تاريخ وحضارة

مسجد الظاهر بيبرس.. شاهد على تاريخ العمارة المملوكية

راندا سالم

مسجد الظاهر بيبرس أنشأه الظاهر بيبرس البندقدارى، بين عامى ‏665‏ ـ‏667‏ هـ، ليكون تحفة معمارية شاهدة على روعة البناء فى العصر المملوكى، ويعتبر مسجد الظاهر بيبرس ثانى أكبر مساجد مصر بعد أحمد بن طولون، وأنشئ على مساحة ثلاثة أفدنة تقريباً.

مراحل كثيرة مر بها المسجد.. الاهتمام به تارة وإهماله تارة أخرى،  حتى جاء الوقت الذى اهتمت به الدولة الآن وشرعت فى أعمال ترميمه وتجهيزه للعودة خلال الشهور القليلة القادمة الى الصورة التى كان عليها وقت إنشائه قبل نحو 850 عاما عندما بناه السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، الذى شارك سيف الدين قطز فى هزيمة المغول، ويعتبره المؤرخون المؤسس الفعلى لحكم دولة المماليك البحرية، وقد كان رابع سلاطين المماليك، وبدأ حياته فى مصر لدى السلطان الصالح الأيوبى كمملوك وأطلق عليه لقب «ركن الدين»، حيث دأبت الدولة الأيوبية على استقطاب مماليك من إقليم كان يسمى بـ«القمجان» والمعروف باسم «كازاخستان» حالياً لما يتميزون به من قوة البنيان حيث اشتراه علاء الدين البندقدارى ومنه أخذ اللقب.

ظلت الشعائر الدينية مقامة بهذا الجامع العظيم ولم تعطل إلا منذ أوائل القرن السادس عشر الميلادى، وذلك لاتساع رقعته وعجز الدولة عن الصرف عليه، وكان من نتائج ذلك أن ساءت حالة الجامع وتخرب، فحوله العثمانيون إلى مخزن للمهمات الحربية كخيام والسروج وغيرها، وفى عهد الحملة الفرنسية تحول الجامع إلى قلعة وثكنات للجند وعرف الجامع فى ذلك الوقت باسم قلعة سيكوفسكى، وفى عصر محمد على تحول الجامع إلى معسكر لطائفة ومخبز للجراية، ثم استعمل بعد ذلك مصنعًا للصابون.

خلال السنوات الماضية تعرض مسجد الظاهرة بيبرس لإهمال شديد، ولم يحظ بالاهتمام اللائق بتاريخه حتى أوشك على الانهيار، وقبل أحداث 25 يناير كانت هناك محاولات جادة لتطويره لكنها توقفت حتى العام الماضى الذى شهد بداية العمل على تطويره لكى يستعيد تاريخه وأمجاده العريقة خلال الأشهر القادمة.

الأرض التى تم بناء مسجد الظاهر بيبرس عليها خارج مدينة القاهرة وتحديداً فى شمال المدينة، كانت  بورًا خالية من العمران، وهذا الاختيار كان لعدة أسباب وقتها أهمها أن يكون المسجد بمساحة كبيرة خارج القاهرة الفاطمية، وتم إنشاء مدارس كبيرة سميت على اسمه «الظاهر بيبرس» داخل القاهرة مع إعادة إحياء الخلافة الاسلامية التى كانت موجودة فى بغداد.

وهذا المسجد الأثرى للأسف كان منكوباً، وكان مذبحا للخنازير فى عهد الاحتلال البريطاني، وضاع الكثير من معالمه الأثرية لإساءة الاهتمام به، ومساحة المسجد كبيرة نحو 70 مترا فى 80 مترا، ويعتبر من المساجد الكبرى الموجودة فى مدينة القاهرة، وتم بناؤه على الطراز المملوكي، وهو على طراز المساجد الجامعة ويعتبر النموذج الأول للمسجد النبوى بالمدينة المنورة.

وصف المسجد

كان الجامع عند إنشائه مثالا للروعة والجلال. وتخطيطه على نسق غيره من الجوامع المتقدمة يتألف من صحن مكشوف يحيط به أروقة أربعة أكبرها رواق القبلة كانت عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا المشرفة منها على الصحن فقد كانت محمولة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع كذلك صف العقود الثالث من شرق كانت عقوده محمولة على أكتاف بنائية أيضا. أما عقود القبة التي كانت تقع أمام المحراب فإنها مرتكزة على أكتاف مربعة بأركانها أعمدة مستديرة. وكانت هذه القبة كبيرة مرتفعة على عكس نظائرها في الجوامع السابقة فإنها كانت صغيرة متواضعة. أما وجهات الجامع الأربع فمبنية من الحجر الدستور فتحت بأعلاها شبابيك معقودة وتوجت بشرفات مسننة وامتازت بأبراجها المقامة بأركان الجامع الأربعة وبمداخلها الثلاثة البارزة عن سمت وجهاتها. ويقع أكبر هذه المداخل وأهمها في منتصف الوجهة الغربية قبالة المحراب. وقد حلى هذا المدخل كما حلى المدخلان الآخران الواقعان بالوجهتين البحرية والقبلية بمختلف الزخارف والحليات فمن صفف معقودة بمخوصات إلى أخرى تنتهى بمقرنصات ذات محاريب مخوصة إلى غير ذلك من الوحدات الزخرفية الجميلة اقتبس أغلبها من زخارف وجهات الجامع الأقمر وجامع الصالح طلائع ومدخل المدرسة الصالحية. وكانت المنارة تقع في منتصف الوجهة الغربية أعلى المدخل الغربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى