثل تلك التحركات في العملة الروسية تثير في أذهاننا تساؤلات: لماذا لم يتألم الروبل… وهل تؤدي العقوبات تأثيراتها؟
ويحاول الكاتب سبر جور أسباب استرداد الروبل الروسي لعافيته قائلاً “جزء من المنطق وراء ذلك يكمن في أن السلطات الروسية تقوم بالكثير من الممارسات لتعزيز الروبل، أوكما وُصفت “بالكثير من التلاعب”، حسبما صرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، أمس الأول الأحد مستطرداً في قوله “الناس يمنعون من تحويل الروبلات، وهذا يؤدي إلى تصحيح مفتعل للقيمة”، غير أن تلك المراقبة الرأسمالية ليست مستدامة على المدى البعيد، إذ أضاف بلينكن “أعتقد أنك سترى ذلك يتبدل”.
وينتقل الكاتب إلى عامل إضافي أسهم في تصحيح الروبل لمكانته واستعادته لقيمته قبيل العملية العسكرية، مستشهداً برأي خبير اقتصادي بريطاني يرى أن ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي في الأسواق العالمية، تعني بالضرورة تصاعد قيمة الصادرات الروسية.
ونقل سوبرامانيان عن رئيس شؤون الأسواق البازغة في شركة “كابيتال إيكونوميك” البحثية المتخصصة، ويليام جاكسون، قوله “إنه في الوقت الذي أثرت فيه العقوبات (داخل روسيا) على الطلب والواردات المحلية التي انخفضت بصورة حادة، شاهدنا تصاعداً دراماتيكياً في فوائض الحسابين التجاري والجاري، وهو ما خلق طلباً على الروبلات”.
وأكد جاكسون أنه “كلما بقيت أسعار الطاقة مرتفعة، وتمكنت روسيا من الحفاظ على معظم عملائها في قطاعي النفط الخام والغاز الطبيعي، فإن الروبل، على الأرجح، سيتجه قدماً ويواصل تحسنه”.
وعاود الكاتب سوبرامانيان استعراض الأمر، مؤكداً أن مثل تلك العوامل ليس من المحتمل تغيرها، لافتا إلى أن ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول الأوروبية الكبرى المستوردة للغاز الروسي مازالت تعاني ضغوطاً كبيرة من روسيا لسداد مدفوعاتها بالروبل، وهي خطوة ربما تسهم في دعم مكانة العملة الروسية وتقودها إلى تحقيق المزيد من المكاسب في الأسواق.
غير أن الكاتب استدرك قائلاً “لو رفضت تلك الدول ذلك، ومضى بوتين في تهديداته فعلياً بقطع الغاز عنها، فإن التوقف المفاجئ للمدفوعات ربما سيؤدي إلى تردي الروبل وتضرره بشدة”.
بيد أن قيمة الروبل في الأسواق، لا تعد المؤشر الأمثل لقياس مدى فعالية العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، على حد تعبير الخبير الاقتصادي جاكسون الذي تابع قائلاً “بغض النظر عن تحركات الروبل (في الأسواق)، فإن العقوبات أضرت الاقتصاد الروسي بشدة، فالتضخم قفز إلى مستويات حادة، والمصارف في ظل القيود والضغوط المالية، تعاني بشكل دراماتيكي”.
وكان الروبل الروسي سجل أدنى مستوياته أمام الدولار الأمريكي في السابع من مارس الماضي حين بلغ 18ر140 روبل للدولار، وفقدت العملة الروسية ما يقرب من 10% من قيمتها في اليوم التالي للهجوم الروسي، واستمر هبوطها على مدار أول أسبوعين فاقدة 20% من قيمتها، غير أنها شرعت في تصحيح أوضاعها اعتبارا من 24 مارس الماضي، حين عرفت طريقها للتحسن بأقل من 100 روبل للدولار، إذ سجلت 98 روبل للدولار، وتابعت تقدمها بشكل مطرد حتى استردت يوم أمس الاثنين مستواها الذي كانت عليه قبل الهجوم على أوكرانيا.