إشارات راديو غامضة من الفضاء السحيق تكشف موقع “المادة المفقودة”!

بعد أكثر من 30 عاما من الحيرة، نجح فريق بحثي دولي في حل أحد أعظم الألغاز الكونية، وهو اختفاء نصف المادة العادية التي يتكون منها الكون، المعروفة باسم “المادة الباريونية”.
وتمكن الباحثون من تتبع وتحديد مكان كل المادة الباريونية (Baryonic Matter) المتوقعة في الكون (المادة المكونة من جسيمات أولية مثل البروتونات والنيوترونات والإلكترونات، والتي تشكل كل الأجسام الملموسة في الكون، مثل النجوم والكواكب)، باستخدام ظاهرة فلكية غامضة تعرف باسم “الومضات الراديوية السريعة” (FRB)، تلك الانفجارات الكونية القصيرة التي تلمع لأجزاء من الثانية فقط.
ولطالما حيرت “المادة المفقودة” علماء الفلك منذ أن أظهرت حسابات نظرية الانفجار العظيم أن كمية المادة الباريونية يجب أن تكون ضعف ما تم رصده فعليا.
والآن، وبفضل تقنية جديدة تعتمد على تحليل مسار هذه الومضات الكونية، تمكن الباحثون من تحديد مكان اختباء هذه المادة الغامضة.
وتقوم التقنية الجديدة على مبدأ بسيط لكنه ثوري: فعندما تعبر الومضة الراديوية عبر الفضاء بين المجرات، فإنها تتفاعل مع الإلكترونات الحرة في الغاز الكوني، ما يؤدي إلى تأخير طفيف في وصولها. ومن خلال قياس هذا التأخير بدقة متناهية عبر مسارات متعددة، استطاع العلماء تقدير كمية وكثافة المادة التي مرت خلالها هذه الومضات.
وكشفت النتائج التي نشرت في دورية Nature Astronomy أن هذه المادة “المفقودة” لم تكن في الحقيقة مفقودة، بل كانت منتشرة بشكل خفي بين المجرات في شكل غاز ساخن للغاية، خافت جدا بحيث لا يمكن رصده بالطرق التقليدية. ونحو ثلاثة أرباع المادة الباريونية في الكون (76%) تتواجد في “الوسط بين المجرات” (غاز ساخن منتشر بين المجرات)، بينما توجد بنسبة 15% في هالات المجرات والنجوم والكواكب (مناطق كروية حارة عند أطراف المجرات، والـ9% المتبقية تشكل النجوم والكواكب والغازات الباردة داخل المجرات.
ولا يحل هذا الاكتشاف لغزا علميا طال أمده فحسب، بل يفتح أيضا بابا جديدا لفهمنا لبنية الكون. ويقول البروفيسور فيكرام رافي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أحد مؤلفي الدراسة: “الأمر يشبه أننا نرى ظل جميع الباريونات، مع الومضات الراديوية كضوء خلفي”. موضحا: “حتى لو لم نتمكن من رؤية الشخص نفسه، فإن ظله يخبرنا بوجوده وحجمه تقريبا”.
ومع التطور المتوقع في أجهزة الرصد الفلكي، وخاصة مشروع مصفوفة التلسكوبات الراديوية العميقة Deep Synoptic Array-2000 الذي سيرصد آلاف الومضات الراديوية سنويا، يتوقع العلماء أن يتمكنوا قريبا من رسم خريطة ثلاثية الأبعاد دقيقة لتوزيع المادة في الكون المرئي بأكمله، ما قد يقود إلى اكتشافات جديدة تغير فهمنا للكون بشكل جذري.
المصدر: لايف ساينس