وفاء عرفه تكتب: إرفعوا وصايتكم عن البشر
بادئ ذى بدء..هناك تساؤلات عديدة تُلاطم عقلى، كالأمواج الناتجة عن ثورة البحر و تقلبه إيذاء غضب الطبيعة، نعم كثرت الأسئلة!! كيف نُطالب بالحرية و نحن لا نُدرك أبسط قواعدها التى تتمثل فى إحترام إختلاف الرأى والرأى الآخر.
إن إختلاف الرأى لا يُفسد للود قضية، إنما الحقيقة إن إختلاف الرأى بيننا أفسد الود كله، والفكر، وإعمال العقل، وكل مبادئ الحرية بشكل عام، أيضاً كيف نُنادى بالتنوير حتى تمزقت أوصال أحبالنا الصوتية، ونحن نُوصد عقولنا على الظلام ونرفض شعلة المعرفة، التى تتقد وتزيد كل يوم عن الآخر وتَقُود الأمم إلى التقدم، هنا، وبالتحديد يُلح على عقلى سؤال كثيراً ما جعلنى فى دهشة وحيرة من أمرى.
هل الموت عقاب يدعو البعض للشماتة؟ كيف ذلك والموت حقيقة مُؤكدة لكل بنى البشر مثل الميلاد، نحن نولد ونحيا فترة من الزمن، ثم تتعدد الأسباب والموت واحد سُنّة كونية فى الحياة، التشفى والشماتة فى موت شخص صفة ذميمة، لا يحق لأحد الخوض فى سيرة من أصبح بين يد خالقه، مهما إختلفت معه ومهما كانت عقيدته أو جنسه أو لونه أو ثقافته أو أفكاره، خاصة الفكر لأن الأفكار لا تموت ولا تندثر، الكلمة بالكلمة والعقل بالعقل والفكر بالفكر هكذا تكون المواجهة الحرة، الفكر الحيادى والإجتهاد المنهجى، والرأى المستنير جميعهم مقومات للنهوض بالمجتمعات، ينقُصنا الكثير من ثقافة حرية المعرفة لدينا قناعة أن كل ما يُخالف أفكارنا وموروثاتنا، ولا يوافقنا الرأى هو حتماً ضدنا قولاً واحداً.
إلى متى؟ سنظل لا نحترم الآخر أو ليس من حقه أن يعلن عن قناعاته دون الرجم بالحجارة، جُبلت البشرية على الإختلاف ولوأراد الله لنا التشابه طبق الأصل لخلقنا جميعاً هكذا، إنما الإختلاف حكمة إلهية ليكمل بعضنا البعض، إن الإختلاف فى عقول البشر هو الداعم الأول للتطور بالفكر، والإرتقاء بالإنسانية.
من أعطانا الحق فى الوصاية على البشر؟ من أقر لنا مُحاسبة الناس على أرائهم و أفكارهم؟ من أباح لنا الخوض فى حرية الآخر؟ نحن أحرار فيما نراه يناسبنا و ما نعتنقه من أفكار، خذوا ما يروق لكم و إتركوا ما يتعدى حدود فكركم، ولا تنصبوا المقاصل لأحد لمجرد إختلاف الفكر، أنتم لا تعلمون قدر معاناة أصحاب الفكر المختلف وحجم الصراع الناتج عنه، فكراً جديداً مختلفاً يُضئ الطريق فى غياهب العتمة و عصور الظلام، كم من أفكار حاربها الظلاميون بكل قوتهم و سحقهم التاريخ، أما الأفكار باقية بل و قادت التغيير فى الشعوب حتى و إن مات أصحابها.
بما أن الكلمة باقية بقاء الدهر، ولأن الرأى الحر هو مفتاح العقل، و لأن الفكر المختلف هو قارب النجاة، فى يّم يمُوج بصراعات من الضلال و محاولة نشر عبودية الفكر، نحن فى زمن الإتجار بعقول البشر و فرض ما نريده عليهم، لزاماً علينا الآن أن نشير إلى حرية الفكر، حق الإنسان فى إعلان رأيه و إحترامه و مقابلته بالحوار و الرأى الآخر، دون الذم و القذف أو حتى المدح، و يكون الهدف الأول و الأخير هو إثراء العقل البشرى، وتطور المجتمع،ثم دفعه للمزيد من المعرفة المستنيرة لمواكبة كل ما هو جديد ومستحدث.
لا يسعنى فى النهاية كإنسان يمسك بين أنامله القلم، إلا أن أقدم للقارئ قناعتى بأن الوقت المهدور فى إظهار عيوب الآخرين و السخرية منهم والشماتة فى موتهم، لو إستخدم فى التركيز على أشياء تعود بالنفع الحقيقي علينا، لكانت مكاسبنا أعظم بكثير من ضجيج لا عائد له غير فوضى العقول، إن أفضل صفات المرء هو تركه ما لا يعنيه.
وأخيراً..”كُنْ بصمة تُضئ عقل إنسان و لا تكُن واصياً عليه حتى وإن كان مختلفاً معك”.