[ الصفحة الأولى ]سفر وطيران

رغم الحروب والتوتر .. السياحة في الدول العربية تحقق أعلى معدلات النمو بالعالم

زيزي عوض

مما لاشك فيه، أن ظروف الحرب والتوتر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومع استمرار تداعيات جائحة كورونا كان لها أثر كبيرعلى صناعة السياحة والسفر في العالم، ولكن على الرغم من كل هذه العقبات، فإن القطاع السياحي في الدول العربية استطاع تسجيل قصة نجاح باهرة، اعتبارا من الأشهر الأخيرة في عام 2022، ولاسيما التي ترافقت مع مسابقة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها قطر. وفي العام التالي قفزت السياحة في المنطقة بنسبة 22 في المئة فوق ما كانت عليه قبل جائحة كورونا. وعلى العكس من ذلك، فإن السياحة العالمية ظلت أقل مما كانت عليه. وفي العام الحالي من المتوقع أن تحقق السياحة العربية نسبة نمو تصل إلى 29 في المئة فوق ما كانت عليه عام 2019، بينما سترتفع معدلات تدفق السياحة العالمية بمعدل نمو يبلغ 2 في المئة فقط مقارنة بما كانت عليه قبل ظهور الجائحة.

وواقعيا، واجهت صناعة السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هذا العام تحديا كبيرا في مواجهة الحروب والتوتر الجيوسياسي وعدم الاستقرار، خصوصا في المنطقة الممتدة بين البحر الأحمر وشرق البحر المتوسط. وتمثل السياحة أحد مصادر الدخل الرئيسية في الدول العربية، إذ تصل نسبة مساهمتها في إجمالي الناتج المحلي إلى ما يقرب من 10 في المئة في الدول السياحية الرئيسية مثل السعودية والمغرب والامارات ومصر، وتلعب دورا مهما في توفير فرص العمل المباشرة وغير المباشرة. وفوق كل ذلك فإنها مصدر شديد الأهمية في توفير تدفقات النقد الأجنبي، خصوصا للدول المدينة مثل مصر والأردن ولبنان وتونس. ومع أن بعض خبراء صناعة السياحة يعتقدون أن ظروف عدم الاستقرار أدت إلى تراجع الحركة السياحية، فإن الأرقام والبيانات الرسمية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للسياحة العالمية، واتحاد غرف السياحة لا تؤيد هذه الفرضية. على العكس من ذلك فإنها تشير إلى أن محركات نمو السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساعدت على تحقيق أكبر معدل للنمو السياحي في العالم، وأن المنطقة ما تزال تنتظر المزيد من النمو في العام القادم. وبافتراض أن الظروف المحيطة بالحرب والصراعات الجيوسياسية تسير باتجاه حالة من الهدوء النسبي، فإن الفرصة ستكون أفضل لتحقيق المزيد من النمو في السنوات القادمة. خصوصا بعدما قفزت معدلات نمو السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أعلى مما كانت عليه عام 2019 قبل أي منطقة أخرى في العالم.

تنويع الاقتصاد

وقد دخلت صناعة السياحة في العالم العربي في مرحلة نمو سريع منذ بدأت سياسة تنويع الاقتصاد وتكثيف الاستثمارات التنموية في القطاعات غير النفطية. وتضمنت خطط التنمية المستقبلية حتى عام 2030 مكانة متميزة للاستثمار في البنية الأساسية السياحية مثل الفنادق وأماكن الترفيه والموانئ والمطارات وخطوط الطيران، وكذلك في المجالات المتخصصة في بعض الدول، مثل السياحة الرياضية، خلال استضافة قطر لبطولة العالم لكرة القدم عام 2022. كما تدخل الاستثمارات في السياحة الرياضية مرحلة جديدة في المغرب والسعودية، حيث تستضيف كل منهما نسخة مختلفة من كأس العالم لكرة القدم، المغرب عام 2030 والسعودية عام 2034. وتفتح هذه البطولات وغيرها من المناسبات الرياضية العالمية، مثل مباريات الملاكمة والمصارعة والتنس، أبوابا واسعة للتعارف الثقافي بين شعوب المنطقة والعالم، وتنمية حركة السفر والسياحة بين الشرق الأوسط والعالم. وتمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بطابعها الحضاري التاريخي والديني، وشواطئها وشمسها ومناخها المعتدل، وتنوعها الطبيعي من حيث انتشار الصحاري والوديان والجبال منطقة جذب سياحي متعدد الأغراض.
كذلك فإن السنوات الخمس الأخيرة على الأقل شهدت تدفقات أكبر من السائحين القادمين من جهات جغرافية جديدة، أهمها الصين وفيتنام والهند. وتنوعت جنسيات السائحين كثيرا عن ذي قبل. ويعتبر المتغير الصيني في سوق السياحة العربية والشرق أوسطية عاملا مهما في زيادة معدلات تدفق السائحين، وزيادة إيرادات السياحة وشركات الطيران والفنادق. وقد أصبح من المألوف حاليا رؤية أفواج سياحية كبيرة قادمة من بلدان مثل الصين والهند وفيتنام واليابان. وترافق ذلك مع إنشاء وكالات سياحية جديدة، وزيادة عدد الرحلات الجوية وتنوع الأنشطة السياحية. المؤشرات الأخيرة تظهر أن عدد السائحين في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي إلى الشرق الأوسط ارتفع بنسبة 29 في المئة أعلى مما كان عليه عام 2019. بل إن بعض الدول حققت نموا قياسيا في أعداد السائحين في السنوات الأخيرة، مثل قطر التي حققت 90 في المئة في العام الماضي، في سياق البناء على ما حققته في عام استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم. كما أن السعودية حققت نموا في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بنسبة 61 في المئة مقارنة بعام 2019، وهو عام جائحة كورونا الذي هبطت فيه السياحة هبوطا شديدا بسبب القيود على حركة السفر في كل أنحاء العالم.

المتغير السياحي الصيني

يمثل ظهور السياح الصينيين بقوة في الشرق الأوسط متغيرا جوهريا جديدا، سواء من حيث جنسيات السياحة الوافدة، وأعداد السائحين، والإيرادات السياحية. وتتوقع شركات السياحة الصينية زيادة أعداد المسافرين لزيارة مصر بنسبة 65 في المئة في عام 2024. ووفقا لوزارة السياحة المصرية من المتوقع أن يبلغ عدد السائحين الصينيين أكثر من 300 ألف سائح بنهاية العام الحالي. ونظرا لأهمية السائحين القادمين من الصين (حوالي 2 في المئة من عدد السائحين في العام الحالي) تنظم وزارة السياحة المصرية مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز العلاقات مع الصين. وقد تم تسليط الضوء التي الاتجاه التصاعدي في معرض الصين للسياحة والسفر الخارجي 2024، حيث أكد وزير السياحة المصري على أهمية تعزيز العلاقات السياحية مع الصين. وتشمل المبادرات الرامية إلى جذب السياح الصينيين إطلاق نسخة صينية من الموقع الرسمي للسياحة في مصر، وتركيب لافتات صينية في مناطق الجذب الرئيسية، وزيادة عدد المرشدين السياحيين الناطقين بالصينية. هذا إضافة للتطوير الجاري في البنية الأساسية للسياحة في مصر، ومنها الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ولا يتوقف الاهتمام بجذب السياحة الصينية على مصر فقط، بل إن دولا مثل الإمارات والسعودية والمغرب تبذل جهودا كبيرة لزيادة تدفق السائحين من الصين. المملكة السعودية تسعى لجذب السائحين الصينيين الأثرياء، وتستهدف استقبال مليوني زائر من الصين سنويا بحلول عام 2030. وتتضمن الخطة السعودية لتحقيق ذلك إقامة فعاليات ترويجية مثل أسبوع السياحة الصيني، الذي يسلط الضوء على التراث السعودي والرفاهية، مصممة لجذب هؤلاء السياح، الذين يسعون بشكل متزايد إلى تجارب السفر الثقافية إلى جانب التسوق الفاخر. ويمثل الارتفاع في تدفق السياحة الصينية فرصة اقتصادية كبيرة لمصر السعودية والشرق الأوسط. وتتبنى السعودية خططا جريئة لتنويع السياحة، وزيادة نسبة تدفق السائحين الأجانب بغرض الترفيه وقضاء العطلات. وقد كشفت البيانات الرسمية الأخيرة، أن السعودية، التي اعتمدت تاريخيا على السياحة الدينية (الحج والعمرة)، تسجل الآن نجاحا ملحوظا في جذب السياحة الترفيهية. وتشير البيانات الأخيرة إلى أن 4.2 مليون سائح دولي زاروا السعودية للترفيه والعطلات خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام. ويزيد هذا العدد بنسبة 25 في المئة مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي، كما يمثل زيادة مذهلة بنسبة 656 في المئة مقارنة بعام 2019. ومن المتوقع أن تواصل صناعة السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معدلات نمو قوية خلال السنوات العشر المقبلة، بمتوسط يدور حول 5.1 في المئة سنويا، وأن ترتفع قيمة الإيرادات السياحية للمنطقة إلى حوالي 453.3 مليار دولار في عام 2034.

نمو سريع للسياحة في الدول العربية

نظرا لأن المملكة المغربية تنعم بقدر أكبر من الاستقرار بعيدا عن الحروب والاضطرابات في شرق البحر المتوسط والبحر الأحمر، فإنها كانت أقل تأثرا بالعوامل السلبية الإقليمية، ما أدى إلى أنها تشهد حاليا عاما سياحيا استثنائيا، حيث استقبلت حوالي 15.9 مليون سائح خلال الأحد عشر شهرًا الأولى من العام الحالي، مسجلًة بذلك زيادة ملحوظة بنسبة 20 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، أو ما يعادل 2.6 مليون سائح إضافي. وتستهدف المملكة المغربية رسميا استقبال 26 مليون سائح بحلول عام 2026 ودخول قائمة أفضل 15 وجهة سياحية في العالم.
ومن المتوقع أن تستقبل مصر 15.3 مليون سائح بحلول نهاية عام 2024 وهو ما يمثل زيادة بنسبة 5 في المئة عن عام 2023. وهذا هو أعلى عدد من السياح تشهده البلاد على الإطلاق. كذلك من المتوقع أن تنمو إيرادات السياحة بنسبة أكبر تصل إلى 8 في المئة لتصل إلى حوالي 15 مليار دولار، بعد أن سجلت 6 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي. وتجاوبا مع الزيادة في الحركة السياحية تستهدف مصر إضافة حوالي 250 ألف غرفة فندقية جديدة. هذه التطورات الإيجابية على صعيد المؤشرات الاساسية من المتوقع أن تزيد مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 8.1 في المئة في عام 2024 وهي نسبة تقل عن مثيلاتها في السعودية والإمارات.
وفي السعودية حقق قطاع السياحة تقدما كبيرا على صعيد عدد السائحين وقيمة الإنفاق السياحي، ما يدل على نجاح خططها ومبادراتها الاستراتيجية المصممة لبناء صناعة سياحية مستدامة تتماشى مع رؤية السعودية 2030. في عام 2023 تجاوزت البلاد هدفها المتمثل في 100 مليون زائر، وحققت هذا الإنجاز قبل سبع سنوات من الجدول الزمني الأصلي. وطبقا لـ “باروميتر السياحة العالمية” فقد عززت السعودية مكانتها كوجهة سفر عالمية رائدة، حيث تصدرت جداول الأمم المتحدة لأعلى معدل نمو للزوار الأجانب في عام 2023، فضلاً عن تصدرها دول مجموعة العشرين في كل من نمو السياحة الأجنبية وإيرادات السياحة الدولية.
وفي العام الماضي حققت دولة الإمارات 51.9 مليار دولار من السياحة الدولية، وصعدت بذلك إلى المركز السادس عالمياً في قائمة أكبر دول العالم من حيث الدخل السياحي مقارنة بالمركز الـ 13 في عام 2022. وبذلك بلغت نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي 11.7 في المئة. ومن المتوقع زيادة الدخل السياحي في نهاية العام الحالي إلى 236 مليار درهم، مقابل 220 مليار درهم في العام الماضي، ما يعادل 12 في المئة من الناتج. وتساعد الاستثمارات المستمرة في تنمية القطاع السياحي على زيادة جاذبية السياحة في الإمارات وزيادة الطاقة الاستيعابية للفنادق، خصوصا الفاخرة. وقد ارتفع عدد الغرف الفندقية في النصف الأول من العام الحالي بنسبة 3 في المئة ليصل إلى 213 ألفا و741 غرفة. وحققت الفنادق زيادة في الإيرادات بنسبة 7 في المئة. كما زاد عدد المسافرين بنسبة 14.2 في المئة. وقد استقبلت دبي وحدها 13.29 مليون سائح دولي بين شهري يناير وسبتمبر 2024، بزيادة قدرها أكثر من 7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى