[ الصفحة الأولى ]كتّاب وآراء

دكتورة ميرنا القاضي تكتب: نساء الطب في مصر القديمة

في أعماق التاريخ المصري القديم، حيث الأهرامات الشامخة والمعابد العريقة، كانت هناك نساء لا تقل عظمة عن تلك المعالم.نساء لم يكن دورهن مقتصرًا على الأسرة والمجتمع فحسب، بل تجاوز ذلك إلى ميدان الطب والرعاية الصحية بمهارة وحكمة. على الرغم من أن الكثيرين يعرفون عن الأطباء والكهنة في مصر القديمة، وحدهم الذين يملكون العلاج إلا أن دور المرأة في الطب لم يُسلط عليه الضوء بشكل كافٍ. ما لا يعرفه الكثيرون هو أن النساء لعبن دورًا مهمًا في مجال الطب، حيث كانت هناك طبيبات بارعات وممارسات للطب في مختلف التخصصات.

من ميريت بتاح، أول طبيبة معروفة بالاسم، إلى كليوباترا التي كتبت عن صحة المرأة، كانت الطبيبات في مصر القديمة جزءًا لا يتجزأ من النظام الطبي، يسهمن في تطويره وتقدمه. لذا، دعونا نستكشف معًا قصص هؤلاء النساء القويات ونكرم إرثهن العظيم الذي ساهم في بناء التاريخ الطبي العريق.

1. الطبيبات الشهيرات:

– ميريت بتاح: تعتبر أول طبيبة معروفة بالاسم في التاريخ، وعاشت في حوالي 2700 قبل الميلاد. كانت تُعرف بلقب “رئيسة الأطباء”.

بسشيت
بسشيت كانت طبيبة بارزة خلال الأسرة الرابعة (حوالي 2500 قبل الميلاد). كانت تُعرف بلقب “مراقبة الطبيبات”، مما يشير إلى أنها كانت تشرف على مجموعة من الطبيبات. هذا اللقب يعكس مكانتها العالية ودورها القيادي في المجال الطبي

كليوباترا

كليوباترا، ليست الملكة الشهيرة، بل طبيبة عاشت في القرن الثاني الميلادي. كتبت باستفاضة عن الحمل، والولادة، وصحة المرأة. أعمالها ظلت مرجعًا مهمًا للدارسين لأكثر من ألفي سنة، مما يعكس تأثيرها الكبير في مجال طب النساء.

نبت

نبت كانت طبيبة أخرى معروفة في مصر القديمة، وعاشت خلال الأسرة السادسة (حوالي 2200 قبل الميلاد). كانت تُعرف بلقب “طبيبة القصر”، مما يشير إلى أنها كانت تعمل في خدمة العائلة المالكة وتقدم الرعاية الطبية لهم.

إيزيس

إيزيس كانت طبيبة معروفة في مصر القديمة، وعاشت خلال الأسرة الثالثة (حوالي 2700 قبل الميلاد). كانت تُعرف بلقب “طبيبة النساء”، مما يشير إلى تخصصها في طب النساء والتوليد2.

2. التعليم والتدريب:

كان الطب في مصر القديمه متقدمًا للغاية في ذاك الوقت، وشمل الجراحات ، وإصلاح كسور العظام وتركيب العديد من الأدوية. بالرغم من ارتباط الطب المصري القديم في الثقافة الحديثة بالسحر والتعاويذ، إلا أن الأبحاث الطبية أظهرت فعاليتها في كثير من الأحيان، واتفاق التراكيب الدوائية المصرية القديمة بنسبة 37 % مع الصيغ المعروفة وفقًا لدستور الصيدلية البريطاني الصادر عام 1973. حددت النصوص الطبية المصرية القديمة خطوات محددة للفحص والتشخيص والعلاج غالبًا ما كانت منطقية وملائمة.

كانت النساء في مصر القديمة يتعلمن الطب في مدارس خاصة أو من خلال التدريب العملي مع أطباء ممارسين. كانت هناك نصوص طبية مثل بردية إبيرس وبردية كاهون التي تحتوي على معلومات طبية مهمة، وكانت تُستخدم كمواد تعليمية.

3. التخصصات الطبية:

– *طب النساء والتوليد*: كان لطب النساء والتوليد نصيب كبير من الاهتمام في مصر القديمة. استخدمت النساء المصريات القدماء طرقًا مبتكرة لتشخيص الحمل والعقم، مثل استخدام الثوم لتحديد قدرة المرأة على الحمل.

وكانت هناك طرق لمنع الحمل أو لزيادة القدرة الجنسية، أو القدرة على الحمل عند المرأة ولعلاج أوجاع في جسم المرأة.
ووصلنا خطاب كان أحد ملكوك الحيثيين قد أرسله إلى ملك مصر، راجيا أن يرسل له طبيبه لعلاج أخته حتى تستطيع إنجاب طفل. ولكن الملك رد عليه بأن سبب عدم الإنجاب لدى أخته يعود إلى كبرها في السن ووصولها إلى “سن اليأس”، ولا يستطيع أي طبيب تغيير حالتها هذه.

-* طب العيون*من أهم الوصفات التي كان تكتبها الطبيبه في علاج العيون هو بالكحل. فكثرة الرمال والزعابيب وكثرة الذباب والحشرات جعلت إصابات العين كثيرة. وكان تزيين العينين بالكحل من العوامل الواقية من مرض العيون.

– *الجراحة*: كانت النساء تشارك في الجراحات البسيطة، مثل خياطة الجروح وإصلاح الكسور.

4- الممارسات الطبية:

– استخدمت الطبيبات المصريات القدماء الأعشاب والعلاجات الطبيعية لعلاج الأمراض. كانت هناك وصفات طبية مفصلة في النصوص القديمة، مثل “بردية إبيرس”، التي تحتوي على أكثر من 700 وصفة طبية. وبردية”إدوين سميث”التي تعد أقدم أطروحة جراحية معروفة عن الإصابات. كما تعد أول وثيقة طبية تصف سرطان .

– كانت هناك أيضًا ممارسات طبية تعتمد على السحر والتعاويذ، علاج التسمم (طبيب الإلهة سلكت) و”طبيب وكاهن الحقا” وهو لقب ربما كان يختص بالأمراض الغير ظاهرة”، حيث كان يُعتقد أن الأمراض قد تكون نتيجة لأرواح شريرة أو غضب الآلهة.

بفضل تفانيهن ومعرفتهن، استطاعت هذه النساء المبدعات في مصر القديمة أن يتقدمن في مجال الطب بشكل ملحوظ، حيث كن يمارسن الجراحة، ويعالجن الأمراض، ويقدمن النصائح الطبية للمرضى. بفضل تلك الطبيبات الرائدات، تركت مصر القديمة بصماتها العميقة في تاريخ الطب والصحة، مما يجعلهن مصدر إلهام وفخر للنساء في كل مكان وزمان.

إن تاريخ الطبيبات في مصر القديمة يشكل جزءًا هامًا من تاريخ الطب العالمي، ويذكرنا دائمًا بأهمية دور المرأة في مجال الرعاية الصحية والطب. لذا، دعونا نستمع إلى قصص هؤلاء النساء القويات ونكرم إرثهن العظيم الذي ساهم في بناء التاريخ الطبي العريق.

 

كاتبة المقال.. باحثه في علم المصريات والشرق الادني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى