العاملون بالسياحة في مصر يعانون في انتظار افتتاح المتحف الكبير

بالقرب من أهرامات الجيزة، تصطف حوانيت تبيع تماثيل فرعونية وأوراق بردي منقوشة وهدايا تذكارية، منّى أصحابها النفس بارتفاع وتيرة السياحة عند افتتاح المتحف المصري الكبير الذي يقع أسفل هضبة الأهرام.
على مدى الأشهر الماضية، أجرى أصحاب المتاجر استعدادات مكثفة للافتتاح الذي كان مقررا مطلع الشهر الحالي بعد أكثر من عقدين على بدء العمل في المشروع.
تقول منى، صاحبة محل تبلغ 43 عاما لوكالة فرانس برس “اقترضتُ أموالا لتجديد المحل وشراء بضائع تشبه تلك المعروضة في المتحف”.
أما محمد ممدوح خطاب البالغ 38 عاما فاستعد للحدث الكبير عبر الاستعانة بعمّال إضافيين وتدريبهم وعرض منتجات جديدة.
يضم دكان خطاب الذي يعمل في قطاع السياحة منذ أكثر من 20 عاما، مشغولات يدوية تقليدية وتماثيل أثرية تذكارية. وهو يرى أن افتتاح المتحف الكبير “خطوة شديدة الأهمية كان يجب أن تتم قبل وقت طويل”.
لكن الآن، بات على أصحاب المحال والعاملين في السياحة الانتظار لفترة أطول بعد تأجيل افتتاح المتحف مرة أخرى.
في تصريحاته لإعلان تأجيل الافتتاح، عزا رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي القرار “لما يحدث في هذا الوقت في المنطقة”، في إشارة إلى الحرب بين إيران وإسرائيل.
وبعد أن كان من المقرر افتتاحه في 3 تموز/يوليو، ذكرى صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، “وجدنا أن المناسب هو إرجاء هذه الفعالية الكبيرة ليبقى لها الزخم العالمي المناسب وتكون في أجواء مناسبة”، بحسب مدبولي.
لم تكن هذه المرة الأولى، فقد أرجئ افتتاح المتحف مرارا بسبب الاضطرابات السياسية والأزمات الاقتصادية والجائحة العالمية.
وأشار مدبولي إلى أن موعد الافتتاح الجديد سيكون أقرب إلى نهاية العام الجاري.
– إلغاء رحلات –
داخل المتحف، فُتحت بعض صالات العرض جزئيا للزوار، إلا أن أهم كنوزه، أي مقتنيات الملك توت عنخ آمون، لم ترَ النور بعد.
يضم المتحف الجديد، وهو “أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة” بحسب الرئيس السيسي، نحو 100 ألف قطعة أثرية تعود لعصور مختلفة في مصر القديمة.
وعلى مقربة من الموقع، في شركة سياحة صغيرة تدعى “تايم ترافيل”، تسبب التأجيل في خسارة كبيرة بعدما “ركزت كل عروضنا للصيف والخريف على افتتاح المتحف”، كما أفادت نادين أحمد، إحدى العاملات بالشركة لوكالة فرانس برس.
وتوضح أحمد أنه “بين إلغاء الحجوزات وإعادة الأموال وتغيير الخطط، خسرنا عشرات الآلاف من الدولارات”.
ويعتمد الاقتصاد المصري بشكل كبير على قطاع السياحة الذي يشكل 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، والذي واجه صعوبات كبيرة خلال العقد الماضي.
شهدت معدلات السياحة في مصر تراجعا كبيرا إبان ثورة عام 2011 وما تلاها من اضطرابات سياسية ثم جائحة كوفيد-19.
إلا أنها القطاع يشهد انتعاشا تدريجيا في الآونة الأخيرة، إذ استقبلت مصر 3,9 ملايين سائح خلال الربع الأول من عام 2025، بارتفاع 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وتتذكر منى التي فضلت عدم الكشف عن كامل هويتها، أنه خلال الأزمات المتعاقبة “مرت أيام لم أبع فيها سوى إسوارة واحدة”، بعد أن كان دكانها يعج بالسائحين قبل عام 2011، حين كان يديره والدها.
بينما تشير سارة محمود، مرشدة سياحية تبلغ 30 عاما تحدثت لفرانس برس داخل حانوت يبيع أوراق البردي، إلى أن “أحداثا كبيرة مثل نقل المومياوات الملكية وافتتاح الأماكن الأثرية جذبت أعدادا كبيرة من السائحين وساهمت في تحسين قطاع السياحة”.
ويرى راجي أسعد، الخبير في أسواق العمل وأستاذ الاقتصاد في جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة، أن “أي استثمار يؤدي إلى إدخال مزيد من العملة الصعبة هو الاختيار الأنجع، مقارنة بمشروعات أخرى لا تدر ربحا بالعملات الأجنبية، بل تثير تساؤلات حول العائد من الاستثمار”.
ويقول أسعد لفرانس برس إن مشروع المتحف المصري الكبير له قيمة اقتصادية “أعلى مقارنة بالمشروعات الأخرى”.
في مصر، ما زالت المخاطر الاقتصادية عالية في بلد غارق في الديون يعيش نحو ثلثي سكانه البالغ عددهم أكثر من 100 مليون نسمة، تحت خط الفقر.
ومنذ 2022، خسر الجنيه المصري أكثر من ثلثي قيمته أمام الدولار الأميركي، متسببا في أزمة اقتصادية حادة وارتفاع كبير في معدلات التضخم.