البرك الوردية في البحر الميت.. سحر يخطف الأنظار ويخفي خطرًا صامتًا
د. عبد الرحيم ريحان

رحلة في عمق الجمال والجيولوجيا يصطحبنا فيها الرحالة الأردني المتخصص عبدالرحيم العرجان في أحضان أخفض نقطة على سطح الأرض وتحديدًا جنوب البحر الميت حيث تتفتح برك مائية زهرية اللون كأنها زهور نادرة في صحراء الزمن، جمال فائق جذب الأنظار وعدسات الكاميرات من كل صوب لكنه في الواقع قناع يخفي تحته خطرًا جيولوجيًا قد يتحول في أي لحظة إلى مأساة.
هذه الرحلة هى خلاصة ميدانية لرحلة وثّقها الرحالة الأردني المتخصص والمبدع عبدالرحيم العرجان الذي عايش الظاهرة عن قرب وكشف النقاب عن عالم مليء بالأسرار والتهديدات الصامتة يهديها لحملة الدفاع عن الحضارة لدورها الرائد فى نشر الثقافة التاريخية والأثرية والسياحية فى مصر وعابرة للحدود.
حين يتحول الجمال إلى فخ طبيعي
وسط الطبيعة الخلّابة رصد عبدالرحيم العرجان بعيون الرحالة المتأمل مشهدًا لا يُنسى لبرك وردية تتلألأ تحت شمس الجنوب هذه البرك ليست وليدة اللحظة بل هي ظاهرة تتكرر في مناطق منخفضة تشهد اختلاط مياه الأمطار بملوحة الأرض أو تسرب مياه البحر عبر شقوق جيولوجية دقيقة. ما جعلها تتحول إلى قبلة لعشاق الترحال وملتقى للمصورين المحترفين والهواة الذين يتجاهلون في كثير من الأحيان اليافطات الحمراء التي كتب عليها بوضوح: “خطر – ممنوع الاقتراب – حفر انهدامية”.
الخسوفات الأرضية: جراح خفية على جسد الطبيعة
خلال جولاته لاحظ عبدالرحيم العرجان أن هذه البرك ليست مجرد مياه راكدة بل هي نتاج عمليات خسف أرضي ناتجة عن ذوبان الكتل الملحية تحت القشرة السطحية للأرض هذا التغير الجيولوجي الخطير يتسبب في تكوين فجوات داخلية تؤدي إلى انهيارات مفاجئة بعضها بلغ عمقه أكثر من عشرين مترًا وسبق لها أن ابتلعت مزارع ومنشآت كاملة.
ويذكر العرجان في مقاله انهيارًا شهيرًا حدث عام 2000 لسد تابع لشركة البوتاس العربية والذي تسبب في خسارة مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في غور حديثة ما شكّل جرس إنذار للمختصين.
رأي العلم: تحذير واضح من الخطر القادم
اعتمد عبدالرحيم العرجان في تقريره على شهادة الدكتور نجيب أبو كركي الأستاذ المتخصص في علم الزلازل والهندسة الجيوفيزيائية الذي وصف هذه المناطق بأنها “قنابل أرضية نائمة” حيث أكد الدكتور أبو كركي أن وجود تشققات مركزية محاطة بفجوات هشة يجعل من هذه البرك مواقع شديدة الخطورة تستوجب تسييجًا ومراقبة دائمة.
ووفقًا لما دوّنه العرجان خلال مرافقته للدكتور أبو كركي في إحدى زياراته الميدانية فإن بعض الفوهات تجاوزت قطرها الثلاثين مترًا فيما وصلت أعماقها إلى أكثر من عشرة أمتار وكلها تقع ضمن مساحات مأهولة يزورها الناس دون إدراك حقيقي للخطر الكامن تحت أقدامهم.
هشاشة التربة وغياب الوعي: أزمة تتفاقم
وفي نقاشه مع المهندس رائد الصعوب الأمين العام السابق للاتحاد العربي للأسمدة والمستشار الاستراتيجي الأسبق لشركة البوتاس العربية نقل عبدالرحيم العرجان تحذيرًا صريحًا: “التربة في هذه المناطق شديدة الهشاشة وازدياد الزوار يزيد من الضغط الأرضي ما يرفع احتمال الانهيارات والانزلاقات المفاجئة”.
وأشار الصعوب إلى أن هذه البرك تحتوي على طحالب دقيقة من نوع “دوناليلا” والتي تنتج مواد اقتصادية مهمة يمكن الاستفادة منها لكنه شدد على أن هذا لا يبرر تجاهل الخطر الجيولوجي الجاثم.
أصل اللون الوردي: كائنات مجهرية في مهمة دفاعية
أجرى عبدالرحيم العرجان تحليلًا لمصادر علمية حول سر اللون الوردي الغريب واعتمد على دراسة حديثة للجمعية العلمية الملكية شارك فيها ستة خبراء خلصت إلى أن السبب هو وجود كائنات دقيقة من نوع الأركيا والبكتيريا المحبة للملوحة هذه الكائنات تنتج صبغة حمراء تعرف باسم “باكتيريوروبيرين”، وهي نوع من الكاروتينات التي تعمل كدرع واقٍ ضد الأشعة الشمسية القوية.
ويوضح العرجان أن هذا التفسير يفند الاعتقادات السائدة بأن اللون يعود إلى طحالب أو معادن ويضع المسؤولية العلمية في نصابها الصحيح.
صوت الأرض: نداء من الأعماق
من أكثر المشاهد إثارة للقلق والتي وصفها عبدالرحيم العرجان بلغة شاعرية حزينة هو سماع صدى الخطوات أثناء المشي فوق الأرض المجاورة للبرك ذلك الصوت الذي يتردد في الأعماق هو إنذار جيولوجي واضح بوجود فراغات تحت السطح ما يجعل الوقوف فوقها بمثابة مغامرة على شفا هاوية.
وأوضح الرحالة الأردني أن بعض الممرات الرملية الفاصلة بين البرك قد تنهار فجأة خصوصًا مع تكرار مرور الزوار الذين يتجمعون غالبًا على أطراف البرك لالتقاط صور جماعية غير مكترثين بأن الأرض التي يقفون عليها قد تكون أقرب إلى الغياب مما يظنون.
الجمال القاتل: حين يصبح المكان فخًا بصريًا
في تعليقه الإنساني على المشهد يصف عبدالرحيم العرجان هذه البرك بأنها “مصائد الجمال” حيث يخدع المشهد البصري الرائع الحواس ويجعل الناس ينسون أن المكان ليس مؤهلاً لاستقبالهم فقد تحولت إشارات التحذير إلى ما يشبه الدلالات السياحية وأصبح الخطر عنصر جذب بحد ذاته.
بين الجمال الآمن والإبداع الفني
لم يغفل عبدالرحيم العرجان الحديث عن المناطق الأكثر أمانًا وخاصة تلك الواقعة بعد جسر الموجب والتي تتميز بتشكيلات ملحية بلورية فريدة وقد قام العرجان وفريقه بتوثيق هذه المشاهد ضمن مشروع فني بعنوان “بحر الأسرار” تم عرضه في مهرجان عمان للفنون برعاية صاحبة السمو الأميرة ريم العلي، كما شارك به في ملتقى استراكا الدولي بشرم الشيخ وكان من أبرز المشاركين في كتاب “100 عام من الفن التشكيلي في الأردن”.
خاتمة الرحلة: دعوة إلى الحذر والوعي
يختم عبدالرحيم العرجان تقريره بدعوة إلى احترام التوازن بين الإعجاب بجمال الطبيعة والتعامل الواعي مع أخطارها. فما يبدو آمنًا للعين المجردة قد يخفي تهديدات كامنة تحت الأرض ومن هنا فإن الرحّالة والمصورين والباحثين وكل من يزور هذه المناطق مدعوون