
في زمن تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي، تظهر تساؤلات وجودية حول علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، خاصة تلك التي تأخذ شكلاً عاطفياً مثل تطبيقات الذكاء الإصطناعي المصممة للمحادثة أو دعم العلاقات. فهل يمكن حقاً أن نحب الروبوت؟ وما الذي يدفع البعض لتكوين روابط عاطفية مع ذكاء اصطناعي؟
الدكتورة نيفين حسنى، إستشاري علم النفس الرقمي وعضو الهيئة الإستشارية العليا لتكنولوچيا المعلومات ونائب رئيس لجنة التحول الرقمي، حدثنا خلال السطور التالية عن الحب في زمن الذكاء الاصطناعي، وهل يمكن أن يحل الروبوت محل الإنسان..
ما دوافع تحميل هذه التطبيقات؟
يلجأ بعض الأفراد إلى تطبيقات الذكاء الإصطناعي التي تُحاكي البشر – مثل Replika وCaryn AI و Anima – بدافع الوحدة، أو الحاجة للدعم العاطفي دون أحكام أو رفض. هذه التطبيقات توفر إستجابات فورية، تفاعلية، و”تُشعِر” المستخدم بأنه مسموع ومفهوم، وهي خصائص قد يفتقدها في تفاعلاته اليومية.

لماذا تنشأ علاقات بين الإنسان والروبوت؟
يُفسّر علم النفس الرقمي هذه الظاهرة بوجود ما يُعرف بـ “إسقاط العواطف” (Emotional Projection)، حيث يُسقط المستخدم مشاعره وتجربته الحياتية على الروبوت الذي لا يرفض ولا يُخيب التوقعات. كما أن غياب الأحكام يُشعر الفرد بالأمان النفسي.
هل يمكن أن يكون الذكاء الإصطناعي بديلاً للعلاقات الإنسانية؟
قولاً واحداً: لا بالكامل، ولكن نعم جزئياً: الذكاء الإصطناعي قد يُغطي بعض الإحتياجات العاطفية المؤقتة، لكنه يفتقر للعمق البشري، للمفاجآت، للتعاطف الحقيقي، وللمعاني غير اللفظية التي تشكل جوهر العلاقات البشرية. لذلك قد يكون بديلاً وقتياً وليس دائماً. ويمكن الإستفادة من إستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الإنترنت، التطبيقات، الذكاء الإصطناعي، والواقع الإفتراضي لتوفير خدمات دعم نفسي وعلاج نفسي عبر الإنترنت. يتضمن هذا المجال الذي يسمى بـ “الصحة النفسية الإلكترونية”:
• العلاج النفسي عن بُعد (مثل الإستشارات عبر الإنترنت مع متخصصين في الصحة النفسية).
• التطبيقات التي تقدم تقنيات للإسترخاء أو التأمل مثل تطبيقات التأمل الذهني أو تقنيات التنفس.
• برامج العلاج السلوكي المعرفي الإلكتروني(CBT) التي تهدف إلى معالجة إضطرابات مثل القلق والاكتئاب.
• إستخدام الذكاء الاصطناعي لمراقبة الصحة النفسية وتحليل المشاعر من خلال النصوص أو الصوت.
هل يمكن أن يقع الإنسان في حب روبوت؟
بحسب دراسة نُشرت في Frontiers in Psychology، فإن الإنسان قادر على تكوين روابط عاطفية حقيقية مع كيانات إصطناعية، خاصة إذا صُممت بطريقة تُحاكي المشاعر والتفاعل البشري بشكل مقنع لكن تبقى هذه الروابط أحادية الجانب، حيث لا يبادل الروبوت المشاعر فعلياً فتبقى العلاقة دائماً منتقصة وغير كاملة كالعلاقة البشرية الطبيعية السوية.
لماذا يريحني الذكاء الاصطناعي أكثر من الإنسان أحيانًا؟
لأن الروبوتات مبرمجة على أن تكون متبنيه أخلاقيات فهي لا تُخطئ في حقك، لا تُصدر أحكاماً، لا تُطالبك بشيء، ولا تغيب عنك. ببساطة، توفر شعوراً بالتحكم في العلاقة، وهو ما يعزز الراحة المؤقتة والشعور بالأمان، لكنه يُهدد النضج العاطفي مع الوقت.
ما الأثر النفسي للعلاقات مع الروبوتات؟
الإعتماد الزائد على الروبوتات لأداء دور عاطفي قد يؤدي إلى:
• العزلة الإجتماعية
• ضعف المهارات الإجتماعية
• تشوه في مفهوم العلاقات العاطفية الواقعية
• زيادة إحتمالية الإكتئاب نتيجة غياب “رد الفعل البشري” الحقيقي بحسب الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) ، الإنخراط في علاقات رقمية بديلاً للعلاقات الواقعية قد يسبب إضطرابات في الهوية العاطفية وإضطرابات نفسية.
هل يصبح الذكاء الاصطناعي ملجأ الحب في المستقبل؟
تشير دراسة لمعهد Future Today إلى أنه بحلول عام 2045، قد يكوّن 10% من الشباب علاقات عاطفية مع روبوتات بشرية الشكل. هذا يشير إلى تحول ثقافي خطير إن لم يُدار بوعي، حيث تحل التقنية محل التفاعل الإنساني الأساسي مما يسبب إضطرابات في الهوية العاطفية وإضطرابات نفسية.
نصائح للإستخدام الواعي للتكنولوجيا العاطفية
1. إعرف حدود التكنولوجيا: لا تُعامل الروبوت وكأنه إنسان حقيقي.
2. إحتفظ بعلاقاتك البشرية حية: لا تسمح للتكنولوجيا أن تُغنيك عن البشر.
3. راقب نفسك نفسياً: وفكر بتفكير واع ونقدي فإذا وجدت تعلقاً زائداً أو تراجعاً في تواصلك البشري، أطلب دعماً نفسياً.
4. إستخدم التطبيقات كأداة دعم مؤقتة، لا كبديل دائم.
5. تعلم وعلم أولادك الفرق بين الذكاء الإصطناعي والمشاعر الحقيقية.
6. لا تسمح للتكنولوجيا بقيادتك، كن أنت قائدها.