دكتورة ميرنا القاضي تكتب: حكاية الزمن الذي صنعه الرومان
هل فكرت يومًا أن شهور السنة التي نعيش بها كل يوم تحمل بين حروفها أسرارًا وأساطير قديمة؟
قد تبدو أسماء الشهور مألوفة وعادية، لكنها في الحقيقة تخفي وراءها حكايات عن آلهة عظيمة وأساطير خالدة من حضارة الرومان القديمة. نعم، الشهور التي نقسم بها الزمن ونرتب بها حياتنا ليست مجرد كلمات اخترعها البشر عبثًا، بل هي تذكارات من عصور غابرة، حيث كان لكل شهر ارتباط خاص بإله أو شخصية ميثولوجية. كيف وصلت إلينا هذه الأسماء؟ ولماذا اختار الرومان تحديدًا آلهتهم ليخلدوها في تقويمهم؟
في هذا المقال، نستكشف قصة أسماء الشهور في الحضارة الرومانية، ونضيف إليها مقارنة مثيرة مع الحضارات الأخرى التي تركت بصمتها الخاصة في تاريخ الزمن.
القصة التاريخية: الشهور بين النظام القديم والإصلاح الملكي
التقويم الميلادي، المعروف أيضًا بالتقويم الغريغوري، يعتمد إلى حد كبير على الأسماء التي أُخذت من الأساطير الرومانية، خاصة الآلهة التي عبدها الرومان القدماء.
في البداية، كان التقويم الروماني يتألف من عشرة شهور فقط، يبدأ بشهر مارس وينتهي بشهر ديسمبر، بينما تُرك الشتاء بلا شهور محددة. ومع الزمن، أدرك الرومان أن هذا التقويم لا يتوافق مع دورة الشمس والفصول. وهنا جاء الملك الروماني نوما بومبيليوس ليُضيف شهرين جديدين، يناير وفبراير، لتصبح السنة 12 شهرًا كما نعرفها اليوم.
تفاصيل الشهور وأسماؤها:
1. يناير (January):
سُمّي هذا الشهر على اسم الإله يانوس (Janus)، إله البدايات والنهايات. يُصور يانوس بوجهين: أحدهما ينظر إلى الماضي والآخر إلى المستقبل، مما يعكس فكرة بداية العام الجديد. أضافه الملك نوما بومبيليوس ليكون بداية السنة الجديدة.
2. فبراير (February):
اسم هذا الشهر مشتق من “Februa”، وهي طقوس تطهير تُكرَّس للإله فبروس (Februus)، إله التطهير. أُضيف هذا الشهر أيضًا في عهد نوما بومبيليوس ليُكمل دورة العام.
3. مارس (March):
سُمّي نسبة إلى الإله مارس (Mars)، إله الحرب، حيث كان بداية العام في التقويم القديم. مارس يمثل قوة الرومان وتحضيرهم للحروب بعد فصل الشتاء.
4. أبريل (April):
أصله اللاتيني “Aperire” يعني “الانفتاح”، إشارة إلى تفتح الزهور وبداية الربيع. يُعتقد أنه ارتبط بالإلهة فينوس (Venus)، إلهة الحب والجمال.
5. مايو (May):
نسبة إلى الإلهة مايا (Maia)، إلهة النمو والخصوبة. كان هذا الشهر مخصصًا للاحتفال بالطبيعة وخصوبة الأرض.
6. يونيو (June):
أُطلق على اسم الإلهة يونو (Juno)، ملكة الآلهة وزوجة الإله جوبيتر. كانت جونو إلهة الزواج وحامية النساء، ولذلك يُعتبر هذا الشهر ميمونًا للزواج.
7. يوليو (July):
كان يُعرف سابقًا باسم “Quintilis”، أي الشهر الخامس. لاحقًا، أُعيد تسميته تكريمًا للإمبراطور يوليوس قيصر (Julius Caesar) بعد إصلاحه للتقويم.
8. أغسطس (August):
كان يُسمى “Sextilis”، أي الشهر السادس. لكن في وقت لاحق، تغيّر الاسم تكريمًا للإمبراطور أوغسطس (Augustus)، خليفة يوليوس قيصر، نظرًا لإنجازاته الكبيرة خلال هذا الشهر.
9. سبتمبر (September):
اسم مشتق من الكلمة اللاتينية “Septem”، وتعني “سبعة”، حيث كان الشهر السابع في التقويم القديم.
10. أكتوبر (October):
“Octo” تعني “ثمانية” باللاتينية، حيث كان هذا الشهر الثامن في التقويم القديم قبل إضافة يناير وفبراير.
11. نوفمبر (November):
أصله “Novem”، وتعني “تسعة”، حيث كان الشهر التاسع في السنة القديمة.
12. ديسمبر (December):
اسم مأخوذ من “Decem”، وتعني “عشرة”، لأنه كان الشهر العاشر والأخير في التقويم القديم.
مقارنة مع حضارات أخرى: تقاويم تعكس الهوية
الحضارة المصرية القديمة.. الزمن والنيل
اعتمد المصريون القدماء تقويمًا شمسيًا، حيث حملت الشهور أسماءً مستوحاة من آلهتهم والطبيعة.
1. توت: نسبة إلى الإله تحوت، إله الحكمة والكتابة.
2. بابه: نسبة إلى عيد “الأوبيت”، الذي كان يُحتفل به في هذا الشهر تكريمًا للإلهة سخمت.
3. هاتور: نسبة إلى الإلهة حتحور، إلهة الحب والجمال والموسيقى.
4. كيهك: شهر الاحتفالات الدينية المرتبطة بالإلهة أوزوريس.
5. طوبة: مشتق من الكلمة المصرية “طوبيا”، إشارة إلى وقت الفيضان وبداية زراعة الأرض.
6. أمشير: مستوحى من كلمة “مشير”، والتي تعني الرياح الشديدة التي تهب في هذا الشهر.
7. برمهات: نسبة إلى الإله مونتو، إله الحرب والقوة، وهو موسم الحصاد الأول.
8. برمودة: من “رنودة”، إلهة الحصاد والغلال.
9. بشنس: نسبة إلى الإله خونسو، إله القمر والسفر.
10. بؤونة: مشتق من “يونيو”، إشارة إلى موسم جني المحاصيل.
11. أبيب: نسبة إلى عيد “أبيب”، الذي كان يُقام تكريمًا للإله آمون.
12. مسرى: من كلمة “مسرور”، وتعني اكتمال فيضان النيل، مما يدل على الخصوبة والرخاء.
الأيام الخمسة المكملة: مخصصة للاحتفال بآلهة مثل أوزوريس وإيزيس وحورس.
التقويم المصري يعكس ارتباطًا وثيقًا بالطبيعة ودورة النيل، المصدر الأساسي للحياة.
الحضارة البابلية.. الزمن كطقس ديني
كان التقويم البابلي قمريًا، وأسماء الشهور مستوحاة من طقوس دينية وآلهة أسطورية:
1. نيسانو: شهر بداية السنة، مُخصص للإله مردوخ، إله الخلق والسماء.
2. أيارو: شهر الزراعة والاحتفال بالربيع، يرتبط بالطقوس الزراعية.
3. سيفانو: إشارة إلى الحصاد الأول، تكريمًا للإله شمش، إله الشمس.
4. تموزو: نسبة إلى الإله تموز، إله الحياة والموت، حيث يتم الاحتفال ببعثه.
5. آبو: شهر الصيف والحرارة، يرتبط بالآلهة التي تحمي الزرع.
6. أولو: شهر التجهيز للحصاد النهائي.
7. تشرينو الأول: شهر بداية موسم الزراعة الشتوية.
8. تشرينو الثاني: شهر استمرار الزراعة والطقوس الدينية.
9. كيسليمو: شهر البرد، ويُعتقد أنه مرتبط بالاستعداد للشتاء.
10. طبيتو: شهر الطقوس الدينية لتطهير الأرض والناس.
11. شباطو: شهر الاستراحة والاحتفالات الشتوية.
12. أدارو: شهر النهاية، ويُكرم فيه العديد من الآلهة، استعدادًا للعام الجديد.
أدارو الثاني: يُضاف بشكل دوري للتوفيق بين السنة القمرية والسنة الشمسية.
البابلية أضافوا بعدًا روحيًا للزمن، حيث كانت أسماء الشهور جزءًا من طقوسهم الدينية.
الزمن كمرآة للحضارات
أسماء الشهور ليست مجرد كلمات، بل هي نوافذ تُطل على قصص الحضارات المختلفة. سواء كانت مستوحاة من الآلهة الرومانية، دورة النيل المصرية، أو الطقوس البابلية، فإن التقويم هو انعكاس للروح الثقافية والهوية التاريخية لكل شعب.
كلما نظرنا إلى التقويم، نكتشف أنه يروي لنا التقويم الميلادي قصة الإنسان ورغبته في تنظيم الزمن، وتحويله إلى سجلٍ خالد يحمل عبق الماضي في كل يوم جديد.